جاءَتني المساعدة مِن شاب أفريقيّ

يا ليتَهم طلبوا رأيي عندما إختاروا لي زوجاً لكانوا جنّبوني الذي عشته. ولكنّني كنتُ لا أزال صغيرة وتربيّتُ على إطاعة ذويّي لأنّهم أقنعوني أنّهم يعرفون مصلحتي أكثر منّي.

فعندما بلَغتُ السادسة عشر مِن عمري قرّرَ أبي أنّ جمالي يستحقّ عريساً غنيّاً وأوكَلت أمّي جميع معارفها للبحث لي عن الرجل المناسب. أمّا أنا فكنتُ لا أزال في المدرسة أخطّط لِمستقبل أرَدتُه مميّزاً خاصة أنّني كنتُ بين أوّائل صفّي. ولكنّ الظروف شاءَت أنّ إبن أخ إحدى صديقات جارتنا كان يفتّش عن عروس لإصتحابها معه إلى أفريقيا حيث كان يدير مؤسّسته الضخمة لأنّه يشعر بالوحدة ويريد تأسيس عائلة. وخبَر ثراءه أنسى أهلي أن يسألوا أكثر عنه وكأنّ المال كافٍ لِجلب السعادة.

وأطلعَني والدَيّ على ما قرّراه وبالرغم مِن استيائي لِترك دراستي والتزوّج مِن غريب فضّلتُ الرضوخ للأمر الواقع. وعندما جاء أدهَم لزيارتنا بعد أسابيع لم أشعر تجاهه بشيء بل وجدتُه غليظاً. أمّا هو فأُعجِبَ بي كثيراً بِسبب سنّي اليافع وجمالي وليس لأفكاري أو شخصيّتي. وسافَرَ مجدّداً بعد أن اتفقَ مع أهلي على موعد وتفاصيل الفرح.

ومنذ تلك اللحظة أخَذَت حياتي منعطفاً لم أكن أتصوّره. وخلال تلك الفترة حضّرتُ نفسي لِترك كل ما ومَن أعرفه لأذهب إلى تلك القارة البعيدة والغامضة وأعترف أنّني كنتُ جدّ خائفة خاصة أنّني لم أتلقّى أيّ دعم مِن أحد فالكل كان مشغولاً بالتحضيرات.

 


وهكذا عادَ أدهَم وعقَدنا قِراننا وودَّعتُ الأهل والأصدقاء وسافرنا بعيداً. وحين رأيتُ المنزل الذي كنتُ سأسكن به لم أشعر بالإبتهاج رغم جماله وضخامته بل بالإنزعاج والقلق. ثمّ وضعتُ حقائبي في الغرفة وأراني عريس باقي البيت ولكن كل ما كنتُ أريده كان الرحيل وبسرعة مِن الرجل والمكان. ولكنّني كنتُ قد أصبحتُ زوجته وكان عليّ البقاء وتأدية واجباتي الزوّجية.

وفي تلك الليلة إكتشفتُ الجنس ولكنّني لم أحبّه ربمّا لأنّ أدهَم لم يكن أبداً مهتمّاً بما أريده أو أشعر به بل فقط بلذّته الخاصة. وشكرتُ ربّي أنّه عاشَرَني بسرعة لأنام وأحلم أنّني في بلَدَي مع الذين أحبّهم.

حياتي في موطني الجديد كانت ممّلة لأنّني كنتُ أقضي وقتي في البيت ولم أكن حتى مُجبرة على الطهو أو القيام بالأعمال المنزليّة بِسبب وجود ترسانة مِن الخدَم الذين اعتادوا على تدبير الأمور سنين قبل مجيئي ووجدتُ أنّني لن أستطيع أبداً التفوّق عليهم. وكان هناك موغاري شاباً وسيماً ولطيفاً أفريقيّ الأصل ويبلغ مِن العمر الخامسة والعشرين وكان قد عيّنه أدهَم كسائقي الخاص. ولكنّ الشاب وبسبب مكوثي الدائم بين جدران المنزل كان يظّل هو الآخر محبوساً في غرفته الصغيرة في الحديقة.

