الغيرة دفعتني لتدمير حياته...

لا أدري إن كان الدافع وراء ما فعلته هو الغيرة أم الملل العميق أم حبّي لللإمتلاك ولكن ما أستطيع قوله اليوم أنني قصدتُ أذيّة أناس ذنبهم الوحيد أنّهم كانوا سعداء. هل كنتُ شريرة؟ نعم. هل أنا آسفة لِمَ فعلته؟ نعم.

بدأت القصّة عندما كنتُ جالسة ذاك مساء أمام حاسوبي أقلّب صفحات أصدقائي على فيسبوك. كان زوجي كعادته مسافراً وحتى لو كان هنا لكان في غرفة أخرى يقرأ أو يشاهد التلفاز. لم يكن زواجي ناجحاً لأنني إخترتُ شريكي لمكانته الإجتماعيّة ولثراءه وليس حبّاً به. كنتُ أقضي وقتي في المقاهي مع صديقاتي أو أتسوّق أو أشارك في حفلات خيريّة. ففي تلك الليلة وقعتُ صدفةً على صفحة كريم، شاب أحبّني كثيراً كنتُ أواعده قبل زواجي وكنتُ قد وضعتُ حدّاً لعلاقتي معه لأنه كان فقيراً وكنتُ قد مللتُ منه. على صفحته الرئيسيّة صورة واحدة يوم زفافه. وعندما نظرتُ جيّدا إلى زوجته لاحظتُ أنّها نسخة مشوّهة عنّي. يا لسخرية القدر، لشدّة حبّه لي إستبدلني بأخرى أقلّ منّي جمالاً. ضحكتُ كثيراً وكدتُ أن أنسى الموضوع لولا هذه البسمة المرسومة على وجهه. بأي حقّ يبتسمُ وهو يضمّ هذه القبيحة إلى صدره؟ كيف إستطاع أن يكون سعيداً من دوني مع أنّه ملكي إلى الأبد؟ والأهم، لِمَ أنا لستُ سعيدة بالرغم من جمالي وحياتي الإجتماعيّة المليئة بالأصديقاء والمال؟

نظرتُ إلى الصورة وقلتُ لنفسي:" لنلهوَ قليلاً".

و بعثتُ فوراً له رسالة تقول:" وجدتُ صفحتكَ صدفةً وأرى أنّك سعيد مع زوجتكَ. هنيئاً لك لأنّك إستطعتَ نسيان قصّتنا... أنا لم أقدر على هذا... كنتَ ولا تزال حبّ حياتي حتى بعدما تزوّجتُ. أرجو منكَ أن تقبل على الأقلّ إضافتي على قائمة أصدقائكَ".

ثم خلدتُ الى النوم واثقة تماماً من وقع كلماتي عليه.

 


وفي الصباح الباكر فتحتُ الفيسبوك لأجد ردّه على رسالتي: "إنتظرتُ عودتكِ لسنين... تفاجئينني الآن بقولكِ أنني حبّ حياتكِ ولكن فات الأوان فكلينا متزوّجان. ما أخباركِ؟ سأعتذر عن إضافتكِ على صفحتي للأنني نادراً ما أستعملها".

رغم جفاف ردّه كنتُ متأكّدة أنّه سيقع في أشباكي فمن يعرفه أكثر منّي؟ إنتظرتُ يومين قبل أن أرسل له هذه السطور:"أخباري؟ لا شيء يُذكر... زواج فاشل... بحثُتُ عنكَ في كل رجل ألتقيته حتى أنّ شريك حياتي يشبهك كثيراً... كنتُ آمل أن أستعيدَ ولو قليلاً مما كنّا نملكه سويّاً... لم أكن أعرف قيمتك آنذاك... لا أريد شفقتكَ، لا أريد شيئاً منكَ فأنا سعيدة أنّك إستطعتَ نسيان حبّنا ووجدتَ شخصاً يملىء حياتكَ". وبعثتُ له رقم هاتفي. فأجابني بعد لحظات: "يا ليتني علمتُ بمشاعركِ من قبل فاليوم قد طويتُ صفحتنا بسلام. كل ما أستطيع أن أقدّمه لكِ هو صداقتي وإحترامي الشديد لكَ".

لم يتّصل بي على هاتفي فبقينا نتراسل عبر بريد الفيسبوك وظلّ رسميّاً معي لا يتكلّم إلا بالعموميّات فقررتُ أن أثقل العيار بدعوته لملاقاتي في مقهى تحت حجّة أنني أريد استشارته كونه يعمل في مجال التأمين مضيفةً: "لا تخف فلن التهمك".

