بسبب قلبي الطيّب خسرتُ سمعتي

عندما بدأتُ العمل كنادلة في مقهى ليلي، قيل لي أنني سأرى أشياء كثيرة لستُ معتادة عليها، خاصة أنني فتاة عاديّة أرتاد الجامعة لنَيل شهادة تؤمّن لي مستقبلاً مهنيّاً لامعاً. ولكنني لم أتوقّع أن أقع ضحيّة قلبي الطيّب وحبّي لمساعدة الآخرين. فبعد أقل من سنة على بدء عملي، جاء إلى المقهى رجل بصحبة إمرأة وجلسا في زاوية مظلمة. علمتُ فوراً أنّهما يريدان أن يتواريا عن الأنظار والسبب كان واضحاً: أحدهما أو الإثنين مرتبط بشخص آخر ويتواعدان سرّاً. وفي مكان كهذا، لم يكن شيئاً غريباً لذا لم أعطِ الموضوع أهميّة كبيرة. وشاء القدر أن أكون أنا المسؤولة عن طاولتهما، فركضتُ لأخذ الطلبيّة. ولكن بعد أقل من نصف ساعة، دخلَت مجموعة من الرجال يبدون وكأنّهم جاؤوا مباشرة بعد عملهم لشرب كأس من المشروب. جلسوا جميعاً على طاولة بعيدة بعض الشيء من الثنائي الذي سبقهم وإهتمّ بهم زميل لي. في البدء لم يحصل شيء، ثم شعرتُ بإنزعاج كبير على طاولة الرجل والمرأة لفتَ إنتباهي ولكنني كنتُ على وشك أن أغادر لأنّ دوامي كان قد إنتهى. فدخلتُ الحمام لأغيّر ملابس العمل وأرتدي ثيابي العاديّة، حين دخلَت المرأة وعلى وجهها علامات الهمّ الشديد. قامَت بغسل وجهها ووقفَت ويدها على قلبها. عندها سألتُها:

- هل أنتِ بخير سيّدتي؟

- لا... لستُ بخير...لن أخفي عنكِ... منذ دقائق قليلة دخلَ زوجي مع زملائه ولا أدري إن كان قد رآني... ولا أستطيع أن أغادر دون أن أمرّ من قربه... والأفظع أنّ زوجي يعرف عشيقي وقد ألقى التحيّة عليه عن بُعد وأنا متأكّدة أنّه سيأتي ويجلس على طاولتنا... لم يراني جيّداً لأنني كنتُ في الظلمة وإن لم أعد سيسأل نفسه أين رحلت تلك المرأة التي تشبه زوجته... يا للمصيبة!

- هدّئي من روعكِ سيّدتي.. لكل مشكلة حلّ...

وتابعَت غسل وجهها وندب حظّها. أسفتُ عليها كثيراً، مع أنّها كانت تخون زوجها وأنا لا أحبذّ هكذا تصرف. وبعد أن فكّرتُ قلتُ لها:

- لديّ فكرة... أنا أنهيتُ دوامي وأستطيع مساعدتكِ.

- حقّاً؟

- أجل... سآخذكِ من هنا إلى المطبخ حيث تخرجين من الباب الخلفيّ المخصّص للموظّفين والبضائع وسأذهب وأجلس مع صديقكِ إلى حين يأتي زوجكِ إلى الطاولة ويتأكدّ أنني لستُ أنتِ. ما رأيكِ؟

صرخَت المرأة من الفرح وعانقتني بقوّة لدرجة أنّها كادت أن تخنقني. ثم قدتُها إلى المطبخ وإختفَت من الباب الخلفيّ. عندها وافيتُ الرجل على طاولته وأخبرتُه بالذي جرى. شكَرني هو الآخر وطلبَ لي كأساً لم أشربه وإنتظرنا الزوج الذي أتى بعد قليل. تبادلا الرجلان بعض الأخبار وعانقني العشيق لكيّ نبدو متحابّان، ثم إستأذنَ الزوج ورجِع إلى رفاقه. وبعد حوالي عشر دقائق رحلنا أنا والرجل وإفترقنا أمام الملهى بعد أن شكرني مجدداً. كنتُ ممنونة من نفسي على ما فعلتُه لأنني أنقذتُ إمرأة من العار، رغم أنّها كانت قد إقترفَت خطأً كبيراً بخيانة زوجها ولكنني لم أكن من النوع الذي يحكم على الآخرين. لم أخبر أحداً من أهلي بما فعلتُه، خشية أن يوبّخوني وأن أفضح سرّ تلك المرأة. وطبعاً ظننتُ أن المسألة قد إنتهَت هنا ولكن بعد بضعة أيّام جاء العشيق إلى المقهى يبحث عني. عندما وجدَني قال لي:

- ما فعلتيه تلك الليلة يدلّ على قلب من ذهب... سأطلب منكِ خدمة أخيرة وأؤكّد بل أقسم لكِ أنّها ستكون الأخيرة... زوج صديقتي قرّر دعوتي إلى حفل عشاء يقيمانها لمجموعة من الأصدقاء في بيتهما و... طلب منّي أن أصطحبَ معي المرأة التي رآها معي آنذاك أي أنتِ...

- أنا؟ ولكن أنا لستُ صديقتكَ... فعلتُ ذلك لأنقذ تلك السيّدة... لا... لا أريد أن أزجّ بمشاكل عائليّة.

- مجيئكِ معي سيزيل أيّ شكّ عن علاقتي مع زوجته... أرجوكِ أن تقبلي... أخاف أن يكون قد دعاني معكِ فقط ليتأكّد أنني لا أواعد زوجته... أرجوكِ...

