تزوّجتُ من ثلاثة رجال... وقريباً الرابع! -الجزء الأول-

في كل مرة يتعرّف إليّ الناس يتفاجأون بأنه لديّ ثمانية أولاد!
ففي أيّامنا هذه وبعمري الذي لم يتجاوز الخمسين قد يبدو هذا غريباً خاصة أنني إمرأة أعمال نشيطة وصاحبة شركة ناجحة. وعندما يسألونني إن أنجبتُ هذا القدر من الأولاد من رجل واحد يحمرّ وجهي وأجيب: "لا... من ثلاثة... والرابع قريباً". وهنا أراهم يبتسمون وينظرون إلى بعضهم البعض. ولكن الحقيقة أنني لستُ إمرأة خفيفة أو مزاجيّة تحبّ تغيير أزواجها كما تغيّر فساتينها ولكنني حالمة أبحث عن الحب وأؤمن بالعائلة الكبيرة. ربما يعود هذا لكوني الإبنة الوحيدة لأب وأمّ لم يعرفا كيف يُعطى الحنان.

عندما وقعتُ في الحب ﻷّوّل مرّة كنتُ ما زلتُ في الخامسة عشر من عمري وكانت قد بدأت الحرب في لبنان وآدم، الشاب الذي أُغرمتُ به، غادر البلد بعد فترة قصيرة مع أهله خوفاً من القصف آخذاً معه آمالي وذكرى قبلة مسروقة.

وبعد سنتين وقبل أن أنهي دراستي تعرّفتُ إلى يوسف زوجي الأوّل، شاب حنون عرض عليّ أن نتزوّج بسرعة بسبب الأوضاع الراهنة وبما أنني كنتُ صغيرة قبلتُ فوراً. ذهبنا "خطيفة" ولكن بموافقة أهلنا وهي طريقة متّبعة عندما يكون المال قليل أو الظروف قاهرة.
مكثنا في شقّة صغيرة حوّلتُها إلى مكان جميل نعيش فيه حبّنا سنيناً طويلة. وجدتُ عملاً في مكتبة قرب البيت بسبب الحالة الأمنيّة المترديّة. عاملني يوسف بحبّ وأعطيته ولدَين جميلين مُعتقدة أننا سنكون عائلة سعيدة سويّاً. ولكن لم يشأ القدر أن يبقيه معي فماتَ المسكين عندما سقط صاروخاً قرب سيّارته. وكنتُ ما زلتُ في الحادية والعشرين من عمري عندما أصبحتُ أرملة. بكيتُ كثيراً عليه ففارق العمر بيننا كان صغيراً وكنّا نفهم بعضاً جيّداً ونلهو سويّاً كالأطفال. صحيح أنّ المال كان قليل ولكنني لم أشعر أبداً بالضيقة معه. حزنتُ لولديّ الصغار الذين لم يتسنّى لهم أن يعرفا أباهم جيّداً وحزنتُ لنفسي ﻷنّ حياتي توقّفت قبل أن تبدأ. ولكن حصل أمر لم أحسب له حساب غيّرَ مجرى حياتي بكاملها ومفهومي للناس والعمل وللحب والعلاقات بين الرجل والمرأة.

ففور إنتهاء مراسم الدفن جاء أبي وحماي وقالا لي:

- عليكِ الزواج من حامد شقيق يوسف.

- ولكنني لا أحبّه! ما بالكم؟ بالكاد دفنّا المسكين!

- الناس ستتكلّم... ما زلتِ شابة... فكرّي بالأولاد! لا نريد أن يأتي رجل غريب ويربّي أولادنا.

لم يتركا لي الخيار ووافقتُ على مضد لأنني كنتُ خائفة من مستقبل غامض وﻷنّ حامد كان ينوي السفر إلى أستراليا. قلتُ لنفسي أنّ الأوضاع هناك أهدئ وأنّ أولادي سيحظون بفرصة ثانية. وهكذا سافرنا نحن الأربعة إلى سيدني متأملّين بغد أفضل. هناك حاولتُ إيجاد عمل ولكن لم يكن هذا سهلاً نظراً لعدم معرفتي الجيّدة لللغة الإنكليزيّة ولتقاليد البلاد. وأخيراً حظيتُ بعمل كبائعة في محل كبير للأدوات المنزليّة وقررتُ أن أعطي كل ما عندي ﻷثبت مهاراتي. أما حامد فإشترى سيّارة أجرة وبدأ يأخذ السّواح في رحلات إلى أنحاء البلد. حاولتُ أن أتقرّب منه فأعطيته ولدين لكي يشعر أنه لديه عائلة خاصة به ولكن لم أشعر يوماً بالحب تجاهه. ومن ناحيته إكتشفتُ أنّه إنسان خمول يقضي معظم أيّامه نائماً في سيّارته ولياليه في الكاباريهات. ومع الأيّام وبفضل إنصبابي على عملي حصلتُ على ترقية مهمّة وأصبحتُ مديرة فرع الإلكترونيّات في المحل. ومن جرّاء هذا زاد مدخولي ولكنني وجدتُ نفسي أدفع وحدي معظم فواتير البيت ﻷنّ حامد كان دائما مفلساً.

أما بالنسبة للأولاد فكان هناك تناغم بينهم والفضل يعود طبعاً لي فأشعرتهم أنّهم جزء لا يتجزّأ من عائلة واحدة وأنّ الرابط بينهم جميعاً هو أنا. ومن الطبيعي أنّهم لاحظوا أنني كنتُ أقوم بكل شيء أعني بذلك الإعتناء بهم، الأعمال المنزلية والعمل في المحل لساعات طويلة، بينما كان حامد يأتي إلى البيت فقط لينام. وحاولتُ عدم جذّهم بمشاكلنا الزوجيّة بعدم التشاجر مع زوجي أمامهم. ولكنني كنتُ جدّ محبطة فلم يكن لديّ سند في ذلك البلد الغريب وفضّلتُ تحمّل كل هذا بصمت. مرّت بضعة سنين على هذا النحو حتى أن أصبحتُ مديرة الفرع بأكمله فقرّر حامد أن يأخذ قسماً من راتبي والتوقف عن العمل. هنا أخذتُ قراراً كنتُ قد أجلّته من سنين: طلبتُ منه الطلاق وبالطبع رفض. وبدأت المحادثات والتهديدات والمناورات حتى أن قَبِلَ أخيراً مقابل مبلغ كبير من المال. لم يكن لديّ هذا القدر فأخذتُ قرضاً من المصرف ﻷتخلّص من هذا الزوج الفاشل. وهكذا رحل حامد تاركاً أطفاله وأطفال أخيه وراءه ليتمتّع بمالي برفقة راقصة كاباريه كان يعاشرها منذ فترة. للحقيقة لم أشعر بأي فرق بعد رحيله وأستطيع القول أننا جميعاً إرتحنا منه. علِمتُ حينها أنّ حياة جديدة تنتظرني وأنّ عليّ التفاؤل والمثابرة.

عملتُ ليلاً نهاراً لتسديد القرض وساعدني ولديّ الأكبر سناً بالإهتمام بالآخرين الأصغر وهكذا إستطعنا جميعاً إجتياز تلك الفترة. وبالطبع كنتُ قد قرّرتُ أنني لن أحبّ أو أتزوّج مجدداً ولكن المرء لا يدري ما يخبأه القدر له وعندما قرّرتُ أن آخذ أولادي إلى لبنان لتأسيس شركة هناك لم أتوقّع أنني في غضون أشهر سأكون متزوّجة من جديد.

يُتبَع...

حاورتها بولا جهشان

 

المزيد
back to top button