تعرّفت إلى منذر عبر الإنترنت. صديقة لي قالت إنها الوسيلة الحديثة للتعارف، فالناس باتوا مشغولين جداً ولا وقت لديهم لزيارة بعضهم البعض أو الخروج كثيراً. أقنعتني صديقتي بأن أسجل اسمي على موقع مختص بهذا الشأن. وعندما فعلت، بدأ الشبان بمراسلتي وبالتودّد إليّ. أعجبت بكل هذا الانتباه الذي لم أحظَ به من قبل لأنني لست فائقة الجمال أو جذابة، ولأن نمط حياتي لا يسمح لي أن أكون موجودة في محيط مليء بالمعجبين.
أجبت على بعض الرسائل، غير أن شاباً واحداً استقطب انتباهي من بينهم كلّهم. كان وسيماً، مثقفاً ويعمل كمحامي في إحدى الشركات المعروفة. في البدء استغربت أمر هذا الشاب، كيف أنه أعجب بي، إذ كان بإمكانه أن يتعرّف على شخص أفضل مني، لكنني فهمت بعد التحدث إليه لفترة معيّنة أنه يبحث عن المحتوى وليس عن الشكل أو المظهر.
أخذ رقم هاتفي وبدأنا بالتحدث. أعجبني صوته جداً وهو أيضاً أعجب بصوتي. حان وقت اللقاء فأعطيته موعداً في مقهى أعرفه جيداً وذهبت بسيارتي كما ذُكر على موقع الإنترنت، الذي كان ينبّه من إعطاء معلومات شخصية للشخص الذي نتعرّف عليه، وأن نلتقي به في مكان نعرفه وأن نذهب بأنفسنا كي لا يعلم أين نعيش تفادياً للمضايقات.
عندما دخل منذر المقهى بدأ قلبي يدقّ بسرعة فقد كان أجمل من الصور التي بعث بها لي. ألقى عليّ التحية وجلس وفي عينيه إعجاب كبير بي. طلب القهوة وبدأ يتحدث عن نفسه وعني. ثم أمسك بيدي وقبّلها. تفاجأت قليلاً من هذه الحركة ولكنّي لم أبدِ أية ردّة فعل.
طلب الحلوى فرفضت لأنه كان عليّ العودة إلى المنزل فأصرّ قائلاً أنه "لم يشبع منّي". قلت له أنني سأبقى 10 دقائق إضافية لا أكثر. عندما حان وقت الرحيل، استأذنت منه فحصل شيء غريب: تغيّرت ملامح وجهه وانتابه غضب شديد:
- "لماذا تفعلين بي هذا؟ كيف تتركينني هكذا وترحلين؟ كيف لي أن أبقى من دونك الآن؟ أنت فتاة أنانية! إبقي بعد، أرجوك!"
وأمسكني من ذراعي بقوة حتى صرخت من الألم:
- "أتركني! هل جُننت؟ أنت تؤلمني! لا أريد رؤيتك مجدداً!"
وخرجت بسرعة من المقهى وعدت إلى البيت منزعجة أكاد أبكي من الغضب. لم أنم جيداً تلك الليلة التي قضيتها أفكر بهذا الشاب وبتصرفاته الغريبة. وكم كانت دهشتي كبيرة عندما رأيته في الصباح ينتظرني في سيارته عند أسفل المبنى. صرخت به:
- "ماذا تفعل هنا؟ وكيف علمت أين أسكن؟"
- لقد اشتقت إليك وأنا أنتظرك هنا منذ البارحة. تبعتك وركنت السيارة وجلست أترقبك لأنني لا أعلم متى تغادرين المنزل للذهاب إلى العمل."
- "أنت هنا منذ البارحة!!! هل أنت مجنون؟"
- "أجل، مجنون بك. أحب كل شيء فيك. أنا أحبك يا منال، أحبك! ولا أريد إمضاء ثانية واحدة من دونك."
- "إذهب من هنا الآن! أنت إنسان مريض! لا تستطيع أن تفرض نفسك عليّ هكذا! إذهب!"
- "حسناً، لكن لا تصرخي هكذا! أنا ذاهب."
أدار محرك سيارته وغادر الشارع. صعدت في سيارتي وذهبت إلى العمل. بعد ساعة تقريباً، جاء موظف يحمل معه باقة من الورد وعليها بطاقة تحمل اسم منذر وقد كُتب عليها: "سامحيني ولكنك الفتاة التي لطالما حلمت بها."
