الجزء الثالث: ما بين حبيبي وشقيقته، لا يصدّقه عقل!

بقيت أمشي في الشوارع طوال الليل. لم أكن أريد أن أرجع إلى البيت. ما قالته لي سناء كان أفظع من أن يُروى لأحد. أيُعقل أنها قصدت أنها تقيم علاقات حميمة مع أخيها فعلاً، أو أن ما نطقت به هو فقط لإغاظتي وإبعاده عني.

وصلت أخيراً إلى البيت وحبست نفسي في غرفتي حتى الصباح. عندما خرجت كنت قد أخذت قراراً بمواجهة حبيبي وأصرّ أن يقول لي الحقيقة مهما كلّف الأمر. فهو مدين لي بهذا. اتصلت به محاولةً أن أبدو مرتاحة وقلت له أنني سأمرّ لزيارته في البيت عند المساء. حاول التهرّب مني واقترح أن نلتقي في مقهى لكنني رفضت. قلت له أنه موضوع هام يتعلّق بعملي، وأنني أواجه مشاكل جمّة وأرغب بطلب النصيحة، وأن هذا الحديث لا يمكن أن نجريه في مكان عام. أخيراً أقنعته.

- "لكن لا أظن أن سناء ستكون في البيت هذا المساء."
- "لا أبالي حبيبي، فأنا أريد أن أكلّمك وحدك أنت."

مرّ النهار وأنا أفكر بما عليّ أن أقول له وبكيفيّة القيام بذلك. إذا كانت سناء كاذبة، فمن المؤكد أنه سيغضب مني كثيراً لأنني أسأت الفهم وسأبدو وكأنني صاحبة عقل مريض وشاذ. لم أرد أن آكل أو أن أشرب أيّ شيء طوال النهار. لم أكلّم أحد، حتى أهلي. حان الوقت لأذهب لمنير. دخلت شقته وأنا أرتجف. تبادلنا قبلة وجلسنا على الأريكة.

- "قولي لي، ماذا حدث في مكان عملك؟ أتمنى أن أستطيع تقديم المساعدة."
- "حبيبي، لقد كذبت عليك... ليس هذا ما أريد أن أحدّثك بشأنه والسبب هو أن الموضوع دقيق بعض الشيء. لقد التقيت بسناء البارحة في السوبرماركت وقالت لي أشياء فظيعة عنكما."
- "لست أفهم؟!"
- "قالت أنكما...على علاقة.. غير أخوية وأنكما..."
- "قولي! ماذا؟"
- "قالت لي أنك لها وما بينكما أقوى مما هو بيننا."

ضحك منير. أحاطني بذراعيه وقبّل خدّي برفق.
- "كم أنت بريئة يا حبيبتي، ألا ترين أنها تغار من اهتمامي بك؟ إنها تحاول إخافتك بتأليف أخبار تجعلك تكرهينني وهي ليست المرة الأولى التي تقوم بذلك. يا ليتها تقع في الحب بدورها وتكفّ عن التركيز على حياتي. لقد تعبت منها ومن مكائدها. أحياناً أرغب في الرحيل لكنني لا أستطيع ذلك خاصة وأنها اهتمت بي طوال هذه السنين."
- "كم ارتاح قلبي يا حبيبي! أنا آسفة إذا كنت قد أهنتك."

ضحك ونظر إليّ بحنان، وقال:
- "لست مستاءً أبداً. الآن عودي إلى البيت وارتاحي قليلاً، تبدين متعبة."

كنت فعلاً بحاجة للراحة بعد هذه القصة الفظيعة. وقفنا وتعانقنا وإذا بباب غرفة النوم يُفتح بقوّة.
خرجت سناء من الغرفة مبتسمة:
- "لا لن تذهبي الآن. ليس قبل أن يقول أخي كل الحقيقة. سمعت الحديث الذي جرى بينكما وكاد أن ينفد بكذبته. لكنه يعلم أنني هنا لأذكّره بنا."

صرخ منير:
- "سناء عودي إلى الغرفة!"
- "لوحدي؟ ألن تدخل معي؟"
- "كفّي عن ذلك، لقد حاولتِ إفشال جميع علاقاتي وإن كنت ما زلت عازباً، فإن ذلك بسببك انتِ!"
- "لن تفلت مني يا منير، أنت تعلم ذلك تماماً. فما بيننا أقوى من كل شيء، منها ومنهنّ جميعاً."
- "ألن تتركينني أبداً؟؟!!!"
- "أبداً يا حبيبي، ولدنا لنكون معاً حتى آخر يوم في حياتنا."

قررت حينها أنه حان الوقت لأتدخّل، فمنير حبيبي وعليّ أن أقاتل من أجله. فصرخت بها:
- "لا يحبّك! يحبّني أنا ولن أدعك تفسدين حياتنا."
- "أنا لا أفسد شيئاً فهو سعيد معي. ألستَ سعيداً معي؟

واقتربت منه وقبلته على فمه. صرخت: "لا"! وانتظرت أن يبعدها عنه، لكنه لم يفعل. بادلها القبلة وكأنهما حبيب وحبيبة. شعرت بغضب ممزوج باستنكار حادّ. وبقيت أصرخ:"لا"! عندما أنهيا قبلتهما استدار منير نحوي وقال:
- "قدري أن أحبّها وأبقى معها. حاولت أن أجد سواها لكن لم أستطع. وكأن سحراً يربطني بها. أنا آسف!"

وأمسكته بيده وقادته إلى غرفة النوم وأقفلت الباب. أما أنا، فبقيت لدقائق واقفة مكاني أحدّق بالباب المقفل حيث حبيبي وأخته. ثم خرجت ولم أعد إلى ذلك المكان النتن مجدداً. كان منير رجل أحلامي فبات الآن رجل كوابيسي. قبل أن يحدث هذا معي، لم أكن أعلم شيئاً عن هذا الموضوع، لم أرى هذا الشذوذ في حياتي، لم أكن أعلم أنه موجود فعلاً. حتّى الساعة كنت أظن أنه فقط من نسج خيالي. سمعت أنهما انتقلا للعيش في مكان آخر ربما خوفاً من الفضيحة. لم أخبر أحداً بالأمر، خوفاً من الشماتة ولأنني أردت أن أمحو ما حصل من ذاكرتي بأية طريقة وإلى الأبد.

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button