بقيَ زوجي يغار من أخي حتى آخر نفَس!

علاقتي بأخي كانت مثاليّة ربما بسبب فرق العمر البسيط بيننا فأنا ولدتُ سنة قبل وليد ولأنّ أطباعنا وأفكارنا متشابهة من البداية. وكبرنا نلعب وندرس سويّاً ونُخبر بعضنا كل شيء إلى حين تزوجّتُ من عُمر. لا أدري لماذا ولكن الرجلين لم يتّفقا أبداً. وليد كان يجدُ زوجي ثقيل الظل ومتعالياً وعمر كان بكل بساطة يغار من العلاقة المميّزة التي تربطني بأخي.

لذا كنت أعمل على ألا يجتمعا لتفادي التصادم وهذا الوضع كان يوثّر جداً فيّ فكنتُ أتمنّى لو وُجِدَتْ بينهما مودّة لتكتمل سعادتي.

لو بقيَتْ الأمور على حالها لكان كلُّ شيء عظيماً ولكن تدهورَ الوضع عند موت أبي وتوزيع ثروته علينا فوالدي كان غنيّاً ولكنّنا لم ننعم بماله يوماً لأنّه ترك البيت عندما كنّا صغاراً ليعيش مع إمرأة ثانية. فكبرنا بالقلّة نتّكل على مدخول بسيط لنعيش. توفيت أمّي قبل أوانها لكثرة حزنها وبِتنا ننتظر موت الذي كنّا نسمّيه "الوحش". وعندما جاء هذا النهار إكتشفنا أننا سنرث مبالغ كبيرة. وبين ليلة وضحاها أصبحتُ إمرأة غنيّة الأمر الذي فرّحَ زوجي كثيراً خاصةً أنّه كانت لديه أحلام يريد تحقيقها تمّ تأجيلها بسبب قلة المال.

ولكن وليد سبقه باللجوء إليّ بمشروع كبير نجمع فيه الثروتين وأكدَّ لي أنّ المردود سيكون هائلاً كوننا سنربح ثلاثة أضعاف المبلغ الأساسي.

وغلطتي كانت أنني سمعتُ من أخي بدلاً من زوجي ولكن من يستطيع لومي؟ فأنا إخترتُ الإنسان الذي ترعرعت معه والذي أثقُ به الأكثر. فوليد كان حالماً وليس رجل أعمال وإستثمارنا كان غير واقعي وخسرنا كل شيء بلحظة واحدة. حزنتُ كثيراً لكنني لم أغضب لأنني علمتُ أنّ أخي لم يورطني بهذا المشروع ليأخذ مالي بل لأنّه آمن به كما أنّه هو أيضاً خسرَ كل شيء.

الذي غضبَ كثيراً هو عمر زوجي فعندما حصلتُ على ميراثي إعتقدَ أنّه سيستطيع أخيراً إقامة مشاريعه والذي أثار جنونه هو أنّ الضربة جاءت من وليد بالذات الذي لم يُحبه يوماً:

 

- أخوكِ خسَّرنا كل شيء! أكرهُهُ!

 

- لماذا تتكلم بصيغة المثنّى؟ هذا مالي أنا ولستُ آسفة عليه. وأنتَ تكرهه منذ البداية لأنَكَ تغار منه. لو فهمتَ مدى تعلقّي به لكنتَ أحببتَهُ أنتَ أيضاً أو على الأقلّ لإرضائي.

 

- لا يهمنّي الأمر! ما أعرفه هو أنّكِ أعطيته المال ولم تعطني إيّاه.

 

- لأنّ هذا ميراثنا نحن الإثنين من أبينا. ما دخلكَ أنتَ؟ هل كان أبوك أيضاً لتَرِثَهُ؟

 

- أسلوب السخرية هذا لن يفيدكِ. سئمتُ من أخيكِ ومن مكانته الخاصة عندكِ.

