جمالي وذكائي جلبا لي المتاعب

يوم وطأت قدماي أرض الشركة، حُكم علي من قبل زملائي. لم أعرف حينها ما دار في بالهم جميعًا، فكنتُ سعيدة بأن أنضمَّ إلى فريقهم وأبدأ بالعمل في مجال لطالما أحببته: الإعلام. فلقد تخرّجت الأولى بدفعتي والكل تنبّأ لي بمستقبل لامع. إلى جانب ذلك، كنتُ قد انتخبتُ ملكة جمال الكليّة، أي كان لدَيَّ كلّ شيء لأنجح في الحياة. لكنّني لم أدرك أنّ ذكائي وجمالي سيلعبان ضدّي، ويجلبان لي متاعب لَم أتصوّرها ممكنة.

كنت معتادةً على نقمة بنات جنسي، فهناك دائمًا حربٌ ضمنيّة ضدّ الأكثر جمالاً، ومعتادة على رغبة الرجال بي. فاعتقدتُ أنّ بإمكاني تلطيف الأجواء مع الإناث وصدّ الرجال بطريقة حكيمة ولطيفة. إلا أنّ في تلك المرّة، وجدت نفسي غير قادرة على فعل أيّ شيء.

فذلك العداء إنتقل من زميلاتي إلى زملائي الذين كان مِن المفترض بهم أن يدافعوا عنّي، أملاً بامتناني منهم وقبولي بهم. وصاروا جميعًا أعدائي في غضون أسبوع واحد. وحده صاحب الشركة كان لا يزالُ يعاملُني بشيء من اللطف، الأمر الذي أكد شكوك باقي الموظّفين بالنسبة لسبب حصولي على العمل. علمت ذلك من أحد زملائي حين قال لي عندما كنتُ في المطبخ الصغير أحضر قهوتي:

 

ـ ها هي الفتاة الوصوليّة!

 

ـ ماذا تقصد وما هذه اللهجة؟

 

ـ لمن هذه القهوة؟ للسيّد كمال؟ وعندما تقدّمينها له ستقفلين الباب وراءكِ، وتعبّرين له عن امتنانكِ للعمل الذي حصلتِ عليه؟

 

ـ أنا جديرة بهذا العمل ولستُ ممتنّة لأيّ أحد مِن أجله، بل العكس. فبأسبوع واحد حصلتُ على أكثر مِن مشروع ونفّذته بإتقان، على عكسكم. أفهمُ أنّ في الشركات هناك دائمًا منافسة، لكن عليها أن تكون نزيهة. أرني يا شاطر مهاراتكَ بالعمل بدلاً من بثّ الإشاعات حولي!

 

ـ ها ها ها! لقد أغضبتكِ حين كشفتُ سرّكِ؟ الكلّ يعلم أنّكِ عشيقة السيّد كمال، وإلا لِما اختار فتاةً بهذا الجمال؟

 

ـ كوني جميلة لا يجعلُ منّي بلهاء. فهناك، لمعلوماتكَ، فتيات جميلات تفوقك ذكاءً. على كلّ حال، مَن يتلفّظ بهكذا اتهامات مجّانيّة لا يكون ذكيًّا. عن إذنكَ.

 

خرجتُ مِن المطبخ غاضبة، لأرى باقي الموظّفين ينظرون إليّ بسخرية واضحة. هل كانوا قد سمعوا حديثي مع زميلي أم أنّهم مَن دفَعَه إلى إهانتي؟

 


عدتُ إلى مكتبي وأنا أرتجفُ، وأغلقتُ الباب ورائي لأستطيع التركيز على عملي. بكيتُ رغمًا عنّي، فكنتُ أعلَم أنّ وجودي في الشركة لن يكون سهلاً وتمنيتُ لو بقيتُ في بيتي. لكن سرعان ما نشفتُ دموعي لأنّني لَم أكن مِن اللواتي تتراجعن بسهولة.