وطبعاَ أرتديتُ للمناسبة فستاناً يظهر مفاتني لكي لا يفلتُ منّي.

ولكن عندما إلتقينا ونظرتُ في عينيه وجدتُ فيهما البرودةً بدلاً من حرارة الحبّ والشوق. لم يعد يحبّنيً. وفي تلك اللحظة ولشدّة غضبي وإحساسي بالإهانة قررتُ أن أدمّر حياته.

وفور عودتي إلى البيت بعثتُ بطلب صداقة لزوجته آملةً أن تكون ساذجة كفاية لأن تقبل دعوة من شخص لا تعرفه. لم يخب ظنّي ومع الأيّام أصبحتُ على علم بكل تحرّكاتهما. وهكذا علمتُ أنّ كريم سافرَ إلى بريطانيا لنيلِ جائزة أفضل موظّف. فقد أنزلَت زوجته ألبوماً تحت عنوان: "أنا فخورة بك يا حبيبي" نراه في الفندق والأماكن السياحيّة التي زارها وعرفتُ حتى ماذا أكل وأين تسوّق.

 


ثم خلقتُ حساباً جديداً على الفيسبوك مع معلومات وهميّة وصوراً سرقتها من حساب فتاة أجنبّية ذات ملامح شرقيّة وبعثتُ لزوجته رسالة تقول: "مرحباً سيّدتي... لا أعلم من أين أبدأ... منذ فترة وأنا على علاقة مع زوجكِ كريم ج. وأكتب لكِ لكي تعلمي كم هو حقير لأنّه غشّ كلينا. فبعدما أن أخذني معه إلى لندن ومكثنا في فندق وتسوّقنا في شارع بوند الشهير أخبرني أنّه سيضع حدّاً لعلاقتنا لأنّه إلتقى بفتاة أخرى. أنا آسفة جدّاً لإخباركِ كل هذا ولكن كان لا بدّ أن تكتشفي حقيقة زوجكِ. لستُ أوّل عشيقة له و كوني أكيدة أنني لن أكون الأخيرة".

وبعد أن نفّذتُ خطّتي الإنتقاميّة لم يتبّقى لي سوى أن أجلس وأتمتّع بانهيار زواج الذي تجرّأ أن ينساني. ولكن لم أتوقّع ولو للحظة ما حصل بعد ذلك.

في اليوم التالي وصلني ردّها: "سيّدتي... أشكركِ على إنشغالكِ في سير علاقتي الزوجيّة ولكن هناك نقطة عليكِ توضيحها لي: كيف أمكنكِ أن تكوني مع كريم في لندن وأنا برفقته؟ إن كنتِ معنا في غرفة الفندق وبشوارع المدينة فلا بدّ أنّكِ تملكين قبّعة الإخفاء. عند قراءة رسالتكِ سألتُ نفسي من أين جئتِ بتلك المعلومات فتذكّرتُ أنني وضعتُ صوراً لزوجي منفرداً على الفيسبوك لأنني أوّلاً أردتُ أن أركّز على إنجاز كريم وثانياً لأنني في تلك الرحلة كنتُ مصابة بطفرة جلديّة ولم أرد أن أظهر علناً بهذا الشكل. ثم سألتُ نفسي من تكوني ولما تفعلين ذلك وكيف رأيتِ الألبوم مع أنّكِ لستِ على قائمة أصدقائي وتذكّرتُ أنني أضفتُ إليها مؤخّراً شخص لا أعرفه.
فبعد أن أريتُ زوجي رسالتكِ وصورتكِ تعرّف فوراً عليكِ. هنا فهمتُ السبب. فيا سيّدتي المحترمة، كل خطتكِ ذهبت سدىً ولن تقدري على تخريب زواجنا. إعلمي أنني لا أكرهكِ بل أشفق عليكِ لأنّه من الواضح أنّكِ إنسانة تعيسة جدّاً تفتقد للحنان ولاتتحمّل سعادة الآخرين".

لزمني بضعة دقائق لأستوعب ما حصل فلم أتصوّر للحظة أن تغلبني إمرأة أخرى وأن يكون كريم بهذه النزاهة. طيلة حياتي إعتقدتُ أنّ كل الرجال خونة وغشّاشين وأنّ النساء ضحيّاتهم. أدركتُ حينها أنني أمضيتُ عمري أحمي نفسي من أذى ربّما لا وجود له مفوّتةً على نفسي فرصاً عديدة لأكون أنا أيضاً سعيدة.

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button