عندما قال لي الأطبّاء أنّ ابني نبيل سيواجه صعوبات عديدة بسبب تأخّره العقلّي أدركتُ أنّ حياتنا لن تكون كباقي الناس وأنّنا سنخوض معارك عديدة ويوميّة. وقرّرتُ حينها أن أقف إلى جانب ذلك الولد الضعيف وأن أحميه وأضحّي مِن أجله حتى لو تطلّب الأمر تقديم حياتي.
لن أتوقّف مطوّلاً عند الأيّام التي قضَيتُها أُجابه نظرات الناس التي كانت تارة حزينة وتارة ساخرة أو عند رفض معظم المدارس لِنبيل تحت حجّة أنّها ليست متخصّصة للتعامل مع "ذوي الاحتياجات الخاصة" أو عند اهتمامي اليوميّ به لِتلقينه تدبير أمره لوحده كالاستحمام أو حتى الأكل دون أن يوسخّ نفسه. وبعد جهد جهيد وجدنا له مؤسّسة تُعنى بالحالات الخاصة وتعلّمه ما عليه معرفته مِن معلومات عامّة وخاصّة، وكان يذهب إليها في الصباح ويعود في المساء وقلبه مليء بالسعادة.
وخلال كل السنين التي مرَّت لِيبلغ سنّ الرشد كنتُ قد فقدتُ فرحتي وطيبَتي وأصبحتُ إنسانة جافة أنزعج مِن كل شيء وكل الناس وأملي على الجميع رغباتي، ظانّة أنّني دائماً على حق وكأنّني كنتُ أستحقّ أن يُعترَف لي بما قمتُ به مِن أجل ابني. وكل ذلك أدّى إلى تزعزع في علاقتي الزوجيّة وترك زوجي لي. ولكنّني في تلك المرحلة لم آسف على ذلك الرجل لأنّني لم أكن مدركة بوجوده واعتبرتُ رحيله هديّة مِن الله خاصة أنّه كان دائماً يحثّني على وضع نبيل في مؤسّسة وتركه هناك.
وهكذا وجدتُ نفسي وحدي مع ابني واستطعتُ التفرّغ كليّاً له. ولكنّ نبيل وبالرغم مِن إعاقته بدأ يشعر بالحاجة إلى الجنس الآخر. وبالطبع هرعتُ إلى الطبيب الذي قال لي:
ـ لا داعي للقلق سيّدتي... ابنكِ هو رجل بكل معنى الكلمة... على الأقل جسديّاً... ومشاعره الجنسيّة هي بالفطرة كأيّ كائن حيّ آخر.
ـ وما العمل؟
ـ أستطيع إعطائه دواء يخفّف مِن وضعه أو عليكِ أن تصبري حتى يهدأ.
لم أكن أريد تسميم جسده بالمزيد مِن العقاقير وفضلتُ الانتظار. ولكنّ نبيل بقيَ على حاله مدّة طويلة وبدأ يلصق نفسه بالنساء التي كانت تأتي لزيارتنا وتوصّلَ حتى إلى لمسهنّ ومداعبتهنّ. وانتابَني شعور بالخجل لأنّه كان يتصرّف كالحيوان أثناء فترة التزاوج.
عندها خطَرَ على بالي إيجاد مَن يخفّف مِن حدّة رغباته. وبالطبع فكّرتُ بِبنات الهوى ولكنّني عدَلتُ عن قراري بِسبب الأمراض الجنسيّة التي بإمكانه التقاطها. ولم يبقَ أمامي إلاّ أن أجد له عروساً. ولكن مَن كان سيقبل بِرجل يفكّر كولَد صغير؟ حاولتُ حتى أن أعرض مبلغاً كبيراً لِمَن يرضى به ولكن لم أستطيع العثور على أحد.
ولكن بعد بضعة أسابيع حين كنتُ في السوبرماركت لاحظتُ تشويه وجه إحدى الموظفّات. ودون أن أحضّر ما سأقول لها ذهبتُ إليها:
ـ آنستي... هل أنتِ متزوّجة؟
ـ ماذا؟ لا... أنا عزباء.
ـ وهل السبب هو تشويه وجهكِ؟
ـ لماذا تلك الأسئلة يا سيّدتي؟
ـ أجِبينني مِن فضلكِ.
ـ أجل... لا أملك المال الكافي لإجراء عمليّات تجميليّة... ولا أحد سيتزوّج منّي إن لم أفعل.