بقي الوضع مشنجًا لأسابيع، واعتقدتُ أنّني قادرة على التحمّل حين طلبَني السيّد كمال إلى مكتبه وقال لي بصوت ناعم:

 

ـ يا آنستي الجميلة... لماذا لا تأتين إلى مكتبي من تلقاء نفسكِ. هل عليّ دائمًا أن أطلبكِ؟

 

ـ لا أرى سببًا للمجيء إن لم يكن لدي سؤال أو مراجعة.

 

ـ ألا ترغبين بالسؤال عنّي... أقصد إن كنتُ بحالة جيّدة أم وحيدًا؟

 

ـ وحيد؟ لَم أفهم قصدكَ.

 

ـ لا تدّعين الغباء يا آنسة! الكلّ هنا يعرف من أيّ صنف أنتِ.

 

ـ ومن أيّ صنف أكون؟

 

ـ تعالي إجلسي بالقرب منيّ، هيّا! لا تتظاهري بالبراءة.

 

ـ ما الأمر؟ ماذا جرى لجميعكم؟!؟ جئتُ إلى هذه الشركة لأعمَل وليس لأيّ شيء آخر! دعوني وشأني! إن كنتَ ستتبع هذه الطريقة معي، فمِن الأفضل لي أن أتركَ الشركة. لكن إعلَم أنّني أفضل موظّفة لدَيكَ.

 

ـ ما هذا التواضع! إرحلي إذًا.

 

ـ حسنًا... سأرحلُ، لكنّني سألتحقُ بشركة أخرى، وسترى مدى براعتي بالعمل وليس بشيء آخر!

 

تركتُ مكتب السيّد كمال وأنا أغلي مِن الغضب، ورحتُ إلى مكتبي لأجمع أغراضي وأترك مكانًا لَم أرَ فيه سوى الحقد والغيرة. لحق بي الموظف نفسه الذي تحدّث معي في المطبخ قبل أسابيع، وسألَني ما الذي أفعله فقلت له:

 

ـ لا أدري أيّ جنون أصابكم لكنّني لا أنوي البقاء ولو لحظة واحدة هنا! في البداية تحملت تلميحاتكم البشعة ضدّي، والآن يُريدُ السيّد كمال... أعني... التقرّب منّي!

 

ـ تقصدين أنّكِ لستِ عشيقته؟

 

ـ بالطبع لا!!! ما الذي دفَعَكَ للتصوّر أنّني رخيصة إلى هذه الدرجة؟

 

ـ إيمان فعَلت.

 

ـ إيمان؟ ومَن تكون؟

 


ـ زميلتنا، تلك التي تردّ على المكالمات. هي قالَت لنا منذ وصولكِ إنّكِ رخيصة وسيّئة الأخلاق، وإنّكِ عشيقة المدير وستتحكّمين بمصيرنا كما تشائين.

 

ـ وصدّقتموها بهذه السهولة؟ كيف لها أن تعرف كلّ هذا عنّي بلحظة؟

 

ـ ليس بلحظة بل هي كانت زميلتكِ في الجامعة وتعرفُكِ جيّدًا. قالت إنّكِ بعتِ نفسكِ للّجنة الفاحصة لتصبحي ملكة جمال الكليّة.

 

ـ أليس مِن الواضح أنّني جميلة؟

 

ـ بلى ولكن...

 

ـ كَم أنّكم أغبياء! أين تلك التي عليّ قصّ لسانها؟ أرِني إيّاها!

 

أخذَني الموظّف إلى غرفة صغيرة جدًّا حيث تجلسُ فتاة لا طعم لها ولا لون، فتاة لَم أرَها في حياتي. عندما رأتني، حاولَت إيمان إخفاء وجهها فصرختُ بها:

 

ـ لا داعٍ للإختباء، فأنا لا أتذكّركِ.

 

ـ طبعًا، فلستُ جميلة كفاية.

 

ـ لا، لأنّكِ على الأرجح لَم تكوني فالحة كفاية، أي لَم تُشاركي في الصفّ لألاحظَكِ. ومِن الواضح أنّ كلامي صحيح، فأنتِ اليوم في هذا المكتب الصغير تردّين على المكالمات، بدلاً مِن أن تكوني مع باقي الفريق تعمَلين على ملفات عملائنا.

 

ـ كَم أنّكِ مُتشاوفة!

