تأثير صديقي عليَّ كان أكبر ممّا تصوّرتُ

مشاكلي كلّها بدأت حين أردتُ إنقاذ صديق لي مِن مأزق كبير. فمِن المعلوم أنّ بين الرجال رابط قويّ عندما يكون الأمر مرتبط بأمور نسائيّة بالأخصّ إن كانت علاقات خارجة عن الزواج. وصديقي وزميلي عادل كان يُعرف بِزير نساء لا يأبه لِكونه متزوّجاً وأباً لثلاثة أولاد وظلّ يعتبر نفسه عازباً. ولكنّ زوجته بدأت تشكّ بأنّ أعذاره مختلقة ولم تعد تصدّق أيّ كلمة تخرج مِن فمه وهدّدَته مراراً بالطلاق. ولأنّها كانت ابنة تاجر معروف وسترِث يوماً ثروة أباها الطائلة كان عادل يهدّئ مِن غضبها قدر المستطاع لكي ينعم بالمال الذي ينتظره.

حاولتُ مراراً أقناعه بأن يعدل عن هذه الحياة المنحلّة ولكنّه رفض الإنصياع إليّ وتابعَ معاشرته لكل امرأة قبِلَت به خاصة الرقصات. ولكي أراقبه وأكبح قدر المستطاع شهوته القويّة أصبحتُ أرافقه إلى أماكن سهره وأجبره على العودة إلى المنزل باكراً ليتفادى الملامة. ولكنّ الزوجة كانت قد قرّرَت اللحاق به سرّاً آملة أن تجده متلبساً وتضع حدّاً لِخياناته. وهكذا انقضَّت علينا حين كنّا في حانة وبِصحبة عادل إحدى صديقاته. وأوّل شيء قال لها زوجها كان:

 

ـ لِما هذا الغضب يا حبيبتي؟ تلك الفتاة هي صديقة عمر!

 

ونظَرَت إليّ الزوجة فأسرعتُ بالقول:

 

ـ أجل... إنّها صديقتي...

 

نظرَت إليّ الزوجة باشمئزاز وقالَت:

 

ـ ولكنّها راقصة!

 

ـ وما الضرر في ذلك؟ أنا عازب ويحقّ لي أن أفعل ما أشاء...

 

ـ لا أوافق أن يعاشر زوجي رجلاً بِخلقيتكِ... إنّه إنسان محترم على خلافكَ.

 

وضحِكَ عادل وغادرَ مع زوجته قائلاً:

 

ـ أجل يا عمر... هذه الأشياء ليست مِن شيَمي! أنا آسف ولكنّني لا أستطيع أن أكمل صداقتي معكَ.

 

 

ورحلا وجلستُ لأستوعب كيف انقلبَ صديقي عليّ بعدما أنقذتُه مِن طلاق محتوم. ولكن بعد فترة عدتُ عن قراري بعد التكلّم معه وبعدما فهمتُ أنّ الرجل فعلَ ذلك لأنّه وجَدَ نفسه في مأزق كبير. فعندما اتصلَ بي بعد أسبوع على الحادثة وقال لي أنّه يريد رؤيتي لم أتخيّل أنّه يريد استعمالي مرّة أخرى بل اعتقدتُ أنّه يريد التعويض لي لِما فعلَه. ووافَيتُه في إحدى الحانات ووجدتُه جالساً مع تلك الراقصة. عندها صَرختُ له:

 


ـ ما بكَ يا رجل؟ ألم تتعلّم مّما حصلَ في المرّة الفائتة؟

 

ـ ما الذي حصل؟ كل شيء جرى بِسلاسة بِفضلِكَ... ها نحن الثلاثة جالسون حول مائدة وإن جاءَت زوجتي أو أيّ شخص آخر مِن قِبَلها فسنقول أنّ تلك الآنسة الجميلة برفقتَكَ.

 

ـ لن أقبل بهذا بعد الآن... ألا يكفي أن زوجتكَ لم تعد تردّ السلام عليّ عندما أصادفها؟ سيرَتي كانت حسنة... صحيح أنّ لدَيّ حياتي الخاصة ولكنّني أصرّ دائماً على معاشرة بنات عاديّات... لم أعاشر يوماً فنّانات!

