باعتني صديقتي والسبب...

لم أكن يوماً وحيدة كما أنني اليوم. كانت لي عائلة وكان هذا منذ زمن أصبح بعيداً اليوم. أبي وأمي لقيا حتفهما في حادث سير عندما كنت في الرابعة من عمري. أخذتني جدتي لتقوم بتربيتي ولم ألبث أن تعوّدت عليها حتى ماتت هي الأخرى. فتمّ أخذي إلى ميتم ومكثت هناك سنين طويلة.

أكنت سعيدة أم حزينة؟ لا أعلم. كانت هذه الحياة الوحيدة التي أعرفها وليس لدي حياة أخرى أقارنها بها. عندما كبرت تركت الميتم لأعيش في دار للطلبة، شقة صغيرة أتقاسمها مع سميرة، فتاة لا أراها إلا في المساء والصباح الباكر. وجدت وظيفة محترمة، مساعدة في مدرسة ابتدائية. لكن سميرة كان لها أصدقاء كثر، معظمهم من الرجال يأتون لزيارتها والبعض يبقى حتى الصباح. كنت أٌقفل باب غرفتي كي لا أزعحجهم وكي لا أسمع أصواتهم. فمما كنت أسمعه من وراء الباب، علمت أنها فتاة لا تتحلّى بأخلاق عالية. ومعظم الوقت كنت أذهب إلى عملي نصف نائمة جراء ليالي مساكنتي. ولكنني لم أقل لها شيئاً خوفاً من إزعاجها ولأن شقق للإيجار بسعر زهيد نادرة. بعد بضعة أشهر، جاءت سميرة إلى غرفتي وقالت لي: "عيد ميلادي بعد يومين وأريدك أن تأتي. أنت لا تفارقين غرفتك إلا للذهاب إلى العمل. سنمضي وقتاً ممتعاً، أعدك بذلك." ألمّت علي كثيراً، فقبلت الدعوة.
عندما دخلت إلى مكان الحف، انتابني شعور بالانزعاج. فكان هناك حشد كبير من الناس وسط جوّ مشحون بالدخان والموسيقى والمشروب. لم أعتد الذهاب إلى الحانات الليلية. لاحظت سميرة انزعاجي فأمسكت بيدي وقادتني إلى الطاولة حيث سيُقام الحفل. عرّفتني على أصدقائها وجلسنا. عندما جاء النادل ليأخذ طلباتنا، رفضت شرب الكحول خوفاً من تأثيره عليّ خاصة وأنني لست معتادة عليه. ولكنها أصرّت بشدّة فقبلت تجنّباً للتصادم معها خاصة يوم عيد ميلادها. نعم قبلت الكأس لكنني لم أشرب منه. كنت طيلة السهرة أوحي للجميع أنني أحتسيه لكنني كنت أفرغه على دفعات في حوض النبتة الكائنة ورائي. الكل كان يستمتع بوقته إلا أنا، فقرّرت الرحيل. لم تحاول سميرة أن تقنعني بالبقاء. أخذت حقيبتني وتركت المكان. وقفت طويلاً أنتظر سيارة أجرة وكدت أفقد الأمل عندما سمعت صوتاً ورائي:
- لا تمرّ سيارات الأجرة من هنا، آنستي. نظرت إلى الشاب الذي كان يخاطبني، كان جالساً على الطاولة نفسها معنا، لكننا لم نتبادل الكلام. فقلت له:
- سأذهب سيراً على الأقدام إذاً.
- لا، لا انتظري قليلاً. سآتي بالسيارة وأقلّك.
وقبل أن أعترض ذهب ركضاً إلى سيارته. صعدت معه. فبدأ يتحدث عن نفسه. لك أكن مهتمّة بحديثه لكنني كنت لطيفة معه. كل ما أردته هو أن أصل إلى بيتي ولكنه كان يقود ببطء شديد. وبدأ يسألني أسئلة غريبة: "ألا تشعرين بالنعاس؟" أو "أراك متعبة أليس كذلك؟" أو "هل أنت بخير؟" لم أفهم قصده، فلم أكن متعبة أو أشعر بالنعاس أبداً.
عندما وصلنا أمام منزلي، عرض عليّ أن يرافقني حتى باب الشقة فرفضت. قال لي: " لقد شرب الكحول، رأيتك، دعيني أوصلك حتى الباب لأطمئن عليك!"
نزلت من السيارة دون أن أجيب ودخلت المبنى. سمعت صوت سيارته وهي تبتعد. وصلت سميرة من السهرة بعد ساعات. همست اسمي من خلف باب غرفتي لترى ما إذا كنت نائمة. لم أجب رغم أنني كنت جدّ مستيقظة. أخذت سميرة هاتفها وطلبت رقماً:
- "آلو... لقد عدت... إنها نائمة... هل حصلت على مرادك؟"
- "كيف لا... لقد شربت كأسها بالكامل وأنا وضعت المنوم بيدي. هذا غير معقول! لا تخف، سنعيد المحاولة الأسبوع المقبل وهذه المرة لن تفلت من يديك وستمضي وقتاً ممتعاً معها. لا لن أعيد لك مالك، صبراً!
- لم أصدّق أذني! لقد باعتني سميرة لهذا الرجل ودسّت لي المنوّم! لم أكن أعلم أن هذا الكمّ من الشر موجود عند البشر. شكرت ربي أنني لم أشرب هذا الكأس وأن شيئاً لم يحصل لي. في اليوم التالي خرجت من البيت باكراً بحثاً عن مسكن آخر. لن أستطع المكوث مع هذه الفتاة بعد الآن. سألت الجيران وأصحاب المحلات وقصدت مختار الحيّ لأجد شقة أخرى. بحثت كل يوم حتى وجدت مرادي. وأخيراً سأترك هذا الوكر اللعين!
عندما جاء العمال لنقل أمتعتي استغربت سميرة:
- ما هذا؟ ماذا تفعلين؟
- إنني ذاهبة من هنا إلى الأبد. لا أريد أن أراك أو أكون بجوارك أبداً! حسبتك صديقتي وإذا بك حاولت الإيقاع بي وبيعي للمتعة! لا تنكري فأنا سمعتك تتكلّمين عبر الهاتف. كنت أتوقّع منك أن تحضنينني وأن تكوني بجانبي فأنا وحيدة ليس لي أحد. ولكن اتضّح لي أنه عليّ أن أحمي نفسي بنفسي وأن أكون قوية لأواجه أناس مثلك." لم تقل شيئاً، بقيت واقفة تنظر إليّ باستغراب. لم تتوقع أن فتاة مثلي ستكون أقوى منها. رحلت ذلك النهار ولم أرها مجدداً. ولكن سمعت أنها زُجّت في السجن بعد أشهر قليلة بتهمة الإتجار بالمخدرات والعارة. أما أنا، فحياتي هنيئة بعيداً عنها.
حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button