تبادلنا زوجتينا!

نعم، لقد حصَلَ أن بدَلتُ زوجتي بزوجة صديقي وهو أخَذَ زوجتي، لكن قبل أن تحكموا علينا، إسمعوا قصّتي التي أصفُها بالجميلة والغريبة للغاية.

كان سامي صديقًا مقرّبًا جدًّا منّي، إذ قضَينا طفولتنا ومراهقتنا سويًّا لأنّه كان بكلّ بساطة الصبيّ الوحيد الموجود في المبنى، ووجدتُ فيه رفيقًا تحوّلَ مع الوقت إلى مثابة أخ لي. إفترقنا قليلاً حين دخَلنا الجامعة، وعُدنا والتقَينا صدفةً في مكان عمَلنا المُشترك. كان الموقف مُضحكًا وكأنّ القدر قرَّرَ أن تتلاقى حياتنا طوال عمرنا.

وكأنّ ذلك لَم يكن كافيًا، فلقد تعرّفنا إلى اللتَين كانتا ستصبحان زوجتَينا، وذلك في المكان نفسه أي في فرَح صديق مُشترك. تعرّفَ سامي إلى دنيا وأنا إلى أختها نجاح، وصرنا نخرجُ نحن الأربعة معًا ونقضي كلّ أوقاتنا مع بعضنا حتى بعد أن تزوّجنا.

كنتُ سعيدًا للغاية، هذا قبل أن تبدأ مشاكلي مع نجاح. فبالرّغم مِن تناغمنا الأوّليّ، تغيّرَت الأحوال بيننا حين صرنا نعيش تحت سقف واحد، إذ أنّ مُتطلّبات الزواج ليست هي نفسها التي نجدها في المواعدة. صارَت زوجي تنتقدُ كلّ ما أفعلُه أو أقولُه، وأنا أجدُ حديثها مُملاً واهتماماتها سخيفة. خبّأنا امتعاضنا عن بعضنا مُعتقدَين أنّ الأمور ستنحلّ مِن تلقاء نفسها مع الوقت، إذ أنّنا سمعنا مرارًا أنّ الزوجَين يتشاجران كثيرًا في المدّة الأولى مِن زواجهما إلى حين يصلان إلى نقاط تفاهم دائمة.

مِن جهته، واجَهَ سامي المشاكل نفسها مع دنيا، لكنّه، كشأني، إدّعى أنّ حياته مثاليّة كي لا يتسرّع بالحكم على زواجه بالفشل ويندَم لاحقًا. وبقينا نلتقي كلنّا ونمثّل دور السعداء والمغرومين، إلى حين بدأَت المفارقات تظهر علنًا. فكم مِن الوقت يستطيع المرء إخفاء امتعاضه مِن الآخر؟

 


جاءَت إليّ زوجة سامي شاكية مِن زوجها لي، الأمر الذي أحرجَني إلى أقصى درجة، فلَم أكن مِن الذين يتعاطون بأمور غيرهم. لَم أجد شكواها خطيرة، إذ أنّ ما تُعاني منه مع سامي لَم يكن مِن الأمور الأساسيّة بل هو تباين في الأذواق ونمط العَيش. لكن، وهي تحكي لي عمّا تُريدُه مِن زوجها، شعرتُ وكأنّها تتكلّم عنّي. بعد حديثنا، رحتُ إلى صديقي في مكتبه، وأخذتُ أنصحُه وأُعطيه تعليمات ليُنقذ زواجه ويُحافظ على دنيا التي أحبَّها مِن كلّ قلبه. إلا أنّه اعترفَ لي أنّه لَم يعد يرتاح إليها، بل صارَ يتجنّبها قدر المستطاع ليُوفّر على نفسه وعليها التأنيبات والمُلاحظات المُحرجة. لكنّه أضافَ أيضًا:

 

ـ لا أدري كيف أقولُ لكَ ذلك... فلقد لاحظتُ عدَم توافقكَ مع نجاح التي أجدُها رائعة للغاية... لا تُسيء فهمي يا صديقي، لستُ أقول إنّني أهوى زوجتكَ، بل أعتبرها المرأة التي أجدُ نفسي معها... أجل، فأنا أستمتعُ بجلساتي معها ولا أملُّ مِن الكلام معها وكأنّنا وُلدنا لبعضنا.

