حاولت حماية أختي

منذ صغري أخذتُ موقعي كأخ كبير على محمل الجَدّ، فاحتضنتُ منال أختي الصُغرى والوحيدة. وبقيَ الوضع هكذا حتى صرنا مُراهقَين ولاحقًا راشدَين. لكنّ هذه الأخوّة وهذا الحبّ لِمنال إنقلَبَ عليّ بعد الأحداث التي وقعَت حين تزوّجَت مِن ذلك الفاشل والكاذب.

كان رامي رجلاً لا منفعة منه، فإلى جانب كسَله كان أيضًا كاذبًا ومُحتالاً. وبالطبع حاولتُ تغيير رأي منال بالإقدام على الزواج مِن رامي، إلا أنّها ظلَّت مُصرّة لا بل أكثر مِن الأوّل. كان اهتمامي بها قد بدأ يُزعجُها. فبالنسبة لها، لَم أستوعِب أنّها صارَت إمرأة قادرة على خوض حياتها كما تشأ. لذا استسلمتُ لرغبات أختي ووقفتُ جانبًا لأرى إن كنتُ على حقّ أم لا، لكن بِتمام الجهوزيّة لمساعدة التي ساعدتُها منذ ولادتها.

أقَمنا لمنال حفلاً جميلاً وباركَ والدايَ هذا الزواج، وأنا قبّلتُ اختي مُتمنّيًا لها كامل السعادة. لكن في داخلي كنتُ أتوقّع الأسوأ مِن صهري الجديد.

في الأواني الأولى، سارَت الأمور بسلاسة، إلا أنّ أسرار رامي بدأَت تظهر الواحدة تلوَ الأخرى. فهو لَم يكن يعمل كمسؤول في مطعم شهير بل كنادل بسيط، وهو استطاع أن يغشّ أختي بمساعدة طاقم المطعم ومديره بعد أن ظنّوا أنّها مُجرّد دعابة. وهكذا كان راتبه أقلّ بكثير ممّا ادّعى، ولَم يتمكّن طبعًا مِن أن يُؤمّن لمنال الحياة التي وعدَها بها أو حتى دفع أقساط الشقّة الجميلة التي يسكنان فيها. علمتُ ذلك مِن والدتي، فأختي لَم تشأ إخباري بذلك كي لا أشمتَ بها. وأنا حفظتُ السرّ وتصرّفتُ وكأنّني لا أعلم بشيء لأرى ما ستؤول إليه الأحداث.

فتّشَت أختي عن عمل ووجدَته، وادّعَت أمامي أنّها تملّ في البيت لوحدها وتريدُ ملء وقتها بما يُسلّيها. باركتُ لها طبعًا وشجّعتُها، لأنّ ذلك العمل سيكون مُفيدًا لها، معنويًّا حين تكتشفُ كامل حقيقة زوجها، ومادّيًّا إن قرّرَت تركه خاصّة إذا أنجبَت منه يومًا.

 


ربّما تمادَيتُ بحماية أختي حين قرّرتُ مُراقبة صهري، إلا أنّني لَم أندَم على ذلك، فهو كان على علاقة بزميلته في المطعم ويذهب معها إلى مكان هادئ بعد انتهاء دوامه. فكّرتُ بمواجهته وحتى تلقينه درسًا لن يُنسيه، فلماذا تزوّج مِن منال إن كان يُريدُ غيرها؟ يا له مِن إنسان بغيض مجبول بالكذب لا يعرفُ معنى الوفاء والأخلاق! لَم أُخبر أختي بما اكتشفتُه خوفًا مِن تأنيبها لي على تحرّياتي.

