تحوّل زوجي فجأة إلى إنسان بغيض

كنتُ في العاشرة مِن عمري عندما قرّر أهلي الهجرة إلى أوستراليا بعدما أعلن مطعم أبي إفلاسه بسبب الحالة الإقتصاديّة.

وأسّس والدي هناك مقهىً لاقى نجاحًا كبيرًا، وتأقلمنا بسهولة مع عيشتنا الجديدة خاصة بما يخصّني.

 

وكنتُ أنهيتُ إختصاصي الجامعيّ للتوّ عندما إلتقيتُ بمازن الذي هاجر هو الآخر مِن بلدنا بحثًا عن مستقبل أفضل. وكان ذلك الشاب يمرّ بالمقهى كلّ صباح لتناول قهوته قبل الذهاب إلى عمله، ولم يخطر ببالي أنّني سألفت إنتباهه وذلك بسبب بدانتي. فكنتُ أعلم أنّ أبناء بلادي يبحثون في المرأة عن الكمال، وأنّ تلك المواصفات لم تكن تنطبق عليّ. ولم أدرك مدى حجمي إلاّ حينها، لأنّ البدانة كانت شيئًا شائعًا في أوستراليا.

 

ولكنّ مازن لم يتوقّف عند مظهري وكان يراني مناسبة لذوقه. وعلى مرّ الأيّام، وُلِدَت بيننا مودّة تحوّلَت إلى شيء أكثر جدّية. وفي آخر المطاف، طلَبَ منّي أن أتزوّجه وقبِلتُ عرضه بفرحة كبيرة. تزوّجنا وسكنّا في شقة فوق المقهى لأكون قريبة مِن أهلي. واعتقدتُ فعلًا أنّنا سنكون سعيدَين وأنّنا سنبقى على هذا الحال طوال حياتنا.

 

أوّل سنة كانت جميلة بالرّغم مِن فتور زوجي معي، وبذلك أعني مِن الناحية الحميمة. ولكنّني لم آبه لذلك لأنّه كان إنسانًا محبًّا ومخلصًا لا يرفض لي طلبًا ولا يُعارضني بشيء. صحيح أنّ العشق كان غائبًا عن علاقتنا، ولكنّ المودّة التي كانت تربطنا كانت كافية لإسعادي.

واكتملَت فرحتي بخبر حملي، ورأيتُ بذلك دلالة على نجاح زواجنا. ولكن حدثاً غيّر مجرى حياتنا إلى الأبد.

ففي ذات يوم أخبَرَني زوجي أنّ والده أصيب بمرض خبيث وأنّ والدته طلبَت منه المجيء قبل أن يرحل المسكين إلى دنيا الحق. ورأى مازن بذلك فرصة ليُعرّفني إلى عائلته التي لم تستطع المجيء إلى فرحنا بسبب المسافة والمرض. فأوستراليا بعيدة جدًّا وليس مِن السهل السّفر إليها. وبالرّغم مِن حملي، قبلتُ مرافقة زوجي لأرى أهله وأتذكّر طفولتي.


ولكنّني لم أتوقّع ردّة فعل حماتي عند رؤيتي. لم تستوعب بدانتي أبدًا ولم تحاول إخفاء انزعاجها. صحيح أنّها كانت قد رأت صور زفافنا، ولكنّ وزني كان قد زاد كثيرًا منذ ذلك الحين مِن جرّاء حملي. لم ينتبه مازن إلى حركات أمّه، ولم أقل له شيئاً كي لا أخرب لحظة لقائه بها. ولكنّني كنتُ قد تأثّرتُ جدًّا بذلك الإستقبال وشعرتُ أنّها كانت بداية المشاكل بيننا. وكنتُ على حق: فبعد أيّام ضّم زوجي صوته إلى الباقين مِن جهة حجمي، وبالنسبة له أصبحتُ "الحوت الذي يأكل ولا يشبع".
وبقيَ مازن يهزأ من شكلي حتى بعد أن توفّى والده وعدنا إلى سيدني. لم أفهم التغيّر الذي حصل له، وسألتُ نفسي عن مدى تأثير أهله عليه. وبالطبع ندمتُ على مرافقته إلى البلد.

 

وقضيتُ ليالِ طويلة أبكي بصمت وأيّامًا أتحمل نظراته السّاخرة. إضافة إلى ذلك، لم يعد زوجي يلمسني، وأتذكّر أنّني تمنَّيتُ لو لم نتزوّج قط. فهذا التجاهل كان أفظع مِن كلّ الملاحظات المؤذية إذ يعني أنّه بات يشمئّز منّي إلى أقصى حد.

ووُلِدَ شوقي إبننا، ولم يتغّير شيء. كنّا قد أصبحنا غريبَين يعيشان في بيت واحد.