 

ـ اهدأ واشرب بعض الكحول... هيّا يا رجل! أم أنّكَ نسيتَ صداقتنا؟

 

وبقيتُ جالساً معهما حتى آخر الليل وعدتُ إلى منزلي وأنا أسأل نفسي كيف لِعادل أن يقنعني بهذه السهولة كل مرّة. ولم أعد قادراً أن أرفض له طلباً وصرتُ أسهر معه ومع صديقاته كل مرّة حتى أن أصبحَ الأمر عاديّاً بالنسبة لي. ولكنّني لم أكن أعلم حينها أن سمعتي كانت قد تشوّهَت وأنّ الخدمة التي كنتُ أسديها لِعادل كانت ستؤثّر على حياتي العاطفيّة والمهنيّة. فما لَم أحسب حسابه هو أنّني سأتعرّف إلى فتاة حياتي وأنوي الارتباط بها جديّاً. وبالطبع لم أقل لها أنّني أقضي سهراتي في أماكن مشبوهة بِصحبة فنّانات لا لأنّني أرَدتُ الكذِب عليها بل لِسببَين: الأوّل أنّني لم أكن أفعل شيئاً مشيناً لأن عادل كان الذي يعاشر الرقاصات والثاني أنّني قرّرتُ التوقّف عن مرافقة صديقي والكفّ عن التغطية عنه. وعندما قلتُ لِعادل أنّني لن أذهب معه بعد ذلك إلى الحانات والملاهي الليليّة غَضِبَ منّي كثيراً واتهمَني بالتخلّي عنه مِن أجل فتاة غريبة:

 

ـ أهكذا تضرب بِصحبتنا عرض الحائط؟

 

ـ صداقة؟ تسميّ ذلك صداقة؟ تجلس ساعات طويلة مع صديقاتكَ بينما أبقى لوحدي انظر إلى الحائط.

 

ـ ومَن منعكَ مِن الاستمتاع؟

 

ـ أخلاقي... على كل حال عليكَ منذ الآن إيجاد مغفّلاً آخراً.

 

وعلِمتُ أنّ ذلك يعني نهاية صداقتنا ولكنّني لم آبه لأنّني كنتُ قد ملَلتُ مِن ممارسات ذلك الرجل وكل ما كان يهمّني هو أن أعيش قصّة حبّ جميلة مع إيناس حبيبتي. وبالرغم مِن أنّني كنتُ أعلم أنّ سمعة الرجل يمكن أن تشوَّه بِسبب تصرّفات غير أخلاقيّة ولكنّني لم أكن أدرك أنّ في أيّامنا هذه بات الأمر خطيراً على جميع الأصعدة. وما كنتُ أجهله أيضاً هو أنّ عادل لم يتقبَّل أن تخلّى عنه وقرّرَ أن ينتقم منّي مِن جهّة وأن يستعيدني مِن جهّة أخرى. والسبيل الأفضّل لذلك كان إلصاق كل ما كان يفعله بي أنا.

لِذا راحَ يشتكي لِزوجته بأنّني أؤثّر عليه سليبّاً وعلى عمَله وأجبره على مرافقتي إلى الحانات وقضاء السهرة معي ومع الراقصات وأنّه كان يرفض قطعيّاً مجاراتي. وغضِبَت الزوجة وقرّرَت بِفضل علاقاتها القويّة إبعادي نهائيّاً عن زوجها أي ألاّ أعود أعمل مع عادل. ووصَلت إلى مدير الشركة التي نعمل فيها بِواسطة زوجته وشرحَت لها مخاوفها. وزوجة المدير كلّمَت زوجها وتمّ استدعائي بعد أيّام. وعندما وصلتُ الشركة ودخَلتُ مكتب المدير وجدتُ عادل هناك جالساً وعلى وجهه سمات الامتنان. لم أفهم أبعاد استدعائي وجود صديقي هناك لأنّني كنتُ أقوم بِعملي على أكمل وجه.

 


فبِالطبع خلتُ أنّ هناك ترقية ما في الشركة وأنّهم اختارونا نحن الإثنَين. لِذا جلستُ بارتياح بعدما ألقَيتُ التحيّة على الرجلَين ولكنّ المدير أخبرَني دون مداراة أنّني مطرود بِسبب حياتي المنحلّة وأنّ الشركة تحرص على أن يعطي موظّفوها الصورة الحسنة عنها. وعندما طلبتُ استفساراً لهذه التهمة الخطيرة قال لي مديري أنّ الفضل يعود إلى عادل الذي أوصَلَ له خبَرَ سهراتي ومعاشرتي للرّاقصات.