رميت الباقة في سلّة المهملات وركضت صوب النافذة فرأيته ينتظر في سيارته. يا للمصيبة! لقد تبعني أيضاً إلى مكان عملي. لماذا سمعت من صديقتي وسجلت اسمي على هذا الموقع اللعين! فهذا المعتوه أصبح يعلم أين أعيش وأين أعمل. قررت أن أنزل وأتكلم معه علّني أقنعه أن يتركني وشأني:
- "منذر، أنت شاب وسيم ومثقف، يمكنك أن تجد فتاة أخرى بكل سهولة. لا أريد أن أراك مجدداً. أرجوك غادر بسلام."
- "لن يحصل هذا، أنت لي! ستحبّينني مع الوقت، سترين. دعيني أريك كيف سأعاملك، وستكونين ملكي وسأعبدك إلى الأبد. أنتِ الآن كل شيء بالنسبة لي وسأكون حياتك كلها. ستحبّينني شئت أم أبيتِ."
- "إذهب من هنا!!!"
- "أنا ذاهب، أراك قرب منزلك لاحقاً. إلى اللقاء!"
عدت إلى مكتبي وأنا أبكي بشدة. رآني توفيق، زميلي في العمل، سألني عما يجري فأخبرته بكل شيء.
- "دعي الأمر لي. عند انتهاء الدوام سأرافقك إلى دارك وإذا كان هناك سأتكلم معه وأعدك أنك لن تريه يعد اليوم."
عندما وصلنا إلى المنزل وجدناه هناك. قال لي زميلي:
- "إصعدي إلى بيتك الآن. أنا سأتصرف."
ذهبت جرياً إلى مدخل البناية وصعدت بسرعة. في الصباح لم أجد منذر أمام المبنى أو أمام مكان العمل. سررت جداً وبحثت عن توفيق لأشكره لكنني لم أجده. قيل لي أنه لم يأت إلى العمل لأنه تعرض لحادث أُدخل على إثره إلى المستشفى. يا للمصيبة! هرعت لأراه ففوجئت بمنذر ينتظرني قرب سيارتي:
- "يا للمسكين! ظنّ أنه يستطيع منعي من رؤيتك. لن أدع أحد يفرّق بيننا!"
ركبت السيارة وذهبت فوراً إلى مركز الشرطة بعد أن دوّنت رقم سيارته. أخبرتهم بكل شيء منذ البداية وحتى يوم الحادث الذي تعرض له زميلي الشجاع. أخذني أحد الشرطيين إلى المستشفى وأخذ إفادة زميلي المسكين الذي تعرض لعدد من الرضوض والكسور. قالوا لي أن منذر قد ضايق فتيات أخريات من قبل، لكن السلطات لم تجده لأنها لم يكن لديها معلومات عنه. ففي كل مرة كان يستخدم إسماً مستعاراً وأسلوباً جديداً. علمت أيضاً أنه حاول مرة اغتضاب إحدى الفتيات عندما دخل بيتها لكنها نجت منه. أما الآن وبفضل تدويني لرقم سيارته سوف يتمّ القبض عليه. هذا ما أكّدته لي الشرطة، وبأنه سيُسجن لمدة طويلة وأنه لا خوف منه عليّ.
بقيت إلى جانب توفيق في المستشفى إلى أن تماثل إلى الشفاء. لقد خاطر بحياته من أجلي وهذا كاف لأن أعطيه من وقتي ومن اهتمامي. وعند خروجه اعترف لي بأنه معجب بي منذ وقت طويل لكنه لم يجرؤ على مصارحتي. فرحت للخبر، فقد كان شاباً مميزاً خاصة بعد كل ما فعله من أجلي. تواعدنا فترة ثم قابل والديّ طالباً منهما يدي للزواج. ضحكت حينها وقلت:
- "بحثي عن حبيب عبر الإنترنت كان مثمراً، فلولا منذر لما كنا سنتزوّج. أحياناً يكون للأمور السيئة جانباً إيجابياً!"
ورغم أنني كنت سعيدة، إلا أنني شكرت ربي بأن هذا المجنون لم يؤذني أو يقتل منذر. فمن يدري ما الذي كان يخططه لي؟
حاورتها بولا جهشان