تزوجت عبر الأنترنيت

عندما تزوّجتُ من مايك لم أكن أعرف عنه الكثير فلقد تعرّفتُ عليه عبر الإنترنت كما يفعل البعض في هذه الأيّام. كان يعيش في الولايات المتحدة حيث ولد من أهل عرب ولديه شركة إستيراد وتصدير. أعجبني فوراً وكان هذا الإعجاب متبادل ولكن لم أكن مستعدّة لترك بلدي لأكون معه هناك. طمأنني بأنه آتٍ إلى هنا ليؤسس فرعاً لشركته وأنّه يُفكّر جديّاً في العيش في صورة دائمة في وطنه.

فرِحتُ كثيراً لهذا الخبر فنادراً ما تلتقي الفتاة بفارس أحلامها عبر الإنترنت. وجاء مايك ووقعتُ في غرامه، وبعد أشهر قليلة عقدنا قراننا وإنتقلنا إلى البيت الفخم الذي كان قد بناه.

عشنا حياة جميلة وهنيئة وأنجبنا بنتاً وكان كل شيء على ما يرام حتى بدأت الأمور تسيء. فبين ليلة وضحاها تغيّر طبع زوجي فمِن إنسان هادئ  ومرح تحوّل إلى رجل مهموم ومتوتّر. حاولتُ التحدث إليه بهذا الشأن لكنه أصرّ أنه على ما يرام. خفتُ أن يكون قد ملّ من العيش في البلد، فالأوضاع هنا مختلفة عن الولايات المتحدة وخشيتُ أن يطلب مني الرحيل معه. ترك عائلتي وأصدقائي وكل ما اعتدتُ عليه لم يكن وارداً عندي، ولكن أصبح لي زوجاً وبنتاً وكان عليّ أيضاً التفكير بهما.

ثم بدأ مايك بالمكوث في البيت مطوّلاً على غير عادته، فمنذ أن تعرّفتُ إليه وهو مدمن على العمل. أعطاني تفسيراً غير مقنع عندما قال أنّه يشعر بأنّه لا يعطينا وقتاً كافياً وأنّ عائلته لها الأولويّة.

لم أكن أدري ما السبب الحقيقي وراء تصرّفه هذا ولكن كنتُ متأكّدة أنّ شيئاً لم يكن على ما يرام وأمام صمته قررتُ متابعة حياتي بشكل طبيعي ريثما تمرّ هذه الفترة العصيبة على خير.

وبعد فترة قصيرة قال لي زوجي أنّ عليه السفر لتخليص بعض الأعمال تركها عالقة هناك وأنّه لن يغيب طويلاً. فرِحتُ لهذا الخبر فربّما تكون لهذه السفرة وطأة إيجابيّة على مزاجه ويعود لنا كما في السابق.

وسافر مايك وبقيتُ أنا والطفلة وحدنا في البيت الكبير. وبعد يوم واحد على رحيله حدث أمر مروّع. كنتُ عائدة من السوق أنا وإبنتي عندما لاحظتُ أنّ الباب الرئيسي مفتوح مع أنني كنتُ متأكّدة أنني أغلقته جيّداً. فتحتُه على مهلي ووجدتُ البيت مقلوباً رأساً على عقب. كل محتوياته كانت ملقاة على الأرض والخزائن مفتوحة وحتى مقاعد الصالون كانت ممزّقة. ركضتُ أتفقّد علبة مجوهراتي فوجدتُها فارغة. ولكن ما أرعبني أكثر من كل هذا هو أنّ السارق كان قد وضع على كل من سريرنا وسرير الطفلة جرذاً ميّتاً. وفي تلك اللحظة بدأتُ بالصراخ وركضتُ أختبىء أنا وإبنتي عند الجيران الذين أسرعوا بطلب الشرطة.

جاء المحققون ورفعوا البصمات وسألوني أسئلة كثيرة من بينها مكان زوجي فقلتُ لهم أنني إتصلتُ به من دقائق قليلة وأنّه سيركب أوّل طائرة متّجهة إلى هنا.