وفي ذات يوم دقّ موغاري عليّ الباب وقال لي باللغّة العربيّة:

 

ـ ألا تريدين الخروج؟ أبداً؟

 

ـ لا

 

ـ أنا سائقكِ الخاص وأنا تحت تصرّفكِ مِن الصباح حتى بعد الظهر... إن لم أقم بعملي فسيطردني السيّد... أهذا ما تريدينه؟

 

ـ بالطبع لا... ولكنّني لا أدري إلى أين أذهب...

 

ـ لهذا تحتاجين إلى مَن يعرّفكِ على المدينة... سترَين... المكان جميل هنا... لا أقول ذلك لأنّه بلَدي ولكنّها الحقيقة... سأنتظركِ في السيّارة... خذي وقتكِ.

 

ولبستُ ثياباً جميلة ولكن مريحة وصعدتُ مع موغاري وأراني الأحياء والناس ونزلتُ إلى المحلاّت والدكاكين وبالرغم مِن حاجز اللغّة إستطَعتُ التواصل مع الناس الذين أحبوّني. وعندما رجعتُ إلى المنزل كان قلبي قد إمتلأ بالفرح لأنّني لم أعد أعتبر نفسي غريبة عن مكان عَيشي. وحين عادَ أدهَم في المساء وأخبرتُه ما فعلتُه بنهاري إعَرَب عن إمتننانه لِموغاري لأخذه تلك المبادرة. عندها سألتُه:

 

ـ وكيف تمكّنَ موغاري مِن تعلّم اللغّة العربيّة هكذا؟

 

ـ كان أبوه يعمل عند أبي وترعرعَ وكبِرَ موغاري وسطنا وأصبحَ يتكلّم لغّتنا مثلنا... إنّه بمثابة أخ لي... أحبّه كثيراً.

 

وبدأتُ أخرج مع السائق شبه يوميّاً ما ساعَدَني كثيراً على تحمّل وحدَتي وغربتي وحياتي الزوّجية الممّلة بسبب زوج غير مبال يفتقد إلى الحنيّة والحبّ. وبات موغاري بِمثابة صديق أخبره عن مزاجي ومخاوفي وكل ما يتعلّق بي شخصيّاً أوّلاً لأنّه كان الوحيد الذي أعرفه ولأنّه كان يعلم كيف يستمع إليّ وكيف يواسيني. ورغماً عنّي بدأتُ أكنّ له مودّة خاصة ولكنّني لم أفصح له عن شعوري لأنّه لم يخطئ التصرّف معي ولو لمرّة واحدة حتى بالإيحاء. لِذا أبقيتُ ما بداخلي سريّاً خوفاً مِن الإحراج.

 

والغريب في الأمر أنّ أدهَم وبعد أن علِمَ بخروجي اليوميّ مع السائق لم يظنّ سوءً بنا أو يشعر بأيّة غيرة مِن ذلك الشاب القويّ والوسيم ورددتُ ذلك إلى عدم مبالاته وقلّة تعلّقه بي خاصة أنّ معاشرته لي كانت قد أصبحَت تقلّ يوماً عن يوم. ولكن في أحد الأيّام أعربَ زوجي عن رغبته في أن ننجِب فأجبتُه:

 

ـ هل تظنّ أنّ ذلك منطقيّ؟

 

ـ ماذا تقصدين؟

 

ـ أعنّي أنّنا لسنا غارقان في الغرام وحياتنا الجنسيّة رديئة جدّاً.

 

ـ وما دخل ذلك في الإنجاب؟

 


لم أجب على سؤاله لأنّني لم أكن قادرة على مجادلة إنسان يفكرّ بهذه الطريقة. ولكنّني لم أحمَل لأنّ أدهَم كان يكره الجنس والقيام به وكأن عبئاً عليه وكان يفضّل الاهتمام بأشغاله.

