منذ لحظة وقوع نظري على ليلى في ذلك المقهى، علِمتُ أنّ شيئاً يدور بينها وبين عادل زوجي، ولكنّه كان مجرّد إحساس لا يرتكز على أيّ دليل حسّي، لِذا لم أقل شيئاً. وهي بدورها أدارَت وجهها، ربمّا لكي لا أرى كيف كانت تنظر إلى شريك حياتي. أمّا هو، فبقيَ يتصرّف بطريقة طبيعيّة، لأنّه كان بارعاً في التمثيل والكذب. ولكنّني لم أكن أعرف حقيقة زوجي حين تعرّفتُ إليه وظننتُ طبعاً أنّه الرجل المثالي التي تبحث وتحلم به كل فتاة. وعندها طلبَ منّي أن أتزوّجه، كان جوابي:"بكل سرور ياحبيبي". ولو أمعنتُ بالدلائل التي كانت موجودة آنذاك، لَعرفتُ أنّه لا ولن يكتفي بإمرأة واحدة. فلم أتوقّف عند تلك الفتاة التي كانت تظهر في كل الأماكن، التي كنّا نذهب إليها، أو عند المكالمات الهاتفيّة التي كان يتلقّاها في آخر الليل. بل قلتُ لنفسي أنّه شاب أعزب ولابدّ له أن يكون له معجبات وأنّها ستختفي جميعها بعد الزواج.
ولم أكن أعرف في ذلك الوقت، أنّ الإنسان الوفي يكون مخلصاً أيضاً مع خطيبته وأنّ الخائن واللامبالي لا يصتلح أبداً. وبدأتُ أعاني مِن قلّة أخلاق عادل بعد أسابيع قليلة مِن زفافنا، حين تفاجأتُ بأنّه يذهب مع أصدقائه لِقضاء السهرات بصحبة نساء. والذي أخبرَني بالأمر، كان أخوه الصغير الذي أراد مساعدتي وأملَ أن أضع حدّاً لممارسات عادل. ولكنّني لم أفعل شيئاً، ربمّا لأنّني خشيتُ أن أخسر زوجي أو أن أواجه الحقيقة المرّة. وهكذا إعتادَ زوجي على الخروج أسبوعيّاً. وتحمّلتُ الوضع طالما كان يعود إليّ في نهاية الليل وطالما كانت علاقاته عابرة وأملتُ أن يعي يوماً على الذي يفعله ويكفّ عن تعذيبي بهذا الشكل. ولكن ما كنتُ أخشاه حصلَ، ووقعَ عادل في حب ليلى إحدى عشيقاته وشعرتُ أنّ الوضع أصبح جديّاً بينهما وإنتظرتُ طبعاً أن يتركني ليكون معها. وحمدتُ الله أنّني لم أنجب بعد منه وإلاّ كان وضعي أصعب ممّا هو. ولكنّ زوجي لم يكن قادراً على الثبات مطولاً على إمرأة واحدة ولم يمضِ على علاقته بليلى أكثر مِن بضعة أشهر حتى أن ترَكها وذهب يعطي حنانه إلى أخرى. وعلمتُ بكل ذلك حين وصَلني إتصالاً في أحد الأيّام:
ـ هل أتكلّم مع زوجة عادل؟
ـ أجل... مَن تكونين؟
ـ إسمي ليلى و... أنا...
ـ أعلم... عشيقة زوجي... ولماذا تتصلين؟ لتشتفي بي؟ أعرف أنّه سيطلقّني ليتزوّج منكِ... هل تتوقّعين منّي أن أهنّئكِ؟
ـ أبداً... بالعكس... أريدكِ أن تسامحيني... إتصلتُ بكِ لأقول لكِ أنّه تركَني ولديه عشيقة جديدة...
ـ ها ها ها! يعني هذا أنّكِ أصبحتِ مثلي... أهلاً بكِ في نادي نساء عادل!
ـ لم أتوقّع منكِ أن تأسفي لي... ولا أتوقّع منكِ شيئاً... أردتُ فقط الإعتذار لأنّني لم أشعر بأي خجل عندما قبلتُ أن يطلّقكِ بسببي...
سكتُّ مطوّلاً لأنّ تلك المرأة كانت فعلاً آسفة، فلم أعد غاضبة منها، بل مِن زوجي الذي لا يردعه شيء. وبعد قليل أضافَت ليلى:
ـ هذا رقمي... أن أردتِ التحدّث...
ـ وتعتقدين حقّاً أنّنا سنصبح يوماً صديقات؟
ـ لا أحد يعلم... ولِما لا؟
وأقفلَت الخط ولا أدري لماذا ولكنّني حفظتُ رقمها على مفكرّة هاتفي. ومرَّت الأيّام والأسابيع ولم أفكرّ بليلى، لأنّ عادل عاد يغيب عن البيت وأخذَت عشيقته الجديدة كلّ إهتمامي. ولم أكن مستعدّة هذه المرّة أن أنتظر الأمر المحتوم، بل عملتُ على التفتيش عن وظيفة تخوّلني العيش بكرامة بعد الطلاق. فإشتريتُ الصحف وبحثتُ على الأنترنت في الإعلانات المبوّبة وبعد بحث يوميّ، وجدتُ إعلاناً يناسبني. وأخذتُ موعداً وذهبتُ إلى العنوان المذكور لأقدّم سيرتي الذاتيّة على أمل أن يقبلوني كمساعدة مدير. كانت فرصة نجاحي كبيرة لأنّني كنتُ أملك شهادة وكنتُ قد عملتُ قبل زواجي عند طبيب أرتّب له المواعيد وأنظّم محاضراته. وبعدما قابلَني مدير الموارد الإنسانيّة، وعَدَني بأن يتّصل بي بأسرع وقت في حال وقعَ الأختيار عليّ وطمأنّني قائلاً:" أظنّ أنّكِ ستنالين الوظيفة". فخرجتُ مِن الشركة وعلى وجهي بسمة عريضة ولا أدري لماذا ولكنّ ليلى خطَرَت فجأة على بالي، فإتصلتُ بها وقلتُ لها:
ـ أنا في وسط العاصمة... ما رأيكِ بإحتساء القهوة معي؟ لديّ أشياء كثيرة أخبركِ أيّاها".