إنتظرتُه في اليوم التالي ولكنّه لم يأتِ بل خابرني في المساء عبر الهاتف:

- حبيبتي... سأبقى هنا لبعض الوقت... أنا مشغول قليلاً وسأعود فور إنتهاء عملي.

- ولكن سرق بيتنا! هل ستتركنا لوحدنا هنا؟؟؟

- وضّبي بعض الأغراض وإذهبي إلى أهلكِ. أسمعتِ؟ لا تبقي في المنزل. إذهبي الآن!

- أنتَ تخيفني! هل من أمر خطير يجري؟

- لا لا... ولكن أخشى أن يعود السارق وأنتما في البيت. لن يطول غيابي حبيبتي أعدكِ بذلك.  

وفعلتُ ما طلبه منّي ولكن لم أكن مطمئنّة، فبقرارة نفسي علمتُ أنّ إقتحام بيتنا لم يكن عمليّة سرقة بسيطة وهذا ما ظنّته الشرطة أيضاً عندما سألوني إن كان لنا أعداء فوضع الجرذان الميّتة يعني عادة التهديد والرغبة بالإنتقام.

وتأكّدتُ من نظريّتي عندما لاحظتُ أنّ أحداً يراقب بيت أهلي وعندما أخبرتُ مايك بالأمر وقلتُ له أنني سأخبر الشرطة بالأمر صرخ بي:

- لا! لا تفعلي!

- ولكن من المحتمل أن تكون حياتنا في خطر! أتريدني أن أبقى مكتوفة اليدين؟

- أجل هذا ما أريدكِ أن تفعلي.

- من السهل أن تقول هذا وأنتَ مختبىء في قارة أخرى. هل تظنّ أنني غبيّة؟ أسمع، لا أدري ما الذي فعلته أو تفعله الآن ولكن أشعرُ أنّه أمر غير قانوني ومن جرّاء "أعمالكَ" وضعتنا أنا وإبنتكَ في خطر قد يكلّفنا حياتنا. والآن تطلب منّي ألاّ أفعل شيئاً. ما هذه الشهامة يا زوجي المصون! أريدكَ أن تأتي ألى البلد وفوراَ وإلاّ...

- وإلاّ ماذا؟

- وإلآّ أتصلتُ بالشرطة.

- إذا فعلتِ سيرمونني في السجن.

- يجب عليك تحمّل مسؤوليّة أعمالكَ. لديكَ عائلة الآن وسلامتنا هي الأهمّ.

- أنا آسف... أحبّكما كثيراً ولكن...

- فهمتُ... تحبّ نفسكَ أكثر.

وقبل أن أقرّر إن كنتُ سأبلّغ عنه أم لا، جاء المفتّش وأخبرني أنّهم قاموا بالتحرّي عن أعمال مايك وإكتشفوا أنّه يتاجر منذ وقت طويل بالمخدّرات وأنه على الأرجح قام بالنصب على من يمدّه بالبضاعة.  

- لن يفلتَ منّا سنقبض عليه بواسطة الأنتربول.

و هكذا حصل، فأوقِفَ مايك في مطار ميامي قبل دقائق من صعوده على متن طائرة إلى ساحل العاج وكان قد حجز تذكرة بإتجاه واحد أي أنّه لم يكن في نيّته الرجوع يوماً. كان ينوي تركنا إلى الأبد لينقذ جلده دون أن يأبه إن كانت المافيا ستؤذينا أم لا. هذا هو الرجل الذي أحببته وتزوّجته وأنجبتُ منه طفلة.

ومع مايك وراء القضبان ولمدّة طويلة لم يعد لأعدائه سبباً للضغط عليه عبرنا، فتركونا بسلام وإسطعتُ بعد فترة الحصول بسرعة على الطلاق.

اليوم أعيش سعيدة مع زوجي الثاني وإبنتي وأنتظر مولوداً جديداً. وهذه المرّة إخترتُ شخصاً من بلدي، يعيش هنا وسألتُ عنه وعن سلوكه قبل أن أربط مصيري به.

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button