تزوّجتُ وحشاً

كان جميع شبّان الحيّ معجبين بي لكنّ أيّاً منهم لم يتجرّأ على الاقتراب منّي لأنّ حبيب كان يقف لهم بالمرصاد. كان سيّئاً وطلّته مخيفة. لم ينزع حبيب ابن عمّي من رأسه فكرة أنّني ملك له وحده.

وحين كبرت صرت أخرج من المنزل مثل كلّ فتيات عمري ولكن في كلّ مرّة كان يتجرّأ شاب ما على مرافقتي ينهال عليه حبيب ضرباً وسرعان ما لم يعد أحد يقترب منّي تفادياً للمشاكل، وصرت الفتاة التي يتجنّبها الجميع. أمّا أهلي فلم يكونوا معجبين به لكنّهم تقبّلوا فكرة أن يكون صهرهم خوفاً من أن أبقى عازبة طيلة حياتي.

بدأت المأساة منذ يوم الزفاف حين أمرني بلهجة قاسية بإزالة أحمر الشفاه عن فمي: "تبدين مثل المومس بهذا الشكل". عرفت ما ينتظرني بالفعل وخاصة من ناحية العلاقة الحميمة فقد كانت تحدث حين يريد وكيفما يريد. أمّا ليلة الزفاف فكانت جحيماً حقيقياً ولم أتمنَّ سوى أمر واحد: أن يقرّر أخيراً الخلود إلى النوم.

مع الآخرين، كان حبيب رجلاً اجتماعياً للغاية، يدعو الناس إلى الغذاء أو العشاء ويعطي المال لمن يحتاج إليه ويرفض على الدوام استرداده. باختصار، كان الجميع يحلفون بحياته وأنا وحدي أعرفه على حقيقته. وبما أنّني كنت أرفض إشباع رغباته الجنسية سرعان ما وجد عشيقة له. ولكي تكون سهلة المنال بكلّ معنى الكلمة اختار عدلة جارتنا التي كانت تأتي منذ الصباح الباكر لتشرب القهوة عندنا وتضحك مع زوجي ويتبادلان كلاهما كلاماً فيه الكثير من الإيحاءات الوسخة. هكذا إلى أن سئم منها وراح يبحث عن أخرى.

هكذا دخلت عدلة في دائرة المتروكين المنبوذين وراحت تتقرّب منّي إذ صار عندنا عدوّ مشترك وشبه صداقة تجمعنا.

اما زوجي، فراح بطيشه يبذّر أمواله على عشيقاته اللواتي عشنَ بالترف، أمّا أنا فلم يعطني سوى القليل القليل. هنّ اقتنينَ أجمل الملابس أمّا أنا فما كان عندي سوى ثياب داكنة وقاتمة.

حملت عدّة مرات لكنّ الحمل لم يستمرّ يوماً. على الأرجح، كان هذا الأمر ثمرة رابط القربى بيننا؟ بالنسبة لحبيب لم يكن هذا السبب فأنا لست سوى فاشلة في كلّ شيء حتّى في إنجاب الأولاد.

 

- للكلاب والهررة صغار أمّا أنت فلا! هل يجب عليّ البحث أيضاً عن امرأة تنجب لي البنين؟

 

في هذه الأثناء راح أهلي ينظرون إليّ بعجز وحسرة فحبيب كان من العائلة ولا أحد عندنا يحبّ الفضيحة. هذا كان حظي التعيس وكان عليّ تقبّل الأمر.

 


في احدى الأيام بينما كنت أنظّف الخزائن، دخل حبيب وأوقعني عن الكرسي الذي كنت جالسة عليه وقال:

 

- والآن تعبثين في أغراضي أيّتها القذرة؟

 

فقدت الوعي جراء وقوعي على الأرض وحين استيقظت كان الليل قد هبط فزحفت إلى الصالون حيث وجدته وهو يشاهد التلفزيون كما لو أنّ شيئاً لم يحصل.

 

- استيقظت أخيراً! أنا جائع وأريد أن آكل!

 

فهمت أنّه لن يساعدني فزحفت نحو الهاتف لطلب المساعدة من عدلة لكي تصطحبني إلى المستشفى والنتيجة أنّني جبّرت رجلي. قرّرت عندئذٍ ألاّ أعود إلى منزلي الزوجي بل إلى بيت أهلي.

 

- لن تتحرّكي من هنا مهما حصل. أنا لست خائفاً منه فليأتِ!

هذا كان قرار والدي.

 

لكنّ الوحش تحوّل إلى نعجة وراح يعترف بذنبه فصدّقته وعدت معه إلى ذاك الجحيم. خلال غيابي أعاد حبيب تصميم ديكور غرفتنا وصارت أشبه بعشّ حبّ حقيقي. كان الأمر مؤثّراً إلى أن فاجأني قائلاً:

 

- هذه ليست غرفتنا بل غرفتي أنا. ستنامين في المطبخ، هكذا لن تزعجيني حين يكون عندي بعض الضيوف.

 

شعرت بخيبة كبيرة وتساءلت لمَ عساه يعيدني إلى المنزل بهذا الإصرار؟ فقال:

 

- لطالما كنت ملكي وستظلّين هكذا حتّى آخر لحظة من حياتك.

 

في تلك الليلة دخل إلى النصفية واستغلّني بعنف فحلفت أنّها ستكون المرّة الأخيرة. وفي اليوم التالي حين خرج إلى العمل وضّبت أغراضي وتركت المنزل. نعم، هربت منه ومن وحشيّته. حاول بشتّى الطرق إرجاعي راشياً شقيقي ومهدّداً والدي ومقدّماً الهدايا لوالدتي حتّى راح ينام ليالي طويلة أمام منزلهم متوسّلاً:

 

- أعيدوها لي!!

 

ولكن هذه المرة اتّخذت قراري. وبعد خمسة أعوام منحني الطلاق، لا حبّاً بي بل رغبةً منه في الزواج بأخرى. أمّا زوجته الجديدة فتفوّقت عليه سوءاً فهي جشعة وأنانية وبلا قلب. سحبت منه كلّ أمواله وأرسلتها إلى عائلتها في كندا، حتّى انّها ألزمته ببيع كلّ أراضيه وتسجيل المنزل باسمها. خسر كلّ ما يملك حتّى تلك العلبة التي كانت مليئة بليرات الذهب والتي كان يخبّئها بحذر. وحين لم يبق معه فلس لتأخذه تركته وذهبت إلى ذويها. سبّبت له الصدمة ذبحة قلبية قاتلة وقد لاقى الموت في وحدته.

أمّا أنا فتزوّجت من جديد وأنجبت فتاتين والآن أعيش بسعادة بعيداً عن كلّ تلك المأساة. أحياناً حين أسمع في نشرة الأخبار عن سيّدات معنّفات تحت عدسة الكاميرا أفكّر في ماضيّ. ولتلك النساء أقول: "ارحلنَ! هو لن يتغيّر! وسينتهي به المطاف بقتلكنّ".

 

حاورتها بولا جهشان 

المزيد
back to top button