 

ـ بل صريحة. لقد حكمتِ عليّ مِن حيث الشكل فقط، ونسيتِ كم تطلّبَ الأمر منّي عملاً وتركيزًا لجمع العلامات في الجامعة وللوصول إلى المركز الأوّل. وأنتِ بدلاً مِن التركيز على دراستكِ، كرهتِني لجمالي وركّبتِ سيناريوهات في رأسكِ حيث أكون الجميلة الكسولة التي تصلُ إلى مُبتغاها بفضل جمالها فقط، ونسيتِ أنّ عليكِ تأمين مُستقبلكِ. وحين رأيتِني هنا، بدأتِ تنشرين الإشاعات حولي ليكرهني الجميع وينتقمَ لكِ منّي لأنّكِ جبانة!

 

ـ أنا جبانة؟!؟

 

ـ أجل! هذا إلى جانب فشلكِ في الحياة! جبانة لأنّكِ حاولتِ تدمير سُمعتي، وأنتِ مُختبئة كالأفعى في وكركِ بدلاً مِن مواجهتي! لا أكرهُكِ بل أشفقُ عليكِ. على كلّ الأحوال أنا ذاهبة مِن هنا، ليس لأنّكِ انتصرتِ عليّ، بل لأنّ كلّ فرد في هذه الشركة هو فاسد مِن الداخل، حتى السيّد كمال الذي فرحَ بالإشاعات حولي وحاوَلَ الإستفادة مِن الوضع. لن أتعَبَ يومًا واحدًا إضافيًّا مِن أجل ذلك المُنحرِف الذي أرادَ استغلالي بدلًا مِن حمايتي. الوداع!

 

لَم أنظر ورائي، بل رحتُ على الفور إلى الشركة المُنافسة حيث عرضتُ خدماتي مجّانًا للأشهر الثلاثة الأولى. وهم فرحوا جدًّا بي بعد أن رأوا علاماتي الجامعيّة وإنجازاتي، وظنّوا أنّهم سيستفيدون منّي لثلاثة أشهر ومِن ثمّ يُقنعوني براتب صغير. إلا أنّ العمل الذي قدّمتُه لهم خلال الفترة التجريبيّة كان هائلاً ومُمتازًا، لدرجة أنّهم صاروا يترجّوني لأبقى معهم بالراتب الذي أحدّدُه بنفسي.

علِمَ السيّد كمال أنّني التي أنجز الملفات الصعبة عند منافسيه، وحاولَ استرجاعي لكنّني أجبته خلال مُكالمتنا الهاتفيّة:

 

ـ لن أعود إلى شركتك يومًا. العمل معكم كان بمثابة كابوس إنتهى إلى الأبد. أسفي الأكبر هو عليكَ يا سيّد كمال، لأنّكَ لا تعرفُ كيف تُدير شركة بل تنجرفُ وراء الأقاويل وتُحاولُ الإستفادة منها. أنتَ رجل مُتزوّج ولَم ترَ مانعًا في خيانة زوجتكَ بغضون لحظات، ولَم تشعر بأيّ خجَل مِن عرضكَ عليّ أمورًا غير أخلاقيّة بعيدة كلّ البعد عن أجواء العمل. أنت حوّلتَ شركتكَ بلحظة إلى مقرّ دعارة. أجل، فمَن يُريدُ إقامة علاقة جنسيّة في مكتبه لا يعودُ ذلك المكان للعمل. قد أكون قاسية عليكَ، لكنّكَ مَن اتّصل بي وليس العكس. أنا سعيدة بعملي الجديد لأنّ الكلّ يعملُ معي بفرح وحماس ومديري يُقدّرُ جهودي. وإذا كان شكلي جميلاً، فإنّ هذا لا يعني أنّني خُلِقتُ لأكون أداة مُتعة ومُباحة للجميع. أنا أوّلاً امرأة كفوءة وجدّيّة وثانيًا جميلة، ولن أدَعَ أحدًا يُحوّلُ جمالي إلى ذنب أو مصدر انزعاج وغضب وأسَف. نعم، أنا فخورة بنفسي كيفما كنتُ.

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button