السروال الأحمر (الجزء الثاني)

كيف لِملفّي أن يختفي هكذا مِن على مكتب مُديري؟ لا بدّ أن يكون لِتامر دخل في الموضوع، فهو الوحيد الذي له مصلحة في إبعادي عن الشركة للتغطية عمّا يدورُ في حياته، حتى لو اقتضى الأمر التسبّب لي بالطرد. وعَدتُ مُديري أن أُقدِّمَ له نسخة أخرى عن الملفّ وبأقرَب وقت لكنّه قال لي:

 

ـ لو كنتُ مكانكَ لراجعتُ أدائي جيّدًا لأنّكَ قريب جدًّا مِن الطرد. أنتَ لستَ موظّفًا بارعًا على الاطلاق، ربمّا لأنّكَ تُعيرُ أهمّيّة كبيرة للنساء. نعَم، أعرِفُ أشياء كثيرة عن مُغامراتكَ، فلا شيء يبقى سرًّا مُطوّلاً.

 

ـ لا دَخل لحياتي الخاصّة بأدائي في الشركة، أؤكّد لكَ ذلك، سيٌدي. وأعدُكَ بأنّني سأكونُ على قدر المسؤوليّة... أعطِني فرصة أُخرى، فأنا بحاجة إلى عمَلي، خاصّة أنّني أمرُّ بأوقات صعبة على كلّ الأصعِدة. أمّا بالنسبة للأخبار التي سمِعتَها عنّي، فأنا ضحيّة مكيدة بشعة وأنوي إثبات براءتي في أقرَب وقت.

 

ـ عُد إلى عملكَ الآن ولا تُزعجني بأخباركَ البشعة. فهنا مكان للعمَل وليس للرومانسيّة والعلاقات. إحترِس لنفسكَ جيّدًا، فأنا لكَ بالمرصاد.

 

حديث المُدير أثارَ الخوف في قلبي، فكان مِن الواضح أنّ سمعتي في الشركة سيّئة للغاية بسبب أفعال تامِر وثرثرته. يا إلهي... لماذا يحصلُ كلّ ذلك لي بالتحديد؟ التوقيت لَم يكن مُناسبًا على الاطلاق، فكما ذكرتُ سابقًا، لَم أُصدِّق كَم أنّني محظوظ لأنّ زوجتي سامحَتني في ما يخصّ خيانتي لها مع تلك المرأة التي لَم ألتقِ بها سوى مرّات قليلة. أعرِفُ أنّ ذلك كان كافيًا ليُعَدّ خيانة زوجيّة، لكنّني فعلتُ ذلك مِن دون أن أحسب حساب العواقِب، خاصّة أنّني لَم أتبادَل وعشيقتي معلومات شخصيّة، بل إكتفَينا بالأسماء الأولى وأرقام الهاتف. إلا أنّ القدَر شاءَ أن ترى أمال أحاديثنا، وتعرف أنّني رحتُ أخونُها في فندق بعيد، لأعودَ إليها وكأنّ شيئاً لم يحصَل. وحين وعدتُ زوجتي بقطع علاقتي بتلك المرأة، كنتُ جادًّا للغاية ولَم أحنث بوعدي منذ ذلك الحين.

بعد ذلك، كان عليّ إسترجاع زوجتي وبيتي واحترام مُديري لي، مُهمّات كثيرة لكن ضروريّة إن كنتُ لا أُريدُ أن أخسَر كلّ شيء في آن واحد. رحتُ إلى تلك الزميلة التي عرضَت عليّ مُساعدتي، وأخبرتُها عن الملفّ الذي اختفى عن مكتب المُدير. هي استاءَت كثيرًا وسألَتني إن كنتُ أعتقِد أنّ لِتامر دخلًا بذلك، فإجبتُها بأنّه الوحيد الذي له مصلحة بالتخلّص منّي بعدما علِمتُ أنّ له عشيقة. فلَم أُقتنِع بأنّ زوجته ضعيفة الشخصيّة وأنّها تُصدّق كلّ ما يرويه لها، فلقد رأيتُ الخوف في عَينَيه حين قصدتُ داره. ساعدَتني زميلتي على جَمع ملفّ جديد، وقدّمتُه للمُدير بِيَدي قبل انتهاء الدوام. هو بالكاد نظَرَ إليّ إلا أنّه أعطاني ملفاً جديداً قائلاً: "لا تُخفِق بهذا الملّف لأنّه قد يُكلّفكَ وظيفتكَ".

