الجزء الأول: رفضت أن أخضع له فأهان سمعتي

كنت أعمل كنادلة في مطعم فخم. كنت أحب عملي واخترته من بين أعمال كثيرة. أحب الناس والتعامل معهم وقد كنت ذات شخصية ظريفة ومظهر جذاب. الزبائن كانوا يحبونني وكذلك زملائي. لكن وهيب، مدير الصالة، رجل فظ وأناني، لم يكن محبوباً من الموظفين وكان دائماً يلاحقني عارضاً عليّ أن نقيم علاقة عاطفية رغم أنه متزوج ولديه أولاد.

كنت أجيبه دوماً بالرفض وأحاول تجنّبه خاصة إذا وجدنا وحيدين في المكان نفسه. عندما يئس مني، تغيّرت تصرفاته وبات يهدّدني بالطرد حيناً واللجوء إلى العنف حيناً آخر. إلا أنني لم أكن آخذ تهديداته على محمل الجدّ، فقد كان جباناً وضعيفاً. لهذا لم أخبر أحداً عما كان يجري، حفاظاً على سمعتي وتجنّباً للثرثرة. فالمنافسة في عملي كانت كبيرة خاصة بين النادلات وسباق على من يحصل على إكرامية أكبر.

مرّت فترة طويلة ووهيب لم يتعرض لي. كنت قد نسيت الأمر معتقدة أنه لم يعد معجباً بي. يبدو أنني كنت مخطئة، فقد كان يدبّر لي مكيدة شريرة مثله. ذات يوم ناداني صاحب المطعم إلى مكتبه. عندما دخلت المكتب رأيته ينظر إليّ بغضب رغم أنه كان دائماً لطيفاً معي ويهنّئني على عملي. دعاني للجلوس ثم رفع سماعة الهاتف وقال:
- "إنها هنا، تفضل."
ثم جاء وهيب ووقف قرب صاحب المطعم الذي قال له:
- "أخبر مريم ما قلته لي."
- "يا آنسة مريم، لقد أخبرت السيد عن نشاطاتك المشينة."
- "ماذا تقصد؟" قلتُ بتعجّب.
- "لا تتظاهري بالغباء، ولا حتى بالعفّة والبراءة، كلنا على علم بما يجري بينك وبين الزبائن بعد إقفال المطعم."
- "لا يجري شيء، ماذا تقول؟"
- "علمت أنك تذهبين بعد دوام العمل مع الرجال الأثرياء الذي يأكلون هنا، وتبيعين خدماتك لهم."
- "كيف تجرؤ؟"

وقبل أن أكمل، قال لي المدير:
- "أنا كنت جدّ متفاجىء بالأمر. لم أرد أن أصدق الخبر لكنني استمعت إلى شهادة اثنتين من زملائك اللتين رأتاك تصعدين سرّاً في سيارة أحد الزبائن، ورأتك إحداهن تخرجين من فندق بصحبة رجل. لا تنكري، فهذا لن ينفعك. أنتِ مطرودة وكوني شاكرة لي بأنني لم أبلغ الشرطة عنك. لن أفعل هذا من أجلك بل من أجل سمعة المطعم. إذهبي الآن، لا أريد أن أراك مجدداً هنا!".

هذا كان حتماً كابوساً وكنت على يقين بأنني سأستيقظ منه بين لحظة وأخرى، لكنني سرعان ما أدركت أن ما جرى حقيقي وأن سمعتي قد تلطّخت إلى الأبد. بكيت وأنا أخرج من المكتب بينما كان وهيب يبتسم وينظر إليّ بنظرة شريرة وبغيضة.

ذهبت لأجلب أمتعتي وأرحل، فالتقيت برنده زميلة لي لطالما كنا مقرّبتين من بعضنا. عندما رأتني قالت لي:
- "أعلم ما حصل معك...هذا مشين! جاء السيد وهيب وجمعنا ثم قال لنا إننا مجبرين على الشهادة ضدك وإلا فسيطردنا جميعاً. لكن كوني على يقين بأنني لم أقل شيئاً. أفضل أن أصبح عاطلة عن العمل على أن أسيء إليك. ماذا ستفعلين الآن؟"
- "أذهب إلى البيت وأبكي كثيراً. لا أدري ماذا سيحصل لي بعد ذلك لكنني واثقة أن الحقيقة ستظهر يوماً."

عانقتني صديقتي ورحلت من ذلك المكان الفاسد. أخبرت أهلي بما حصل عالمة تمام العلم أنهم واثقون من تربيتهم لي ومن حسن سلوكي. حاولوا التخفيف من حزني لكنني بقيت هلى هذه الحال لأيام وأسابيع طويلة. كنت أخاف الخروج من المنزل خشية أن يراني الناس ويقولون: "هذه هي التي تواعد الرجال في الفنادق." كنت بحاجة إلى المال فأنا من عائلة متواضعة وبقائي في المنزل بدأ يؤثر علينا جميعاً.

رحت أبحث عن عمل في مطعم إلا أن الأجور كانت قليلة، لكنني كنت مستعدة للقبول بأي شيء. بعد محاولات عديدة وجدت أخيراً مكاناً مناسباً، قريب من عملي السابق ومن المنزل. قبلت بسرعة واستعدت ثقتي بنفسي وبالناس.

في يومي الأول، ودّعت أهلي بفرح وقبّلتني أمي بقوة فقد كانت سعيدة أن ترى ابنتها تبتسم من جديد. عندما وصلت إلى عملي قيل لي أن المدير يريد أن يراني قبل أن أبدأ ليُطلعني على بعض النقاط المهمة.

قرعت بابه فاستقبلني بحرارة.
- "أهلاً وسهلاً آنستي. أنا مسرور جداً لوجودك عندنا."
فوجئت لهذا الاستقبال، فأنا نادلة بسيطة. تابع الرجل:
- "أطلعني السيد وهيب، زميلي وصديقي، على شخصيتك اللطيفة ومواهبك المتعددة. إن مؤسستنا تستقبل رجال أعمال ذات مستوى عالٍ ونحن بحاجة لشخص مثلك لترفيهم من وقت إلى آخر. وبالطبع سندفع لك أجراً يناسب خدماتك. المهم أن نبقي زبائننا راضين."
لم أصدق ما سمعته. النذل وهيب كان قد أذاع الخبر الكاذب من حوله! صرخت في وجه المدير:
- "أنت مخطىء، فأنا لست كذلك! وهيب يقول هذا لأنني لم أقبل أن أقم علاقة معه. أنا راحلة! أتركوني بسلام!"

عدت إلى البيت مسرعة. عندما رأتني أمي قلت لها أن العمل لم يعجبني هناك. لم أشأ أن أزيد من حزنها. أما أنا، فدخلت الغرفة وبكيت كثيراً. بعد يومين من الحادثة، اتصلت رنده بي. كانت تتكلم بصوت خافت وكأنها خائفة من أن يسمعها أحد:
- "عزيزتي، لديّ خبر سار لك... وجدت طريقة لفضح وهيب... لا أستطيع التكلم الآن لكن هدئي من روعك كل شيء سيكون على ما يرام."

يتبع.
 

المزيد
back to top button