ومضَت هكذا ثلاث سنوات سافرتُ خلالها مرّتَين إلى موطني. وفكرّتُ أن أبقى عند أهلي ولكنّهم رفضوا ذلك وأقنعوني بالعودة إلى زوجي بالرغم مِن معرفتهم بالذي يحصل لي هناك وذلك خوفاً مِن كلام الناس. وعندما أدركتُ أن سمعتهم تهمّهم أكثر مِن سعادتي فقبِلتُ بمصيري.

ولكنّ أمراً مهمّاً حصل غيّر المعطيات كلّها وذلك بين ليلة وضحاها الأمر الذي أثبتَ لي أنّ لا أحد يمكنه معرفة مصيره. ففي ذاك مساء عندما كنتُ جالسة أمام التلفاز أنتظر عودة أدهَم مِن العمل جاءَتني رسالة على هاتفي مِن رقم مجهول وباللغّة الإنكليزيّة تقول: "إذهبي الآن إلى غرفة السائق وستكتشفين أموراً خطيرة." وأخذتُ أحلّل محتوى تلك الرسالة والأهداف المخبّأة وراءها. وبِدافع الحشريّة خرجتُ مِن المنزل وعبرتُ الحديقة وإقتربتُ مِن غرفة موغاري ووقفتُ أمام نافذته لأنّني لم أكن مستعدّة لِدخول مسكن شاب أعزب. وبالرغم مِن الظلمة التي كانت تلفّ الغرفة استطعت تمييز وجود شخصَين أحدهما موغاري.

وبينما كنتُ على وشك الرحيل رافضة التطفّل بِحياته الخاصة اقترب الشخص الآخر مِن المصباح الصغير المضاء في الزاوية وعندها أدركتُ أنّه زوجي. عندها قرّرتُ المكوث لأرى ما كان يحصل فعلاً. وإذ بأدهَم يضع يده على عنق موغاري ويقبّله بشغف. وعند رؤية ذلك كبتُّ صرخة كادَت أن تفضح وجودي وما حصَلَ بعد ذلك يفوق كل ما تصوّرته.

وبعد أن شاهدتُ زوجي يمارس الجنس مع السائق عدتُ أبكي في البيت. ومِن ثمّ مسحتُ دموعي ودخلتُ الغرفة وادعَيتُ النوم كي لا أضطرّ للحديث مع الذي غشّني ودمّرَ حياتي فقط ليبعد الشبهات عنه بِتأسيس عائلة مع أيّ فتاة كانت.

وفي الصباح عندما خرجَ أدهَم إلى عمله ركضتُ أخبّط على باب موغاري. وعندما فتحَ لي علِمتُ مِن وجهه أنّه الذي أرسلَ لي التحذير على هاتفي. عندها سألتُه:

 

ـ لماذا جعَلتني أرى ما حدثَ البارحة؟

 

ـ لتأخذي قراركِ... لتكون لديكِ حجّة مقنعة للعودة... لتكوني سعيدة في بلدكِ... لِتجدي مَن يحبّكِ فعلاً...

 

ـ منذ متى وأنتما...

 

ـ منذ صغري... لم أعرف سوى أدهَم... ولا أستطيع أن أتغيّر الآن... ولكنّ ذلك لم يمنعني مِن أن أشعر بالإنجذاب ولو عاطفيّاً إلى النساء... أحببتُكِ... إرحلي الآن.

 

وأقفلَ الباب بوجهي. وركضتُ إلى المنزل وإتصلتُ بأخي وبعد أن أخبرتُه بالذي إكتشفتُه طلبتُ منه أن يجد لي محامياً.

وبعد يومَين قلتُ لأدهَم أنّ أمّي مريضة جدّاً وتطالب بي وأنّني ذاهبة لأراها وأنّ غيابي لن يطول. وهكذا هرَبتُ مِن أفريقيا تاركة ورائي زوجي وعشيقه والحياة التي فُرِضَت عليّ.

لم يمانع زوجي حين طلبتُ الطلاق بِسبب خوفه على سمعته بعد أن كذبتُ عليه وٍقلتُ له أنَني أملك دلائل على شذوذه.

أفريقيا أصبحَت ورائي اليوم ولكنّ ذِكر موغاري ما زال حاضراً في قلبي.

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button