حاولتُ الاتصال بأمال إلا أنّها لَم تُجِب، وخفتُ أن أدقّ باب بيتنا فهي قد تُحدِث فضيحة أنا بِغنى عنها، على الأقلّ في الوقت الحاضر. ماذا لو رحتُ إلى زوجة تامِر وأخبرتُها الحقيقة؟ أعلَم أنّ ذلك ليس عمَلاً جيّدًا، أعني أن أُسبِّب لها التعاسة، لكن أليس ذلك ما فعلَه زميلي بي؟ للحقيقة كنتُ غاضبًا لأقصى درجة فلَم أُفكِّر بالعواقب جيّدًا.

 

فتحَت لي الزوجة حين قرعتُ بابها في اليوم التالي، بعدما إستفَدتُ مِن إستراحة الظهيرة في الشركة وبعدما تأكّدتُ مِن أنّ تامِر وراء مكتبه. هي سألَتني مَن أكون، فقلتُ لها إنّ زوجها أقحمَني في ورطة كبيرة حين أخَذَ سيّارتي ومارَسَ الفحشاء فيها تاركًا وعشيقته سروالاً داخليًّا فيها. سألَتني الزوجة في أيّ يوم حصَلَ ذلك بالتحديد وأضافَت:

 

- لا أدري سيّدي ما هو دافعُكَ لِخلق مشاكل كبيرة في زواجنا، إلا أنّ سيّارة زوجي لَم تتعطَّل وهو كان في مقرّ عمله طوال اليوم. ففي ذلك النهار بالذات كنتُ وإبننا في المشفى بعد وقوع حادث له، ولَم ينفكّ تامِر بالاتّصال بي مِن خطّ الشركة للاطمئنان على ولَدنا. وأنا الأخرى إتّصلتُ به مرارًا لأُطلِعه على المُستجدّات وحلّ مُشكلة مع شركة التأمين. أنصحُك بالرحيل على الفور مِن هنا وإلا طلبتُ الشرطة!

 

لَم أُصدّقها طبعًا، فهي حتمًا قد قالَت ذلك للتغطية على زوجها بعد أن غسلَ دماغها بأكاذيبه. عُدتُ إلى عمَلي مُحبطًا، فكان الأمر وكأنّ الجميع يتواطأ عليّ!

أخبَرتُ زميلتي عمّا دارَ مع زوجة تامِر، وسألتُها مُجدّدًا إن كانت أكيدة مِن أنّ تامر لَم يكن موجودًا في الشركة كي يكون لي إثبات قويًّا ضدّه. وهي أجابَت:

 

- ما أنا مُتأكّدة منه، هو أنّني لَم أجدِه في مكتبه حين احتَجتُ له، ولا يسعُني قول أكثر مِن ذلك.

 

كِدتُ أن أُجَنّ، فالمُعطيات والمُستجدّات كانت تتناقَض الواحدة تلوَ الأخرى، ولَم أعُد أعلَم إن كنتُ واثقًا مِن الذي حدَثَ فعلاً. لكنّني تماسكتُ وتابعتُ عمَلي وبحثي عن أيّ دليل يُنقذُ زواجي ووظيفتي.

بعد ذلك، بدأَت الملفّات تقَع على عاتقي، وكأنّ المُدير يُريدُ إرهاقي أو حمَلي على التقصير في عمَلي. إلا أنّني إستطعتُ، بصعوبة، تلبية كلّ ما طُلِبَ منّي. لكنّني أُصِبتُ بالارهاق وأخذتُ إجازة قصيرة لرؤية طبيب والاستراحة مِن ضغط العمَل. لكن في تلك الفترة بالذات، خابرَتني زميلتي قائلة:

 

ـ إسمَع... لقد علِمتُ شيئًا بالصدفة... تامِر لَم يُغادِر الشركة في ذلك اليوم بل مكَثَ في مكتب آخَر، المكتب الذي بجانِب قسم الملفّات.

 

ـ لستُ أفهَم.

 

ـ دارَ حديث بيني وبين إحدى الموظّفات، وهي قالَت لي إنّ تامِر غيّرَ مكتبه ليوم واحد وتبادَل المُكالمات مع زوجته طوال النهار بشأن إبنه الذي وقَعَ ضحيّة حادث.

 

ـ إذًا كانت زوجته تقولُ الحقيقة. ويعني ذلك أنّ تامِر أخَذَ مفاتيح سيّارتي، ليس للقاء عشيقة ما بل فقط لِدَسّ السروال في المركبة! لكن لماذا يفعلُ ذلك؟!؟ يا إلهي، سينفجرُ رأسي!