 

ـ ما هذا الكلام يا سامي؟!؟

 

ـ لا تغضب... لدَيّ سؤال لكَ: هل تجدُ زوجتي مملّة أو سخيفة؟

 

ـ بالعكس! إنّها سيّدة مشوّقة للغاية.

 

ـ أترى؟ وأنا متأكّد مِن أن ليس لدَيكَ أيّة نوايا خفيّة أيضًا تجاهها، فأنتَ صديق حقيقيّ ولا تجرؤ حتى في أحلامكَ الدّفينة على خيانة ثقتي بكَ.

 

ـ تمامًا ولكن...

 

ـ ماذا لو أخطأنا الإختيار؟ أعني ماذا لو كان عليّ الزواج مِن نجاح وأنتَ مِن دنيا؟

 

ـ أنتَ حتمًا تهذي يا صديقي!

 

ـ لنفكّر قليلاً بِمسار صداقتنا... فالأمر وكأنّ حياتي وحياتكَ مُرتبطتان منذ البداية ولا شيء يُمكنُه تغيير ذلك... ماذا لو في ذلك الفَرَح إختار كلّ منّا الفتاة الأخرى خطأً.

 

ـ هل تعني ما تقوله؟

 

ـ أجل فلقد فكّرتُ مليًّا بالأمر. ما رأيكَ لو نبحث قليلاً في نظّريتي؟ فكما نتذكّر، مساء ذلك الفرَح، كانت الأختان سويًّا طوال الوقت، لكن عندما تعرّفتُ إلى دنيا في مأدبة العشاء كانت لوحدها.

 

ـ وعندما تعرّفتُ إلى نجاح كانت عائدة مِن الحمّامات وعلى فستانها بقعة ماء كبيرة، وأذكرُ أنّ ذلك الأمر هو الذي دفعَني إلى التكلّم معها. وفي تلك اللحظة، لَم أكن أعلم طبعًا أنّ لها أختًا وأنّكَ ستتعرّف إليها في تلك الأثناء في الصالة.

 


ـ يعني ذلك أنّ مسألة البقعة هي التي أرسلَت نجاح إلى الحمّامات... لحظة حاسمة أثّرَت على مجرى حياتنا نحن الأربعة.

 

ـ قد تكون على حقّ ولكن ما العمَل؟ الموقف دقيق للغاية.

 

ـ سأسألكَ مرّة أخرى: هل تجد نفسكَ سعيدًا مع دنيا زوجتي؟

 

ـ أظنّ ذلك مع أنّ سؤالكَ محرجٌ للغاية يا صديقي... وأنتَ؟

 

ـ نجاح قد تكون المرأة التي تُسعدُني. لِماذا لا نسأل زوجتَينا السؤال نفسه؟

 

ـ يا إلهي! هل تُريد المزيد مِن المشاجرات؟ مِن جهتي فلقد طفَحَ كَيلي مِن العتاب والمُلاحظات المُزعجة.

 

ـ لِذا علينا إنهاء أو بالأحرى تصحيح الخطأ الذي حصل وإعادة قدَرنا إلى مجراه الحقيقيّ.

 

إتّفقتُ وسامي أن يجلس كلّ منّا مع زوجة الآخر ويجري معها حديثًا ودّيًّا ويسألها بكل صراحة السؤال نفسه: هل تكون أكثر سعادة مع صديق زوجها؟

كان جواب دنيا ونجاح تمامًا كجوابي وجواب سامي! فتلك الأختان كانتا قد تكلّمتا مع بعضهما ووجدتا أنّ خطأً فادحًا قد حصل، وألقيَتا اللوم على ذلك الرجل الذي مرّ بالقرب مِن نجاح واصطدمَ بها قالبًا كأسه على فستانها. فلولاه، لَما راحت إلى الحمّامات لتُزيل البقعة ولَما تعرّفَت إليّ، بل بقيَت الأختان جنبًا إلى جنب وأُتيحَت لجميعنا فرصة اختيار مِن يُناسبه فعلاً.