ـ ماذا لو قلتُ لكِ أنّ لدَيّ العريس المناسب.
وأخذتُها جانباً وشرحتُ لها وضع ابني بالتفصيل كي تعرف الفتاة ما ينتظرها. ولكنّها كانت جدّ متردّدة لِذا أضفتُ:
ـ اسمعي يا...
ـ نسرين.
ـ ماذا لو قلتُ لكِ أنّني سأعطيكِ مبلغاً مِن المال لِكل سنة تقضينها مع نبيل؟ هكذا بعد بضعة سنوات ستستطيعين تصليح وجهكِ.
ـ وأترك ابنكِ؟
ـ إن كان هذا ما تريدينه.
ـ دعيني أفكّر في الأمر.
وتبادلنا أرقام الهواتف وذهبتُ إلى المنزل أصلّي أن تقبل نسرين بالصفقة التي عرضتها عليها. وانتظرتُ أسبوعَين قبل أن تتصل بي الفتاة:
ـ سيدتي؟ أم يجدر بي أن أدعوكِ حماتي؟
ـ الحمد لله! يا حبيبتي! أجل... ناديني هكذا!
وعرّفتُ نسرين إلى نبيل وجلسا سويّاً يلعبان ويرسمان. وبعد حوالي الساعة سألتُ نسرين إن كانت قادرة على العيش مع ابني وجاوبَتني أنّها ستفعل جهدها. وأقمتُ لهما فرحاً صغيراً دعيتُ إليه المقرّبين فقط ولم يستطع أيّ منهم فهم ما أفعله وأسفوا جميعاً على نسرين لأنّها كانت ستقضي شبابها مع رجل معاق عقليّاً. ولكنّني لم أردّ على أحد لأنّ مصلحة ابني وحاجاته أهمّ مِن أيّ شيء آخر.
وبدأَت حياتي مع كنّتي بعدما أرسلتُها مع نبيل إلى فندق قريب لِقضاء شهر العسل. وعندما عادَت سألتُ نسرين إن كان كل شيء قد جرى كما يجب فأجابَت بِ"نعم".
والحقيقة أنّني كنتُ مسرورة بوجود كنّتي معنا لأنّني كنتُ أشعر بالوحدة والتعب ووجدتُ فيها السلوى والمساعدة وكان يكفيني أن أرى نبيل سعيداً لأكون أنا أيضاً سعيدة. ولكنّ نسرين لم تأتِ إلينا فقط لتتزوّج أو تقبض بعض المال سنويّاً بل لتأخذ كل شيء.
ولا أدري إن كنتُ أستطيع إلقاء اللوم عليها لأنّ الحياة التي عرضتُها عليها لم تكن طبيعيّة وأي إنسان مهما كان شكله يستحقّ أفضل مِن ذلك ناهيك عن الأسلوب "التجاري" الذي استعملتُه معها.
والحقيقة كانت أن تلك الفتاة كانت مخطوبة لِشاب فقير وأخفَت عنّي ذلك بعدما وجدَت أن الصفقة كانت مربحة. فعندما رأيتُها بالسوبرماركت استنتجتُ مِن تلقاء نفسي أنّ لا أحد كان يرغب فيها بِسبب تشويهها وكنتُ على خطأ.
فبعد حوالي الشهر على زواجها مِن نبيل بدأَت نسرين بالطلبات. في الأوّل كانت أموراً بسيطة مثل فساتين وأحذية وكل ما تحتاج إليه أي فتاة عاديّة فلم أجد سبباً لأحرمَها منها خاصة أنّها تركَت عملها لتهتمّ معي بولَدي. ومِن ثمّ أخبرَتني عن الأزمة التي كان والدَيها يمرّان بها واللذَين كانا يعيشان بِفقر تام. ولأنّني كنتُ قد تعرّفتُ إليهما وزرتُهما في منزلهما المتواضع ساعدتُهما دون أن أتردّد لأنّني كنتُ ممنونة لابنتهما على ما فعَلَته مِن أجل نبيل. ولكن نسرين لم تكن تنوي التوقّف عند ذلك الحدّ بل أرادَت أن تدفّعني ثمن ممارستها الجنس مع معاق عقليّ الأمر الذي كان صعباً جدّاً عليها خاصة بِوجود الشاب الآخر الذي كانت مُغرمة به.