 

ـ هل أنتَ مُتأكّد مِن أنّ لِتامر دخلاً بذلك السروال؟

 

ـ أجل! أجل! لا تُحاولي حَملي على الشكّ في نفسي! لَم أخُن زوجتي، أقسمُ لكِ! صحيح أنّني خنتُها مِن قَبل، لكن تلك العلاقة كانت قصيرة ولا تعني لي شيئًا. إلتقَيتُ بتلك المرأة صدفة، ووُلِدَ إعجاب مُفاجئ بيننا وتبادَلنا أرقام الهاتف والتقَينا في مكان هادئ مرّات قليلة. ولقد حافَظنا على سرّيّة حياتنا شخصيّة لأنّها مُغامرة عابرة وكلانا مُتزوّجان. ولَم أرَها بعد ذلك، فأنا لا أعرفُ إسمها بالكامل أو عنوان سكنها أو أيّ شيء آخَر. وأؤكِّد لكِ أنّني لَم أبحَث عن عشيقة أخرى بعدما واجهَتني أمال وأقنعتُها بمُسامحتي، فهي ثمينة للغاية بالنسبة لي ولا أُريدُ أن أخسرَها. والآن جاءَ ذلك اللعين ليُدمِّر حياتي!

 

ـ هل هناك مِن مشاكل شخصيّة مع تامِر؟

 

ـ على الإطلاق! وليس هناك حتّى مِن مُنافسة بيننا إذ أنّ مهامنا مُختلِف في الشركة.

 

ـ أمرٌ عجيب بالفعل.

 

حين عدتُ إلى العمَل بعد إنتهاء الاجازة، طلبَني المُدير إلى مكتبه ورأيتُ الغضب على وجهه. وبعد أن بقيتُ واقفًا لدقائق أمامه، هو قال:

 

ـ لقد أسندتُ إليكَ ملفّات عديدة وهامّة وتأخذُ إجازة؟

 

ـ أنا تعِب للغاية يا سيّدي مِن كثرة المشاكل... لكنّني أقومُ بعمَلي على أكمَل وجه.

 

ـ هذا ليس صحيحًا... فالملفّات ناقصة ويبدو أنّكَ لستَ موظّفًا مُنتِجًا، فهذه المرّة الثانية التي تخفقُ بها... سنتخلّى عن خدماتكَ.

 

ـ ماذا؟!؟ لا تفعل ذلك أرجوكَ سيّدي، فلَم أعُد أحتمِل ما يحصل لي. ها أنا أخسرُ كلّ شيء في آن واحد! أرجوكَ!

 

ـ لقد أخذتُ قراري.

 

وقَبل أن أخرُج مِن مكتب المُدير هو قال لي:

 

ـ على فكرة، نوال تبعثُ لكَ سلاماتها... نوال زوجتي... أجل، هي نفسها التي عاشَرتَها مِن وراء ظهري. أتمنّى لكَ زواجًا سعيدًا... مهلاً، ألَم تترُككَ زوجتكَ بسبب سروال أحمَر؟ أمرٌ مؤسف للغاية... وها أنتَ مِن دون عمَل الآن... هذا ما يحصل حين يلعَب المرء بالنار، أجل، يحرقُ نفسه. هيّا، أخرُج مِن شركتي!

 

وقفتُ خارج مكتب المُدير مذهولاً... عشيقتي السابقة تكون زوجة المُدير؟!؟ يا إلهي... صدفة غريبة وخطيرة! كيف لي أن أعرِف مَن تكون؟ بدأتُ أُحلِّل وأُحلِّل، وفهمتُ أنّ مُديري إكتشفَ الحقيقة وقرَّرَ تدمير زواجي بُمساعدة تامِر. بماذا وعدَه، لستُ أدري، أو أنّه هدّده؟ وماذا لو لَم تأخذ أمال سيّارتي في تلك الليلة وتكتشِف السروال؟ كان المُدير وشريكه سيُحاولان حتمًا إيجاد مكيدة أخرى. ومسألة الملفّ الضائع والضغط المُستمِرّ، كلّها أمور هدفها إرهاقي وإرباكي وتخويفي... وتدميري!

قصدتُ قسم المُحاسبة وأخذتُ حقّي وغادرتُ مكسورًا، عالِمًا تمام العلِم أنّني خسِرتُ كلّ شيء: زواجي وعمَلي وسُمعتي. فكنتُ على يقين أنّ أمال لن تُسامحني على الاطلاق، فليس لدَيّ أيّ دليل على براءتي.

طلبَت زوجتي الطلاق ولَم أقِف في دربها، فما النَفع في ذلك؟ عدتُ إلى بيت أهلي مُنحني الرأس وبحثتُ عن عمَل آخَر. لَم أرَ زوجتي منذ ذلك الحين، لكنّني علِمتُ أنّها على وشك الارتباط مِن جديد.

مِن ناحية أستحقُّ ما حصَلَ لي، فلقد خنتُ زوجتي مِن دون سبب وجيه، بل فقط للتسلية. لكن ألا أستحِقّ فرصة ثانية؟ لقد شاءَت الظروف أنّني عاشرتُ زوجة رجُل لدَيه النفوذ الكافي لتدميري. كَم أنّ حظّي سيّئ!!!

 

حاورته بولا جهشان

المزيد
back to top button