إستغربتُ كثيرًا عندما تركَت منال عملَها فجأةً وسألتُها عن السبب. هي قالَت لي إنّها لَم تكن سعيدة بما تفعله لكنّني لَم أصدّقها. عندها قصدتُ والدتي التي كانت حافظة أسرارها، وعلِمتُ منها أنّ رامي أرغمَها على ذلك بحجّة الإنجاب لكنّني كنتُ أعلم أنّه لا يُريد أن تكون زوجته مُستقلّة مادّيًّا كشأن العديد مِن الرجال الذين يُمارسون سيطرتهم على زوجاتهم. ومِن جرّاء ذلك، عادَت أختي إلى العَيش بالقلّة وعدَم تمكنّها مِن الإستمتاع بالحياة كما يجب. ركضتُ أعرضُ عليها مبلغًا شهريًّا لكنّها رفضَت بقوّة قائلة:

 

ـ ألن تكفّ عن التدخّل بحياتي؟ أعرفُ أنّكَ تفعل ذلك مِن منطلق المحبّة والواجب الأخويّ، لكنّني سئمتُ مِن أن تعتبرني بنتًا صغيرة.

 

ـ لكنّكِ تعيشين بالقلّة يا أختي وأنتِ لستِ مُعتادة على ذلك.

 

ـ حبّ زوجي لي يكفيني.

 

ـ أيّ حبّ تتكلّمين عنه؟ لَم أجده في البيت ولو مرّة واحدة حين أمرّ لزيارتكِ.

 

ـ أتعاتبه لأنّه يعمل بكدّ؟

 

ـ بكدّ كبير! أُراهن أنّه يعودُ إلى البيت ليلاً مُنهكًا!

 

ـ ماذا تعني؟

 

ـ لا شيء.

 

أخبرَت منال زوجها عن عرضي المال لها وهو هنّأها على رفضها، فكرامته كرجل لا تسمحُ له بأخذ أي قرش مِن رجل آخر خاصّة إن كان أخ زوجته. لَم أصدّق قصّة كرامة صهري إذ لا كرامة لكاذب والخائن.

 


وكنتُ على حقّ، فبعد أيّام قليلة إتّصل بي رامي طالبًا منّي المُساعدة... الماليّة طبعًا، شرط أن أُبقي الأمر سرًّا عن زوجته لحفظ ماء الوجه.

سألتُه:

 

ـ كم تُريد؟

 

ـ علِمتُ مِن منال أنّكَ تنوي تخصيص مبلغ شهريّ لنا.

 

ـ بل لها... نعم هذا صحيح.

 

ـ هي لَم تقبل ولكنّنا بحاجة إلى ذلك المال، فلَم أعد قادرًا على دفع أقساط البيت وسيرموننا خارجًا قريبًا.

 

ـ سأعطيكَ ما تُريد شرط أن تقطع علاقتكَ مع النادلة.

 

ـ ماذا؟ كيف... أنا لا...

 

ـ إخرس أيّها الكاذب! ستقطع علاقتكَ معها أم لا؟!؟

 

ـ أجل، أجل، لكن أرجوكَ ألا تُخبر منال بالأمر. لا أدري ماذا دهاني... فأنا أحبّ أختكَ. هل لكَ ان تُعطيني مبلغًا كبيرًا بدلاً مِن دفعات شهريّة؟ فأنا مديون للكثير مِن الناس وأريدُ طَيّ هذه الصفحة والبدء مِن جديد مع منال.

 

أعطَيتُه ما طلبَه لكنّني لَم أثق كليًّا بعودته المُفاجئة للطريق الصحيح... وبقيتُ أُراقبُه. لكنّ الوغد بدأ يحترس منّي بعد أن علِمَ أنّني أتحرّى عنه، وباتَ مِن الصّعب عليّ معرفة ما يفعله. وما كان أخطر مِن ذلك، أنّه تزوّجَ مِن النادلة سرًّا بالمال الذي أعطَيتُه إيّاه!