ففي أحد الأيّام طلبَت ان أشتري لها سيّارة جديدة. استغربتُ للأمر لأنّني كنتُ آخذها إلى أيّ مكان تريده ولم أشعر أنّها فعلاً محتاجة إلى مركبة خاصة. وعندما رفضتُ طلبها قالَت لي:
ـ لا أستطيع الارتباط بكِ دائماً... أنا بِحاجة إلى بعض الحريّة خاصة أنّني أقضي وقتي كلّه مع نبيل... وتعلمين كم هو صعب المزاج وكم يتطلّب مِن رعاية وتفهّم.
ـ أجل ولكن...
ـ أنا بحاجة إلى سيّارة لأتمكّن مِن متابعة حياتي مع ابنكِ وإلاّ سيكون الأمر صعباً.
وفهمتُ الرسالة واشتريتُ لها ما تريد. ولكن فور حصولها على المركبة باتَت تخرج طوال النهار لِتعود في المساء. وعندما طلبتُ منها البقاء معي أجابَت:
ـ وماذا تريدين منّي في النهار؟ أليس كافياً أن أقوم بواجباتي الزوجيّة في الليل؟ أليس ذلك سبب مجيئي إلى هذا المنزل؟
وسكتُّ لأنّها كانت على حق ولأنّ نبيل كان في أوّج سعادته مع نسرين. كان يضحك طوال الوقت ويغنّي ويرسم أشياء جميلة مليئة بالألوان والزهور. ولأنّ هدَفي الوحيد كان ابني قبِلتُ بكل شيء مِن أجله. وسرعان ما باتَت نسرين تبيت خارج المنزل ويبكي ابني طوال الليل مردّداً اسمها الى حين تعود ومعها طلبات أخرى. ولكنّني لم أعلم بِوجود ذاك الشاب الآخر لِذا اعتقَدتُ أنّ كنّتي ستبقى معنا إن لم يكن إلى الأبد على الأقل بضعة سنوات. ولكنّ نسرين وبعد أن حصلَت على المال والسيّارة أرادَت منزلاً كي تعيش فيه مع خطيبها متحججّة بأنّ نبيل لن يتحسّن إن بقيَ عندي وأنّ عليها أخذه إلى مكان حيث يسكنان كثنائيّ طبيعيّ.
وبالطبع رفضتُ لأنّني كنتُ أعلم أن حالة ابني لا يمكنها أن تتحسّن يوماً ولأنّني لم أكن أثق بتلك المرأة الجشعة. فلو كان الوضع مختلفاً لقبِلتُ على مضد أن يبعد ابني عنّي إن كان ذلك فعلاً مفيداً له. وعندما واجهتُها بالرفض تحوّلَت نسرين إلى وحش كاسر وبدأت تهدّد بتركنا وتتزعَم أنّ نبيل سيصاب بالاكتئاب والحزن العميق مِن دونها. عندها قلتُ لها:
ـ اسمعي... صحيح أنّه سيتأثّر بِغيابكِ ولكنّه سينساكِ بِسرعة إن وجَدَ وسيلة لهو أخرى... إنّه كالطفل... إن أخذَ أحد منه لعبة سيبكي قليلاً ثم يصبّ اهتمامه على لعبة أخرى... ابقي هنا... ماذا ينقصكِ؟
ـ ينقصني رجلاً طبيعيّاً.
ـ ومَن منعكِ مِن إيجاده؟ قلتِ لي أنّ لا أحداً يريدكِ بِسبب تشويهاتكِ.
ـ أنتِ قلتِ ذلك وأنا مشيتُ معكِ... لدَيّ حبيب! ويحبّني كثيراً!
ـ ولما لم تتزوّجا إذاً؟
ـ بِسبب قصر المال ولكن الآن...
ـ قوليها... بِفضل مالي!
ـ وتَعَبي وتضحيَتي! أتعرفين ماذا أشعر كلّما لمَسني ابنكِ؟ أشعر بالاشمئزاز والرغبة في التقيّؤ! وأفكّر بِحبيبي راجية أن ينتهي عذابي بسرعة.
- أخرجي مِن منزلي الآن!
- بِكل سرور!
وتركَتنا نسرين ومرَّ نبيل بِفترة عصيبة قضاها يصرخ ويبكي بأعلى صوته. ونسيَها بعدما أعطيتُه دواءً يخفّف مِن رغباته الجنسيّة وعادَت الأمور الى مجاريها. اليوم أصبحَ نبيل في العقد الرابع مِن حياته وأخاف أن أموت ويجد نفسه وحيداً. عندها مَن سيهتمّ به؟
حاورتها بولا جهشان