عندها اجتمعنا نحن الأربعة وكانت الأجواء مُشنّجة للغاية. فكلّ واحد منّا كان خائفًا مِن أن يُغضِب الآخر أو يُؤثّر على قراره بشكل ما. في البدء سادَ سكوتٌ ثقيل ومِن ثمّ بدأ سامي بالكلام:

 

ـ جميعنا نعلم أنّ زواجنا ليس ناجحًا مع أنّنا أناس صالحين ومحبّين... والإستمرار بهذا المنهج قد يُولّد لدَينا امتعاضًا للآخر سيتحوّل يومًا إلى كُره. مِن الجيّد أن ليس لدَينا أولاد بعد، لكن تصوّروا أنفسكم مع عائلة وغير قادرين على إنهاء زواج يُسبّب لكم التعاسة. لِذا أقترحُ اليوم وبكلّ تجرّد أن نتبادل.

 

وبالرغم مِن استمرار ذلك السكوت، شعَرنا كلّنا بارتياح عميق وكأنّنا وجدنا أخيرًا الحلّ المُناسب. وافقنا بحركة مِن رأسنا، وبعد ذلك قام سامي بتطليق دنيا وأنا بتطليق نجاح. أخذنا جميعًا فترة للتفكير بما حصل وبالذي نُريدُه، وعُدنا واجتمعنا مُجدّدًا. عندها وقفتُ بجدّية أمام دنيا وسألتُها: "هل تقبلين بي زوجًا لكِ؟". وافقَت دنيا بسرور، وقامَ سامي بالطلب نفسه مِن نجاح التي هي الأخرى إبتسمَت وقالت "نعم".

تزوّجنا سريعًا مِن دون أن نُطلع أحدًا على ما ننوي فعله تجنّبًا للإنتقادات، وأعترفُ أنّني كنتُ سعيدًا فعلاً. لكن كان هناك طبعًا خوف مِن أن نكون قد أسأنا مُجدّدًا الإختيار، فحبستُ أنفاسي لأرى كيف ستكون الحياة الزوجيّة مع دنيا.

لقد مضى على زواجنا نحن الأربعة أكثر مِن عشرين سنة ولَم أندَم يومًا على فعلتنا. تكلّمَ الناس كثيرًا عمّا جرى، لكن سرعان ما نسونا ليهتمّوا بفضائح أخرى. لم أكترِث لأحد، فلقد كنّا على حقّ، كان القدر قد أُزيحَ عن مساره لدقائق. وبعد أن تمَّت عمليّة التبادل، عادَ كلّ شيء إلى طبيعته.

لدَيّ اليوم ثلاثة أولاد ولدى سامي إثنان، وبقينا أعزّ الأصدقاء لا بل أكثر مِن ذلك، فإبني مخطوب لإبنة سامي وهما مُتحابّان كثيرًا. هل تلك العلاقة هي بالذات ما أرادَها القدَر؟ أعترفُ أنّ لولا ذلك التبادل لمَا استمرّ زواجنا ولا أثمَرَ هذه الخطوبة.

لا أدري عنكم، لكنّني أؤمِن بأنّ الله يُعطي لكلّ منّا مُهمّة لا نعرفُها مُسبقًا، ولكن يُمكننا الشعور بها غير مُباشرةً ولا يسعنا إلا القيام بها. صحيح أنّنا تدخّلنا قليلاً بذلك المسار، ولكن، قد يكون الله هو الذي ألهَمَنا لتصحيح ما كان خطأ. لن أعرف الجواب على هذا التساؤل، لكنّني أعرفُ أنّني سعيد وأنّ سعادتي لَم تكن على حساب أحد.

 

حاورته بولا جهشان

المزيد
back to top button