ورغم دهشتِها قَبِلَت دعوتي ووافتني إلى المقهى. وعندما أخبرتُها عن الترتيبات التي أجريها في حياتي هنّأتني وأضافَت:
ـ أعلم أنّ ما سأقوله لكِ قد يبدو غريباً ولكنّني أشعر تجاهكِ بمّودة حقيقيّة... لديّ شركة صغيرة... أصنع بطاقات على أنواعها ولجميع المناسبات... وأخرج معظم الوقت لِملاقات الزبائن ويلزمني أحداً ليبقى في المكتب ويهتّم بالطليباّت ويكون همزة وصل مع المطابع... مارأيكِ؟
ـ أحتاج لبعض الوقت للتفكير... لاتنسي أنّكِ كنتِ عشيقة زوجي ولا أدري إن كنتُ قادرة على تخطيّ ذلك... على كل حال أشكركِ على عرضكِ الذي أعلم أنّه آتِ مِن القلب.
ومِن بعدها إفترقنا وذهبَت كل واحدة منّا إلى منزلها. وبقيتُ مهمومة لأنّني لم أكن أدري ماذا أفعل. شيء ما بداخلي كان يودّ التعامل مع ليلى ولكنّ المنطق كان يقول لي العكس. فأيّة إمرأة تقبل بالتعامل مع التي كادَت أن تأخذ زوجها منها إلى الأبد؟ فإنتظرتُ إتصال مِن الشركة التي قصدتُها ولكنّه لم يأتِ، ففهمتُ أنّهم إختاروا أحداً غيري. وعندها قررتُ أن أقبلَ عرض ليلى ولكن أن آخذ أيضاً حذري منها.
وإلتقينا عندها في المكتب وأرَتني مساطر مِن عملها وشرحَت لي كيفيّة العمل. وأعجبَني مشروعها، لأنّه بسيط وجميل في نفس الوقت وقرّرنا أن نختبر العمل سوياً ولو لِفترة صغيرة وبالطبع إتفقنا ألاّ يعلم عادل بالأمر، فلَن يُسَرّ أبداً إن إكتشفَ أنّ زوجته وعشيقته القديمة ليست فقط على تواصل، بل على علاقة عمل. لذا قلتُ له أنّني وجدتُ وظيفة في شركة أستيراد وتصدير ولم يمانع طالما لا يؤثّر ذلك على سير حياته، بل شعر بإرتياح لأنّني كنتُ وجدتُ ما يلهيني عن تصرّفاته البشعة. وبدأنا العمل أنا وليلى وبعد فترة قصيرة، تبدّدَت كل مخاوفي تجاهها، لأنّها كانت إمرأة نزيهة وربّة عمل عادلة وما حصل لها مع زوجي كانت غلطة إرتكبتها مِن منطلق الحب ووعود عادل لها الكاذبة.
ومرَّت بضعة أشهر على تعاوننا، حتى أن عرَضَت عليّ أن أصبح شريكتها في المؤسّسة لكي يكون لي دافعاً لأساعدها على أزدهار وتوسيع أعمالها وقبلتُ بسرور. ولكن ما مِن شيء يبقى مخفياً، فوِصلَ الخبر لزوجي الذي بالطبع لم يصدّق ما قالوه له، فواجهَني وجاوبتُه بكل بساطة:
ـ أجل... كل ما سمعتَه صحيح... أنا شريكة إمرأة إسمها ليلى... ولكن... لماذا الإستغراب؟ هل تعرفُها؟
ـ لا... أعني بلى... إنهّا صديقة... قديمة...
ـ صديقة فقط؟
ـ أجل... فقط...
ـ إذاً لا أتصوّر أنّ لديكَ مانعاً أن أعمل مع صديقة قديمة لكَ.
وإنتهى الحديث ولم يعد بإستطاعة عادل أن يتكلمّ بالموضوع لكيّ أرى مدى أستياءه. والغريب في الأمر أنّه تغيّر كلياً معي، أي أصبحَ يمضي وقتاً أكبر في البيت ويحاول التقّرب منّي. ولكنّني لم أعد أكنّ له بأي شعور لِكثرة خياناته لي ورفضتُ أن نعود كما في السابق. على كل الأحوال لم أكن أبداً مطمئنّة لهذا التحوّل الذي أرجعتُ سببه إلى خوفه مِن تحالفي مع ليلى وكنتُ شبه متأكدّة أنّه سيعاود الخروج مع أخروات حالما يستتبّ الوضع بيننا. وبعد ثلاثة أشهر، طلبتُ الطلاق مِن عادل. وحين أرادَ الوقوف بوجه قراري، أخبرتُه أنّني لم أعد أطيق العيش معه ولو لِدقيقة إضافيّة مِن جرّاء ما فعلَه بي، وإن كان لديه ذرّة إحساس أو أخلاق فعليه إطلاق سراحي. وهكذا إنطلقتُ إلى عالم جديد مليئاً بالوعود بالسعادة.
حاورتها بولا جهشان