 

ومرّت الأيّام والأشهر وإذ بوليد يُصاب بمرض خطير وبما أنّه لم يتزوّج يوماً ولم ينجب أولاداً وجدَ نفسه وحيداً ومن الطبيعي أن أسرع لأهتمّ به. لم أخف على ترك بيتي لأنّ أولادي كانوا بالغين ويستطيعون الإهتمام بأكلهم ولبسهم وزوجي راشد يمكنه تدبر أموره.

بدأتُ أتردد إلى بيت أخي للإعتناء به بإعطائه الدواء وتحضير وجبات طعامه الخاص وتنظيف ثيابه وهذا أثار إستياء عمر. بدأ يُسمعني أنّ الوضع لم يعد يطاق وأنّني أهمل عائلتي بسبب من أسماه: "الفاشل". وبدأنا نتشاجر وحاولتُ مراراً أن أفهمه أنّ وليد وحيد وبحاجة إلى رعاية. فكان جوابه دائماً:

 

- لو لم يخسر ماله ومالنا لكان جلبَ ممرّضة لتهتمّ به وتَركَنا بحالنا. وسئمتُ من سماع الشيء ذاته كل يوم فبدأتُ أنام الليل عند وليد فقط لأتجنّبَ زوجي. كنتُ سعيدة هناك أسترجع ذكرياتي عندما كنتُ أنا وأخي سوياً وقبل أن أختارَ زوجاً أنانياً وبغيضاً.

 

ونُقِلَ إلى المستشفى حيث مكثَ فترة قصيرة ومن بعدها قيل لي أنّ ليس لديه الكثير ليعيش ومن المستحسن أن يرجع إلى بيته ليقضي هناك ما تبقّى له من عمر. وفي ذات ليلة كنتُ فيها عند أخي وكانت حالته سيّئة جداً قرعَ عمر الباب بقوّة ودخلَ والشّر في عينيه.

 

- هيّا إلى المنزل!

 

نظرّتُ إليه بتعجّب فكان شكله غريباً وكأنّه إنسان آخر. قلتُ له بهدوء:

 

- ألا ترى حالته؟ بالكاد يستطيع التنفّس.

 

- لا تهمّني حالته. أريدكِ أن تذهبي معي إلى البيت وفوراً.

 

- وأتركُه يموت؟؟؟

 

- حياته ليست نافعة على كل حال.

 

عندما سمعتُه يقول هذا علمتُ أنني لن أستطيع أن أحبّه مجدّداً وقلتُ له بهدوء:

 

- ستذهب لوحدكَ إلى البيت. أنا باقية هنا طالما حالته تستلزمُ ذلك. أملي بكَ خاب ومنذ زمن بعيد... لا أدري كيف تزوجّتُ من رجل مثلكَ بلا قلب وبلا ضمير... أنتَ جشع بكل شيء... بالعاطفة والمال... لو كنتَ إنساناً رحوماً لقلتَ لي أن أجلبَ وليد إلى بيتنا وبهذه الطريقة كنتَ ربحتني وربحتَ نفسكَ... لن أتركَ أخي وإن لزمَ الأمر أعطيه حياتي. إن كنتَ لا تفهم هذا فلأنّكَ لا تحبّ أحداً. إذهب من هنا الآن!

 

- إذا خرجتُ لوحدي ستكون نهاية زواجنا.

 

- إن كان هذا سينهي زواجنا فليكن!

 

وبقيتُ مع أخي لمدّة أسبوعين حتى مات بين ذراعيَّ. أثناء مرضه تكلّمنا كثيراً عن الماضي والحاضر. شكَرني لبقائي معه رغم كل شيء وأوصاني ألا أحزن عليه كثيراً. ماتَ وليد وهو في أحضان أعزّ شخص له وهذا خفّف من أوجاعه وأراح بالي.

أمّا عمر فبعد موت أخي حاولَ مصالحتي ولكنّني لم أقبل إعتذاره. كنتُ قد رأيتُ حقيقته البشعة ولم أعد قادرة على العيش معه. إنفصلنا وهذا كان أفضل شيء حصلَ لي منذ زمن بعيد.

 

حاورتها بولا جهشان 

المزيد
back to top button