الجزء الثاني: ما بين حبيبي وشقيقته، لا يصدّقه عقل!

عقلي لم يشأ استيعاب ما قالته الخالة أسمى. لا، لا يُعقل أن يكون هذا صحيحاً. فهي عجوز ولا بدّ أنها فقدت عقلها وباتت تتصوّر أشياء لا أساس لها من الصحة. بعد لحظات قلت لها:

- "حسناً، أصبحتُ على علم بالأمر. سأذهب الآن، ارتاحي بعض الشيء فأنت متعبة."
- "أنت لا تصدّقينني... سيأتي يوم وتتأكّدين بنفسك، فهولاء الاثنين لا يستطيعان العيش دون بعضهما ودون علاقة جنسية. فهما مدمنان الواحد على الآخر."

اقشعرّ بدني وأردت أن أجعلها تكفّ عن الإساءة إلى حبيبي منير. لكنني فضّلت الرحيل. ذهبت إلى المنزل واختبأت في غرفتي أبكي من شدّة حزني. لماذا الناس هكذا؟ لماذا يضمرون لي الأذى؟
لم أقل شيئاً لوالديّ خوفاً من أن يتجافوا مع الخالة أسمى. ورغم أنني لم أصدّق كلامها البتة، رافقني الإحساس بالانزعاج لأيام عدة، وعندما قابلت منير قلت له:
- "لماذا لا أرى سناء أبداً؟ ألا تحبّني؟ أرغب بالتعرّف إليها والتقرّب منها أكثر وأتمنى أن نصبح صديقتين."
- "أتمنى هذا من كل قلبي."
- "وأودّ أن أزوركم في البيت، أن أرى أين تعيشان، أن أرى غرفتك وأمتعتك؟ ما رأيك بيوم غد؟"
- "غداً؟ لست أدري... سأسأل سناء ما إذا كانت مشغولة."
- "سآتي لزيارتكم غداً كانت سناء في البيت أم لم تكن."

قلت هذه الكلمات بحزم فلم يجرؤ على الرفض. ولمَ يرفض؟ على العكس يجب أن يفرح أن تأتي حبيبته لزيارته في منزله. وكما توقّعت، لم تكن سناء في المنزل لاستقبالي فتأكّدت أنها لا تحبّني، وما هو أسوأ من ذلك، أنها لا تحترمني. اعتذر عنها كثيراً وبدا محرجاً كون منزله كان صغيراً.
- "كنا نعيش في منزل كبير عندما كنا صغار في السن، لكن بعد موت أبي وأمي اضطررنا لبيعه كي نعيش. والآن لدينا هذه الشقة الصغيرة، فهي كافية لي ولأختي." 
- "أنا لا أبالي يا حبيبي."

جلسنا على الأريكة واحتسينا القهوة، فقلت له بعد قليل:
- "ما هذه الغرفة هناك؟"
- "غرفة النوم."
- "غرفة نوم من؟"

وقبل أن يعطيني جواباً، توجّهت نحو الغرفة وفتحت الباب. كان هناك سرير كبير وسط الغرفة مع شراشف حريرية وخزانة كبيرة. وقف ورائي وقال:
- "غرفة نوم سناء."
- "وأين غرفة نومك؟"
- "ليس هناك من غرفة نوم أخرى. قلت لك البيت صغير."
- "وأين تنام؟؟؟"
- "على الأريكة في الصالون."

ساد الصمت للحظات طويلة وبدأت أفكار سوداء تراودني وكلمات الخالة أسمى تجول في عقلي. لكنني رفضت مجدداً تصديق تلك السخافات. قال لي أن البيت صغير وأنه ينام في الصالون، وهذا معقول جداً.

رحلت بعدها. مرّت الأيام حين صادفت سناء في السوبرماركت، جريت نحوها وبسمة عريضة تعتلي وجهي. أصرّيت أن أتحدث إليها ولو لمرّة لتعرف أنني فتاة طيّبة ومحبّة، علّها تشعر الشيء نفسه تجاهي. فقلت لها:
- "مرحباً سناء."
فلم تردّ علي وكأنها لم ترني أو تسمعني.
- "مرحباً سناء!"
- "هذا أنتِ! مرحباً!" وأكمَلت طريقها. لحقت بها.
- "اشتقت إليك كثيراً. أسأل دائماً منير عنك."
- "أما زلتما معاً؟"
- "أجل... أراه يومياً... ألم يخبرك بالأمر؟"
- "لا بدّ من أنك مسلية كثيراً حتى أبقاك برفقته حتى الآن لكن لا تظني أنك ستكونين أفضل من غيرك من النساء!"

صُدمت لسماعي هذا الكلام، فأجبتها:
- "منير يحبّني كثيراً وأظنّ أننا سنبقى معاً ونبني عائلة سوياً."

ضحكت سناء بصوتٍ عالٍ حتى أن زبائن المحل نظروا إليها.
- "يا مسكينة. منير لا يحب إلا امرأة واحدة ... هي أنا. أنا التي أعطته الحنان والاهتمام. إنه لي، لطالما كان وسيبقى لي. أسمح له أن يلهو من وقت لآخر مع فتيات أمثالك لكنه يعود دائماً إلى أحضاني. لستِ مختلفة عن الأخريات."

أدارت ظهرها لترحل لكنني أمسكتها بذراعها وصرخت في وجهها:
- "ما قصدك؟ ما الذي يجري بينكما؟ تكلّمي! من حقّي أن أعلم!"
- "ليس لك أيّ حقّ عليّ أو على منير. وإن كنت لم تفهمي بعد، ما عليك سوى أن تسأليه هو. لا أريد أن أراك مجدداً، أفهمتِ؟!"

ورحلت وأنا ما زلت واقفة أحاول استيعاب ما حدث...

تابعي الجزء الثالث والأخير من هذه القصّة غداً، هنا في فقرة "هذه قصّتي".

المزيد
back to top button