لم نعد نقيم أي علاقات جنسية بعد بداية حملي، وأعترف أنني لم أكن منزعجة كثيراً، لأنني كنتُ دائماً في حالة غثيان ولم أستوعب التغييرات التي بدأت تحصل لجسدي. أما راغب، فلم تبدو عليه أي علامة كبت أو حرمان، فإعتقدتُ أنّ كل شيء على ما يرام.
ولكن بعد شهرين، حصل إنقلاب جذري بطبع وتصرّفات زوجي. أصبح فجأة يقضي وقته خارج البيت دون أن يخبرني أين هو وفي أي وقت سيعود. في البدء إنشغل بالي كثيراً، ثم فهمتُ أنّه لا يريد العودة إلى المنزل إلا لينام. وعندما سألتُ صديقاتي اللوات لديهنّ أولاد إن كنّ قد مررنَ بهكذا تجربة، قالت لي أن هذا قد يحصل في بعض الأحيان مع أزواج يخافون من حمل زوجاتهم ولا يدرون كيف يتصرّفون مع وضع غريب عليهم. فقررتُ الإنتظار حتى يتخطّى راغب هذه المرحلة. ولكن هذا لم يحصل وقبل أن يولد ولدنا بفترة قصيرة، جاء إلى غرفة النوم وقال لي بكل بساطة:
- لقد قررتُ الرحيل.
- إلى أين؟ ألديكَ سفر؟
- لا... أريد الرحيل من هنا... أريد ترككِ... فأنا لم أعد مهتمّاً بكِ... لقد تعرّفتُ إلى إمرأة أخرى وأريد العيش معها، فهي تقوم بأشياء تثيرني جداً وهي منفتحة لأي طلب قد يكون لديّ... أمّا معكِ فلطالما كانت الأمور مملّة وكنتُ دائماً مجبراً لأن أبحث عن لذّتي في أماكن أخرى.
لم أجب لأنني لم أستوعب ما كان قد قاله وبقيتُ أنظر إليه بدهشة. وتابع:
- وبما أنّها تصرّ على الزواج منّي، فأنا مضطر أن أطلب منكِ الطلاق لكي أكون معها.
- هل فقدتَ عقلكَ؟ أنا زوجتكَ! وأنا حامل في شهري التاسع! من المؤكدّ أنّكَ جننتَ! لن أقبل أبداً أن تتركني خاصة في هذه المرحلة الدقيقة. قد أعيد لكَ حريّتكَ ولكن ليس قبل بضعة سنوات ريثما يكبر إبننا.
- إنّها تصرّ على الزواج! هي الوحيدة التي تعلم ما أريد!
- هذه ليست مشكلتي. بعد الذي أخبرتَني إيّاه الآن، لن يكون عندي مانع بأن تقيم علاقات مع أخريات ولكن الطلاق ليس وارداً.
نظر إليّ وكأنّه رأى شيطاناً وخرجَ بغضب من الغرفة وبقيتُ لوحدي أسأل نفسي كيف وصلت الأمور بيننا إلى هذا الحد.
وأظنّ أنّه فكّر بالتخلّص مني منذ تلك اللحظة ولم يخطر ببالي أبداً أنّه قادر على إيذائي أو حتى إيذاء أي شخص آخر. ولكن حبّه المفرط للملذّات الجنسيّة كان أقوى من كل شيء ومن أي حسّ أخلاقي.
حصلت الحادثة بضعة أيّام قبل الولادة، عندما كان راغب مسافراً. ولا أدري كيف ولماذا إستيقظتُ تلك الليلة، بينما كان من المفترض بي أن أبقى نائمة وأتنشّق الغاز السام. شعرتُ فجأة أنني أختنق وملأت الدموع عيوني وبدأتُ أسعل بقوّة. نهضتُ من السرير ممسكة ببطني وتوجّهتُ بسرعة إلى الشبّاك وفتحته وأخرجتُ رأسي منه لآخذ هواءً نظيفاً، ثم وضعتُ كمّ قميص نومي على فمي وأنفي وهربتُ من الشقة قاصدة منزل الجيران. وعندما فتحوا لي الباب أغميَ عليَّ وسقطّتُ أرضاً.