وقبلتُ. وفي الموعد المذكور ذهبتُ إلى ذلك العشاء ولعبتُ دور عشيقته، أضحك معه وأعانقه وكأنني أعرفه منذ زمن بعيد. كان الكل ممنوناً وسعيداً بدءاً بالزوج والزوجة، مروراً بالعشيق وباقي المعازيم حتى أن أحدهم سألنا إن كنّا ننوي الإرتباط جديّاً. عندها أجبتُ بسرعة:

- لا! نحن مكتفيين بعلاقتنا كما هي... أحبّ أن أحتفظ بحريّتي... قد أغيّر رأي عنه يوماً وأجدَ غيره"

ضحِكَ الجميع وإنتهى العشاء وعدتُ إلى البيت بعدما شكَرني الرجل بحرارة ووعدني أنني لن أراه مجدداً. وبقيَ على وعده ومع مرور الأيّام والأشهر نسيتُ الأمر كلّياً. وبعد أن كانت حياتي العاطفيّة فارغة لمدّة طويلة، تعرّفتُ أخيراً على شاب نال إعجابي وبدأنا نتواعد بإنتظام وبعد أن صارحنا بعضنا بمشاعرنا للآخر، قرّر سامي أن يربط حياته بحياتي وأنا وافقتُ بكل سرور. بقيَ لي أن أتعرّف على أهله، لأرى أي نوع من الناس هم وإذا محيطه يناسبني. فأخذني إلى بيتهم وجلستُ مع أبيه وأمّه وتبادلنا الأحاديث. أحببتهم كثيراً وشعرتُ أنّهم إهتمّوا كثيراً لأمري لكثرة سؤالاتهم. كانوا حريصين أن يأخذ إبنهم الوحيد، فتاة تناسبه وللحقيقة كنتُ واثقة من نيل إعجابهم. وإنتظرتُ تأكيداً على موافقتهم ولكن لا شيء. فبعد هذه الزيارة، لم أعد أرَ حتى سامي. إنقطعَت أخباره كليّاً. في البدء ظننتُ أنّ هاتفه قد تعطّل لأنني كنتُ أجد خطّه مقفلاً طوال الوقت، فإنتظرتُ أن يكلّمني هو من هاتف آخر ولكن هذا لم يحصل. إنشغلَ بالي كثيراً وظننتُ أنّ مكروهاً قد حصل له، لذا قصدتُ مكان عمله وطلبتُ أن أراه. ولكن قالت لي موظّفة الإستقبال بعد أن طلبَت رقم مكتبه:

- السيّد سامي مشغول جداً... لديه إجتماع... سيكلّمكِ لاحقاً.

- ولكن... هل هو بخير؟

- أجل... إنّه مشغول فقط.

ولم يتّصل بي كما وعد. هنا فهمتُ أنّه لسبب ما لا يريد أن يكلّمني أو يراني. غضبتُ كثيراً وقررتُ أن أنتظره قرب عمله في ساعة خروجه وأطلب منه تفسيراً لتصرّفه هذا. وعندما رأيتُه يخرج من باب الشركة ركضتُ إليه لأكلّمه وعندما رآني حاول الهروب مني. لحقتُه ومسكتُه من ذراعه:

- أين تظنّ نفسكَ ذاهباً؟

- لا أريد أن أكلّمكِ بعد الآن... كل شيء بيننا قد إنتهى.

- ولكن لماذا؟؟؟ ماذا فعلتُ لكِ لكي أستاهل هذا القصاص؟

- لم تفعلي لي شيئاً بل... لا أريد فتاة مثلكِ... أنا أبحث عن إمرأة رصينة وذات سمعة حسنة لتصبح زوجتي وأم أولادي وأنتِ لا تناسبيني.

- ماذا؟؟ أنا فتاة محترمة! من أين جاءتكَ هذه الفكرة عنّي؟

- من أبي... عندما زرتينا في البيت تعرّفَ عليكِ... رآكِ في إحدى السهرات عند صديق له... كنتِ برفقة رجل تقبّلينه وتعانقينه وقلتِ للجميع أنّكِ تحبّين العلاقات السهلة... لم أكن أعلم أنّكِ هكذا... لعبتِ دور الفتاة البريئة بإمتياز... تستحقّين جائزة أفضل ممثّلة...

- الأمر ليس كما تتصوّر... هناك تفسيراً لكل هذا... دعني أشرح لك!

- تشرحين لي ماذا؟ أبي متأكّد ممّا رآه وهو لا يكذب. من فضلكِ دعيني وشأني...

- ولكنني أحبّك!

- وأنا أيضاً أحبّكِ ولكن... الوداع!

ورحلَ ووقفتُ في وسط الطريق ألعن قلبي الطيّب الذي دفعَني إلى توريط نفسي. كان عليّ الإثبات لسامي أنني فتاة رصينة والحلّ كان أن أجد ذلك الرجل ليقول لخطيبي الحقيقة. سألتُ في المقهى إن كان أحداً يعرفه، فقيلَ لي أنّه لا يأتي إلا نادراً ولم يترك إسمه أو عنوانه. وإنتظرتُه لمدّة طويلة جدّاً ولكنّه لم يأتِ، ربّما ليبقى على وعده لي بأن يتركني وشأني. وفي هذه الأثناء تزوّجَ سامي من فتاة أخرى وحطّمَ قلبي. وها أنا اليوم وحيدة أعيش على أمل واحد: أن أجدَ ذلك الرجل وأثبتَ لخطيبي السابق أنني لم أكذب عليه.

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button