حافظة أسراره تفضحه

كنتُ متحمّسة جدّاً للذهاب الى مكتب خطيبي أسعد فكنتُ سأرى أخيراً أين يقضي نهاره وأجلس على الكرسي الذي يدير من عليه شركته الضخمة.

حين دخلتُ المؤسسة إستقبلني الموظّفون ببسمة ولياقة ما عدا السكريتيرة فهي لم تنظر حتى إليّ وكأنني غير موجودة. عندما سألتُ أسعد عن السبب ضحِكَ وقال:

- لا تهتمّي للأمر فهكذا هي أمل. ولكن عملها ممتاز ولا أستطيع الإستغناء عنها رغم طبعها الغريب.

لم يعنِ الأمر لي كثيراً فلم أكن لأراها دائماً وما دام خطيبي ممنوناً من أيداءها فهذا لم يكن ليزعجني.

كنتُ أتّصل دائماً بخطيبي وكانت عاملة الهاتف تحوّلني إيّاه مباشرةً ولكن منذ زيارتي بدأت إتصالاتي تمرّ بأمل أوّلاً وأصبحَت تتأهّل بي وكأننا نعرف بعضنا منذ زمن بعيد. فظننتُ أنّ أسعد وجّه إليها ملاحظة وأسفتُ أن أكون قد سببتُ لها بتوبيخاً.

ويوم بعد يوم أصبحنا أكثر ألفة وبدأتُ أسألها عن أمّها المريضة وهي عن تحضيراتي للزفاف وعرضَت عليّ مساعدتها ولكنني أجبتُها أننا لم نحدّد الموعد بعد. فقالت لي بصوت غريب: "أنصحكِ بقبول مساعدتي" ثم أعطتني أسعد.

وبدأت أمل تمرر تلميحات خلال أحاديثنا مثل: "ترَك السيّد أسعد المكتب كعادته دون أن يخبر أحد أين ذهب" أو "عنده زائرة مميّزة ولا أستطيع إعطاءكِ إيّاه... فهو جدّ مشغول معها". لم أعلم إن كان عليّ فهم رسالة ما من هذه التلميحات أم أنني أتخيّل أشياء فقررتُ تجاهلها. ولكن تأكدتُ أنّها تحاول الإيقاع بيني وبين أسعد عندما قالت لي بعد أيّام:

- هل أعجبتكِ الورود؟

- عما تتكلمين؟

- أرسلني السيّد المدير البارحة لشراء باقة وطلب مني أن أكتب على البطاقة:"الى حبّ حياتي".

رغم إندهاشي لأنني لم أتلقى شيئاً قلتُ لها أنني أحببتُ الورود وهنأتها على ذوقها الرفيع فلم أشأ أن أفرّحها وأبدو مستاءة. لم أقل شيئاً لخطيبي لأنني لم أرد أن أسبّب لها الطرد فلم تكن سوى فتاة مسكينة أغرمت بمديرها وشَعَرَت بالغيرة لأن فتاة أخرى ستتزوّج منه.

وفي صباح اليوم التالي قررتُ أن أكفّ عن مسايرة تلك السكريتيرة لتعلم أنني لن أسمح لها بعد الآن بإختلاق الأكاذيب. لاحَظَت هذا التغيير فقالت لي:

- أسمعيني جيّداً... أسأتِ فهمي... قبل أن أراكِ كنتُ أظنّ أنّكِ من اللواتِ تركضن وراء الرجال الأثرياء ولكن عندما جئتِ الى المكتب بدا عليكِ أنّكِ فتاة مهذّبة ذات روح طيّبة فطلبتُ من عاملة الهاتف أن تمرر لي إتصالاتكِ لأتعرّف إليكِ أكثر وأقرر إن كنتُ سأساعدكِ على تفادي الكثير من الألم والحزن.

- لستُ بجاجة اليكِ.

- أنا متأكّدة أنّكِ تعتقدين أنني أريد السيّد أسعد لنفسي وأحاول إبعادكِ عنه.