عندها صرختُ بأعلى صوتي:" أنّه يكذب! هو الذي يحاوط نفسه بالفنّانات ويقضي وقته في الحانات والكاباريهات! أنا فقط أقوم بتغطيَته!" ولكنّ عادل نظَر إليّ بازدراء وأجابَ:" لا تتعب نفسكَ يا صاحبي... فلقد نبهّتُ حضرة المدير على أنّكَ ستحاول لصق التهمة بي... هل بِهذه الطريقة تكافئ أصحابكَ؟ لقد خيّبتَ أملي كثيراً".

ونظرتُ إليه بِدهشة تامة فهل يُعقل أن يكون أحد بهذا المكر؟ وفضّلتُ الانسحاب لأنّني أدركتُ أنّ الفخ كان مُحكماً وأنّني لن أستطيع تغيير شيئاً. وقصدتُ مكتبي وأخذتُ أمتعتي الخاصة وتوّجهتُ إلى قسم المحاسبة لأوقّع على الأوراق التي تقضي بِفصلي. وحين وصلتُ البيت كنتُ منهمكاً فنمتُ حتى صباح اليوم التالي. وعندما استفقتٌ تفقّدتُ هاتفي متأكّداً أنّ إيناس بعَثت لي رسائل وكانت حتماً مشغولةٍ البال عليّ. ولكنّني لم أجد شيئاً لا منها ولا مِن أحد آخر فأسرعتُ بِطلبها.

ولكن فور سماعها صوتي صَرَخَت:" إيّاكَ أن تتصل بي مجدّداً... أنتَ منحط أخلاقيّاً... أشكر ربّي أنّني اكتشفتُ حقيقتكَ قبل أن أرتبط بكَ نهائياً... عُد إلى عشيقاتكَ واتركني بِسلام!" وأقفلَت الخط بوجهي. وبالطبع علِمتُ أنّ عادل وراء كل ذلك ولكنّني لم أفهم سبب إصراره على هدم حياتي. وتركَتني إيناس وامتلكَني شعور بالظلم تحوّلَ إلى غضب شديد وكلّ ما كنتُ أريده كان الانتقام مِن عادل. لِذا ذهبتُ إلى حيث يتواجد عادة في المساء أيّ في أحد الملاهي الليّليّة. وعندما توجّهتُ إلى طاولته رأيتُه مع فتيات وشاب لم أكن أعرفه. عندها قال لي عادل:

 

ـ أهلاً بكَ يا صاحبي!

 

ـ صاحبكَ؟ أهكذا تعامل أصحابكَ؟ لقد فقدتُ بِسببكَ عملي وخطيبتي!

 

ـ انسَ الأمر يا رجل! ستجد قريباً عملاً وحبيبة أخرى وسيصبح الأمر ذكرى بعيدة... آه... نسيتُ أن أعّرفكَ إلى صديقي الجديد... لقد أخذَ مكانكَ.

 

ـ تعني بذلك أنّه كبش محرقتَك الجديد؟

 

ـ لا... إنّه صديقي ويعلم أنّ الأصدقاء يسهرون على مصالح بعضهم... اجلس واشرب كأساً... هيّا... لا تتصرّف كالأولاد... تعلم أنّني أُجبرتُ على إنقاذ نفسي... لو لم أفعل لِخسرتُ الكثير!

 

ـ ولم أخسر أنا الكثير؟

 

ـ سترى... كل شيء سيعود كما كان لبل أفضل! اجلس.

 

وجلستُ معهم وفي غضون دقائق نسيتُ ما فعلَه بي عادل وعدنا كما كنّا في السابق. كيف حصَل ذلك؟ لا أدري. ربمّا أنا ضعيف الشخصيّة وعادل يعرف كيف يستميلني إليه. ومنذ ذلك الحين بقينا سويّاً وكما قال لي لم أعد آسفاً على شيء خاصة بعدما وجدتُ وظيفة أخرى.

أمّا بالنسبة لحياتي العاطفيّة كان الأمر مختلفاً لأنّني أدركتُ أنّ ما مِن فتاة محترمة ستقبل بي وبِحياتي الصاخبة. لِذا التجأتُ إلى الفنّانات. هل أنا سعيد فعلاً؟ بالطبع لا ولكنّني أدفع كل يوم ثمن ضعفي أمام إنسان لعوب يعرف كيف يتحكّم بي.

فكّرتُ مراراً بالسفر إلى بلد بعيد وبدء حياتي مِن جديد ولكنّ الجرأة تنقصني وأنتظر بِفارغ الصبر لحظة فراري مِن السجن الذي خلَقَه عادل مِن حولي.

 

حاورته بولا جهشان

المزيد
back to top button