اليوم الذي إكتشفتُ أنّ لديّ أخت

عندما تزوّج أبي مرّة ثانية كان قد تركنا أمّي وأنا دون أن يُنذر أحد. ذهبَ في ذاك الصباح ولم يعد وبعد أن إعتقدنا أنّ مكروه حصلَ له جاءنا خبر من أحد يفيد أنّه مع إمرأة أخرى. عانينا كثيراً من هذه الهجرة من الناحية العاطفيّة والماديّة خاصةً أنني كنتُ مازلتُ في الثامنة من عمري.

ومرّت السنين وإعتدنا على العيش من دونه لا بل أصبحنا سعيدتين خاصةً بعد أن وجدتُ عملاً بعد تخرّجي من كليّة الهندسة وكانت ستحسّن أحوالنا الماديّة.

وفي أوّل يوم عمل علمتُ أنّ هناك موظّفة تحمل تقريباً نفس إسمي ما أثار إندهاشي فأردتُ التعرّف إليها لأنّه من النادر حصول هذا. إسمي أمال يوسف ف. بينما إسمها كان أماليا يوسف ف.

ذهبتُ إلى مكتبها وقلتُ لها وأنا أضحك:

- تصوّري... لدينا تقريباً نفس الإسم الثلاثي وكأننا أخوات! أنا أمال.

نظرَت إليَّ وقالت والإنزعاج بادٍ على وجهها:

- آه... أنتِ أمال... أهلاً...

تلبّكتُ كثيراً فلم أتوقّع هكذا ردّة فعل وإعتذرتُ على الإزعاج:

- أنا آسفة لكنني ظننتُ أنّ هذا سيضحككِ.

- يُضحكني؟ لأننا نحمل الإسم ذاته؟ قضيتُ سنين طويلة أحاول محوَ إسمكِ من رأسي!

- أنتِ تعرفينني من قبل؟

- كم أنتِ غبيّة! أنا للأسف شقيقتكِ من أبيكِ... ذلك الرجل الشهم الذي لم يقدر أن يقرّر أيّ عائلة يفضّلها على الأخرى.

- ما دمتِ تتحدثين عن الأمر ألا تعتقدين أنّه من حقّي أنا أن أنزعج منكِ؟ أبي تركنا ليذهب مع أمّكِ وبقينا لوحدنا نصارع يوميّاً للحصول على عيش كريم.

- صحيح أنّه فعل ولكن بعد أنّ ولدتُ وأسماني أماليا تذكاراً لكِ ندمَ على فعلته وعاد إلى منزله الأساسيّ أيّ إليكنّ.

- هذا ليس صحيحاً! أنا لم أسمع منه منذ ما كنتُ طفلة. لم تختلقين الأكاذيب؟ أنا لا أتذكر حتى شكله!

- أسألي والدتكِ إذاً. ذهبَ ولم يرجع وهذا كلُّ ما أعرفه.

شعرتُ أنّ تلك الفتاة كانت تقول الحقيقة فغضبُها كان واضحاً فقررتُ بكل بساطة أن أستفسر من والدتي وإنتظرتُ حتى المساء لأتحدّث معها بالموضوع.

- أمّي... أعلم أنّكِ منعتني أن أتحدّث عنه ولكن... أصحيحٌ أنّ أبي أراد العودة إلى البيت؟

- من قال لكِ هذا؟

- فتاة في العمل... تعرفُ أبي... هذا لا يهمّ... أريدُ جواباً من فضلكِ وأعدُكِ ألا أثير الموضوع ثانية.

- لن أجاوب على هذا السؤال قبل أن أعرف هويّة تلك الفتاة.

- حسناً... إنّها أختي... من المرأة الأخرى... إنّها تعمل معي في الشركة...