- تماماً ولن أسمح لأحد أن...

- دعيني أكمل أرجوكِ. أنا مخطوبة وسأتزوج من الذي أحبّه في الربيع القادم فأنا لستُ بصدد إقامة علاقة مع رجل متزوّج.

- تعنين مخطوب.

- أقصد تماماً ما قلتُه فخطيبكِ متزوّج ومن سنين عديدة. أنتِ لستِ أوّل ضحيّة له. يدّعي أنه عازب وتصل وقاحته بأن يذهب إلى أهل الفتاة ويطلب يدها منهم وعند إقتراب موعد الزفاف يختلق عذراً أو يفتعل شجاراً مع خطيبته ويتركها. في هذه الأثناء يكون قد حصل على مراده منها لأنها ظَنَّت أن لا بأس إن أعطته كل شيء فإنّهما سيصبحان زوجاّ وزوجة. لا يطلب الطلاق لأنّ زوجته هي مالكة الشركة وصاحبة الأموال ومن دونها هو نكرة. ومن وقت لآخر ولإسكات شكوكها يبعث لها وروداً أو يسافر معها بضعة أيّام.

- أنا لا أصدّقكِ! ما من رجل يفعل هذا وخاصةً أسعد!

- سأسلكِ بضعة أسئلة وسترين أنّه ضحِكَ عليكِ: هل هو الذي دعاكِ إلى زيارة المكتب أم أنّها كانت فكرتكِ؟ هل تعرّفتِ يوماً إلى أهله؟ هل زرتِ منزله أم كان يصتحبكِ إلى الفندق؟ هل تعرفين حتى رقم هاتف بيته؟ وهل قضيتِ ولو مرّة عطلة الأسبوع بكاملها معه أم أنّه كان لديه دائماً إنشغلات؟

وشعرتُ بغضب شديد لأنّها كانت على حق: كان قد قال لي أن أهله متوفان وأن منزله قيد الترميم لذا يقيم في الفندق حيث كنتُ أذهب لألاقيه. أمّا زيارتي إلى الشركة فكانت فكرتي رغم إصراره على عدم ذهابي لأنّه لا يحبّ الخلط بين حياته الشخصيّة وحياته المهنيّة.

ضحكَ عليّ الندل وعلى أهلي وإستفاد من الوضع لتمضية الوقت معي. ورغم الدموع التي ملأت عينيّ ورغبتي بالصراخ للتعبير عن إستيائي الشديد قلتُ لأمل بهدوء:

- أريد رقم هاتف زوجته وعنوان منزلهما.

- قد أخصَر عملي إن فعلت.

- لا تخافي فلن يعرف أحد من أين جئتُ بالمعلومات.

وفي المساء عندما عاد أسعد إلى بيته وجدني جالسة في صالونه أحتسي الشاي مع زوجته. كاد أن يقع أرضاً من شدّة المفاجأة وإصفرّ وجهه وبدأ يتمتم كلمات غير مفهومة. قلتُ له وعلى وجهي إبتسامة عريضة:

- حبيبي... جئتُ أدعو زوجتكَ إلى زفافنا ولكنّها لم تكن مسرورة بالخبر.

ثم نظرَت زوجته إليه بغضب وقالت له:

- أرتني الآنسة رسائلكما العاطفيّة ووعودك الكاذبة. يا لوقاحتكَ! بعد كل ما فعلتُه من أجلكَ يا ناكر الجميل!  أترى تلك الحقيبة هناك؟ في داخلها ما جلبتَه معكَ عندما جئتَ للعيش في منزلي وهذا كل ما ستأخذه معكَ الآن في طريقك إلى الخارج. هيّا ولا تتفوّه بكلمة واحدة!

أخذ الحقيبة بصمت وعندما وصل إلى الباب أضافَت:

- وأنصحكَ بالتفتيش عن عمل جديد فأنتَ مطرود!

حاورتها بولا جهشان

 

 

المزيد
back to top button