فتحتُ عينيّ لأجدَ نفسي في غرفة مستشفى محاطة بالأهل. صرختُ لهم بقوّة: "إبني! هل إبني بخير؟؟؟"
و بعد أن طمأنوني أنّ الجنين بصحّة جيّدة، سألتُهم عمّا حصل لي، فأخبروني أنّ جهاز التدفئة الذي كان في غرفتي كان فيه عطل وبدأ يسرّب الغاز وأنني محظوظة أننا نجونا من الموت. نظرتُ إليهم بتعجّب وقلتُ لهم وصوتي يرتجف:
- ولكنني لم أضع جهاز التدفئة في الغرفة قبل أن أخلد إلى النوم!
تقدّم أخي وسألني بجدّية:
- هل أنتِ متأكّدة؟
- متأكّدة تماماً!
- من الذي وضعه إذاً؟
- لا أدري... الإنسان الوحيد الذي يسكنُ معي هو راغب لكنّه مسافر.
- هل أنتِ واثقة من أنّه غادر البلاد؟
- رأيتُه يحزم أمتعة في حقيبة وقال لي أنّه ذاهب إلى لندن لحضور ندوى وهذا كل ما أعرفه فالأحوال ليست جيّدة بيننا مؤخّراً...
- أظنّ أنّ علينا إخبار الشرطة بالأمر.
وجاء مفتّش في اليوم التالي وطلبَ منّي إخباره بكل شيء حتى أصغر التفاصيل، فرويتُ له قصّتي مع زوجي منذ البداية وصولاً برغبته في الطلاق ورفضي القاطع لإعطئه إيّاه، مروراً بنزواته وهوَسه الجنسي. نظر إليّ المفتّش وقال لي:
- إستناداً إلى خبرتي الطويلة في ملاحقة المجرمين، أستطيع التكهّن أنّ زوجكّ لم يسافر إلى أي مكان... ولكن علينا التأكّد من هذا أوّلاً ولن يكون أمراً صعباً أبداً. في هذه الأثناء، أنصحكِ سيّدتي بالمكوث عند أقربائكِ.
وبعدما إتضح أنّ راغب لم يغادر البلاد، بدأوا بالبحث عنه وبفضل مُخبر وجدوه في شقّة عشيقته المعروفة من قبل شرطة الآداب تحت إسم "جيجي" والتي تتعاطى الدعارة وأعمال أخرى غير شرعيّة. كان مختبئاً هناك منذ ما غادر المنزل مع حقيبته. وإعترف أثناء التحقيق أنّه دخل أثناء نومي إلى غرفتي ووضعَ جهاز التدفئة قرب سريري بعد أن جعله يسرّب الغاز وهذا بقصد قتلي وقتل الجنين قبل أن يولد لكي بتسنّى له الزواج من التي تمارس معه الجنس الشاذ.
ووضِعَ غالب وراء القضبان مع تلك المرأة، التي أتّهِمَت بالحثّ على القتل، إضافة إلى إيواء مجرم ولن يخرجا قبل وقت طويل جداً.
بهذه الأثناء كان قد ولد إبني دون أن يعلم أنّ أبوه حاول التخلّص منه. وعندما وضعوه على صدري لأوّل مرّة مسكتُ أصابعه الصغيرة وننظرتُ إلى عينيه المغمّضتين وهمستُ له:
- ها نحن الإثنان أصبحنا وحدنا الآن وأمامنا حياة شاقّة ولكنني أعدكَ بأن أحميكَ من أي شرّ قد يصادف طريقكَ، إلى حين تصبح رجلاً قويّاً بمبادئكَ وقيَمكَ وإحترامكَ للناس وخاصة للنساء.
حاورتها بولا جهشان