 

عندها عرضتُ على مازن أن نفترق ولو لمدّة قصيرة لنستطيع تقييم وضعنا كلّ منّا على حدة. ولأسفي الشديد قَبِلَ العرض بسرعة هائلة. كنتُ أنتظر منه ردّة فعل أو مناقشة ولكن لا أن يتصرّف وكأنّه تخلّص منّي أخيرًا. وترَكَ زوجي المنزل وسط الليل. لم ينتظر حتى الصّباح ليُودّع إبننا.

 

وانتظرتُه كلّ يوم. ولكنّه اختفى كليًّا حتى التقيتُ به صدفة بعد سنة في إحدى محلّات المنطقة. لم أكن أعلم أنّه كان يسكن قربنا وأربكَتني رؤيته. كان يبدو سعيدًا وابتسم لي عندما ألقى عليّ التحيّة. كان بصحبة رجل عرَّفَ عنه قائلًا:" صديق قديم جدًّا".

 

تبادلنا بضع كلمات، واعتذر عن عدم مجيئه لرؤية شوقي ورحل مع صديقه. وعندما استدَرتُ لأرى بأيّ اتجاه ذهبا، رأيتُ الرّجلَين يمشيان يداً بيد وأدركتُ فورًا أنّ علاقتهما لم تكن أبدًا علاقة صداقة.

 

وفهمت كلّ شيء. فهمتُ سبب انقلاَب مازن وتهكّمه وابتعاده وهروبه. لم يتركني بسبب بدانتي، ولكن ليعيش حياته مع عشيقه. أخَذَ وزني الزائد كعذر ليرحل أو يدفعَني إلى تركه. ولكنّني لم أفهم كيف لم أشكّ يومًا بشيء.


ولكنّني لم أكن مستعدّة للإكتفاء بالذي رأيتُه وقرّرتُ أن أتحدّث معه مطوّلًا. كان مِن حقيّ أن أحصل على الحقيقة كاملة.

لِذا قصدتُه في مكان عمله وطلبتُ منه موعدًا. لم يرفض بل قَبِلَ أن يوافيني إلى مكان هادئ. وهذا ما قاله لي:

ـ لم أكن على علم... صحيح أنّني لم أحبّ يومًا النساء كما انجذبت إلى الرّجال بدون أن أعلم لماذا.

ـ ولماذا تزوّجَتني إذًا؟

ـ لأسكت أهلي... كانوا يحثوّني دائمًا على الزواج مِن إبنة بلدي وتأسيس عائلة... تعلمين كيف هم الأهل في بلدنا...

ـ وكيف علِمتَ بِـ... ميولكَ؟

ـ حين عدنا سوّيًا لأرى أبي... إلتقَيتُ بسمير... كنّا زملاء في الجامعة. في تلك اللحظة شعرتُ بانجذاب قويّ وغريب تجاهه...

 

وشعرتُ بخجل كبير... إلا أنّه هو الذي أقَدَم على الخطوة الأولى... ولم أعد قادرًا على الرجوع إلى الوراء واستعادة حياتي العاديّة معكِ... وأخذتُ كعذر ملاحظات أمّي والعائلة بما يخصّكِ للتوقّف عن القيام بواجباتي الزوجيّة معكِ وقرّرتُ أن أنقلب الى انسان بغيض لتتركيني... أعرف أنّ تصرّفي كان غير أخلاقي ولكن مِن المستحيل أن أعترف لكِ بالحقيقة وأن يعرف إبني أنّني مثليّ... حاولي أن تغفري لي أرجوكِ... لقد أسأتُ معاملتكما... كنتُ أنانيًّا ولكنّني الآن سعيد.

ـ كنتُ أنوي إسترجاعك ولكن أرى الآن أنّ الأمر مستحيل... ولكن ما ذنب شوقي؟

ـ أنتِ محقّة.

ـ لم أعد أريدكَ ولكنّ ابنكَ بحاجة إليك... ومقابل سكوتي سأطلب منكَ العودة إلى المنزل لمدّة أقلّها سنة... ويُمكنكَ متابعة حياتكَ كما يحلو لكَ ولكن أعط شوقي حضوركَ وحنانكَ".

 

وطلبَ منّي مازن بعض الوقت للتفكير ولاستشارة شريكه. وعاد مازن إلى البيت لأنّه فعلًا إشتاقَ إلى إبنه ولأنّه أدركَ مدى أهميّة وجوده بقربه.

وعشنا هكذا خمس سنوات، ومِن ثمّ رحل مازن ليعيش حياته كما يحلو له. ولكنّه بقيَ يأتي كلّ أسبوع ليرى شوقي ويسأل عن حاجاته.

عندها حان الوقت كي أفكّر بنفسي. فبعد فترة، تعرّفتُ إلى رجل عظيم وتزوّجنا وأنجبتُ منه إبنة جميلة.

أنا اليوم إمرأة سعيدة وسط عائلتي الصّغيرة، ولم يعرف أحد شيئًا عن حياة زوجي السّابق وعمّا مرّرتُ به... إلى أن قرّرتُ أخيرًا إخبار قصّتي.

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button