إكتشفتُ ذلك حين غابَ رامي عن الأنظار لبضع أيّام، بحجّة زيارة أمّه المريضة في القرية. رُحتُ أسأل عنه في المطعم بعد أن قالَت لي أمّه عبر الهاتف إنّها بألف خير، فقالوا لي إن رامي أخَذَ إجازة مِن عمله... ليذهب إلى شهر العسل مع عروسه الجديدة! يا إلهي ما هذا المخلوق البشع؟!؟

إحترتُ لأمري لكن ليس لوقت طويل. فبينما كنتُ مُتأرجحًا بين فضحه أمام أختي أم البقاء صامتًا، ثأَرَ لها الله. فلقد ماتَ رامي بطريقة غير مُشرّفة أثناء شهر عسله. زوجته الجديدة التي نجَت الجديدة بأعجوبة، أخبرَت الشرطة بما حصل. كانا يأخذان حمّامًا سويًّا في المغطس حين شعرَت بدوخة شديدة، وخرجَت مِن الماء لتدخل الغرفة وتستلقي على السرير. وبقيَ رامي مكانه ليُنهي حمّامه على مهل إلا أنّه لَم يخرج قط مِن المغطس لأنّه ماتَ اختناقًا بسبب تسرّب الغاز مِن السخّان. صحيح انّني لَم اتمنَّ له الموت، لكنّني أعترفُ أنّني لَم آسف على موته.

علِمَت منال بمصير زوجها مِن الشرطة ومِن الصحف التي تناولَت الخبر بأدقّ تفاصيله. غرقَت في حزن عميق لأنّها كانت تحبّ زوجها كثيرًا. وعندها فقط قرّرتُ إخبارها بأنّني آسف للغاية لأنّني أعطَيتُه مالاً قبل أيّام قليلة. وصَرَخَت بي منال:

 

ـ أنتَ الذي مدَدتُه بالمال ليتزوّج؟!؟

 

ـ لا ليتزوّج بل ليُسدّد ديونه وتخرجان مِن العوَز.

 

ـ لولا مِن مالكَ لَما تزوّجَ رامي وكان لا يزال حيًّا ومعي.

 

ـ الرجل كان يخونكِ يوميًّا مع النادلة!

 

ـ وكان يعود إليّ في المساء. لقد قتلتَ زوجي!

 

ـ ما هذا الكلام السّخيف؟ هل أفقدكِ رامي أيّ شعور بالكرامة؟ أقولُ لكِ إنّه كان يخونكِ. وزواجه الثاني كانت مسألة أشهر على كلّ الأحوال، لو لَم أعطِه المال لكان سيجده بطريقة أخرى.

 

ـ كيف تعلم ذلك؟ تدخّلكَ هو السّبب! إرحل مِن بيتي! لا أريدُ رؤيتكَ مجدّدًا!

 

طردَتني أختي وكانت جادّة للغاية، فالتجأتُ إلى والديَّ اللذَين ألقيا أيضًا اللوم عليّ بعدما كلّمَتهما منال.

ما الخطأ الذي ارتكبتُه؟ ألف فتاة وامرأة تتمنّى أن يكون لهنّ أخٌ مثلي، فهناك مَن لا يسأل عن أخته بتاتًا ويتركها لمصيرها أو لا يراها إلا في الأعياد والمُناسبات.

علِمتُ أنّ منال عادَت إلى عملها وأنّها أنهَت أقساط البيت الذي صارَ أخيرًا ملكها. لكنّها لَم تتّصل بي أو تُظهر أيّة رغبة بِرؤيتي. حاولتُ كثيرًا إعادة ما كان بيننا لكن مِن دون جدوى، وها أنا متزوّج ولدَيّ ولد وهو لا يعرفُ عمّته. متى ستفهم أختي أنّ الذنب يقع على رامي وحده، وأنّ تدخّلي في حياتها كان لحمايتها مِن إنسان لَم يُحبّها يومًا بل استغلّها وخانها؟ هل أخطأتُ فعلاً؟ أرجو ممَّن سيقرأ قصتّتي أن يُعطيني جوابًا.

 

حاورته بولا جهشان

المزيد
back to top button