سكتتَ والدتي مطوّلاً وقالت:

- يا للصدف... أو أنّه القدر... لم أكن أريد أن تعلمي لكي تتابعي حياتكِ فلقد تألمتِ بسببنا بما فيه الكفاية فليس للأولاد أن يدفعوا ثمن أغلاط أهلهم. بعد أن تركنا أبوكِ ببضعة سنوات عادَ إلى البيت. كنتِ أنتِ في المدرسة وتفاجأتُ كثيراً برؤيته يقرع الباب. عاد معتذراً وبنيّته متابعة حياته معنا. علمتُ منه أنّه تزوّج وأنّه أنجب بنتاً أسماها أماليا تيمناً بكِ لأنّه لم يقدر على نسياننا. ولكنّني لم أقبل أن يعود أوّلاً لأنّنا قضينا سنيناً حتى إستطعنا جمع أنفسنا والقدوم بحياتنا وأيضاً لأنّني لم أرد أن يترك إمرأة أخرى وإبنة أخرى كما فعلَ بنا في الماضي فأقفلتُ الباب بوجهه ولم أسمع منه أو عنه منذ ذلك النهار. أعذريني حبيبتي ولكن كان هذا الخيار الأصح للجميع.

بكيتُ كثيراً بعد أن أخبرتني الحقيقة فلطالما حلمتُ بنهار يعود أبي إلى البيت ويحضنني كما كان يفعل قبل رحيله وإذ بأمّي تحرمني من تلك اللحظة السعيدة. ولكن بداخلي كنتُ أعلم أن ما فعلته كان الصواب وكان عليّ أن أخبر شقيقتي بما علمته. وفي اليوم التالي ذهبتُ إلى مكتبها:

- أماليا... سألتُ أمّي... وأخبرتني كل شيء... أرجوكِ لا تقاطعيني بل إسمعي ما سأقوله لكِ.

ورويتُ لها كلَ ما أعرفه. سكتَت ورأيتُ الدموع تنهال على خديّها ثم قالت لي:

- أشكركِ... لأنّني كل هذه السنين ظننتُ أنّه يعيش بوسطكما وتنعمين بحنان الأب... بينما في الحقيقة وضعكِ كان مماثلاً لوضعي... كم كرهتكِ... كم كرهتُ تلك الشقيقة التي لم ولن أعرفها والتي سرقَت أبي منّي...

- أنا قضيتُ طفولتي أحلمُ بشقيقة... بالرغم من أنّني لم أكن على علم بوجودكِ تمنّيتُ أن تكوني معي... أخت ألعب معها وأخبرها أسراري وأذهب معها للتسّوق ونقوم بكل شيء سويّاً... هل تعتقدين أنّ بوسعنا أن... أعني إذا فكّرتي في الأمر فأنا لم أؤذيكِ يوماً.

- وأنا لم أفعل شيء يضرّكِ...

وركضتُ إليها وضميّتها إلى صدري وبقينا هكذا مطولاً. ثم قالت لي:

- أين تظنين هو... أقصد أبي... أبانا؟

- لا يهمّ أين هو فكلينا عشنا من دونه حتى الآن... يكون على الأرجح قد تزوّج لثالث مرّة وأنجبَ بنتاً وأسماها... إيميلي!

ضحِكنا سويّاً وعلمتُ حينها أنّنا تغلبنا على هذا الوحش الذي خرّبَ حياتنا.

بعد أيّام أخذتُ أماليا لتتعرّف إلى أمّي التي إستقبلتها بذراع مفتوحة ثم ذهبتُ إلى بيت زوجة أبي لأراها. وهي أيضاً عاملتني بلطف.

ومنذ ذلك الحين أصبحنا كالعائلة الواحدة.

وفي أحد الأيام جاءت أمّي وقالت لي:

- أمال... وصلني خبر أنّ أباكِ...

- لا تكملي! لا أريد أن أعرف! لا يهمّني إذا تزوّج أم سافر أو حتى إذا مات! أنظري إلينا كيف أنّ جميعنا سعداء. لن أدعه يعكّر حياتنا من جديد.

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button