استغل منصبه ليعذبني!

كنت قد تعذبتُ كثيراً لأجد عملاً فأنا لم أنهي دراستي الجامعيّة وعندما قدّمتُ طلب في تلك الشركة للمحاسبة وافق المدير على إعطائي فرصة لأثبت مهاراتي وكنتُ مصّرة الاّ أخيّب ظنّه بي. ومنذ اليوم الأوّل إستقبلني زملائي وكأنني واحدة منهم بإستثناء جميل الرجل الذي كنتُ سأشاركه مكتبه. قلتُ لنفسي أنّه سيحبّني عندما يتعرّف عليّ أكثر فأنا إنسانة خلوقة أحاول دائماً إسعاد ومساعدة الآخرين.

ولكن رغم كل الجهود التي بذلتها لم يتغيرّ موقفه منّي. كان ينزعج من كل شيء أفعله ويوبّخني كل ما أتيحت له الفرصة. وكوني موجودة معه طيلة النهار فأصبح ذهابي الى العمل كل صباح عبأً عليّ. نصحتني أمّي أن أتقرّب منه وأن أحاول كسب ودّه فأخذتُ معي بعض الحلوى ووضعتها قبل قدومه على مكتبه. عندما وصل الى العمل أخذ الكيس ورماه في القمامة دون حتى النظر اليه. هنا علمتُ أنّه لا يريد صداقتي بأي شكل ومن الأفضل ان أدعه وشأنه.

مرّت الأيام والأسابيع وبدأت أعتاد على الوضع فالأولويّة عندي كانت أن أنفّذ ما يطلبونه منّي بأفضل طريقة خاصة أنّ صحّة أمّي كانت تتطلّب زيارات عديدة للطبيب وفحوصات وأدوية ومعاشي الجديد كان سيخفّف من العبء الذي تحمّله أبي لسنين طويلة. ولكن حدث أمر غير متوقّع قَلَبَ مقاييس القوّة في المكتب.

جاءت فترة ما قبل رأس السنة وإزدادت كمّية العمل بشكل هائل فكان علينا إقفال الحسابات بغضون أيّام وهذا الضغط الذي لم أكن معتادة عليه جعلني أرتكب غلطة كبيرة في أحد الملفّات. وبما أن جميل أقدم منّي في العمل فهو الذي يدقق في الحسابات الموكولة إليّ وهكذا إكتشف غلطتي. قام من على مكتبه وجاء نحوي وعلى وجهه بسمة لعينة:

- أتعلمين أيّتها الغبيّة من هو هذا العميل؟ وهل تدركين ما قد يحصل لكِ إن عَلِم المدير بالأمر؟ سيرميك خارجاً في غضون ثوان.

 إرتعبتُ لسماع هذا فسألته والدموع تملأ عيوني:

- ما العمل ؟

- استطيع أن أدخل مكتبه الآن وأريه ماذا فعلتِ أو .... أصحّح ما خلّفه غباؤك. ولكن هناك شروط!

- أرجوك ... أنا بحاجة الى هذا العمل . سأفعل كل ما تريد.

- كنتُ متأكّد من هذا.

ونفّذ جميل قسمه من الإتفاق ولم يلاحظ أحد شيئاً ولكن بدأت طلباته تنهال عليّ. في البدء كانت أشياء صغيرة كجلب القهوة له أو تنظيف مكتبه قبل وصوله أوالذهاب الى السوبرماركت لشراء حاجاته. لم أكن أبداً سعيدة لفعل كل هذا ولكن غلطتي كانت ستكلفّني أكثر بكثير.

ظننتُ أن الأمور ستقف هنا ولكن لم أكن أعرف الى أي حدّ سيصل إستبداده بي.

فيوم بعد يوم إزدادت حاجاته عدداً وتعقيداً وكأنه يحاول تعجيزي ولكن كنتُ دائماً ألبيّها خشية من أن يفضحني. بقيتُ مراراً في المكتب بعد إنتهاء الدوام لأنهي ملفات موكلة إليه لأعود بعد بضعة ساعات أعاود عملي. زملائي في العمل لاحظوا طبعاً لعبته حتى جاءت عاملة التنظيفات تسألني لماذا أتحمّل كل هذا من جميل فأجبتها أننا أصبحنا أصدقاء ومن الطبيعي أن أبحث عن راحته. لم تصدقني فكان واضحاً للجميع أنه يستغلّني.

بقيتُ أتحمّل نزواته إلى حين طفح الكيل عندما طلب منّي أن أذهب الى عشاء عيد ميلاد أحد أصدقائه بدلاً عنه. لم أكن أريد الذهاب ولكنه أكد ّ لي أن هذا سيكون طلبه الأخير. فقبلتُ وتوجهتُ الى مطعم فاخر حيث كان ينتظرني رجل في الستين من عمره. جلستُ الى الطاولة وانتظرتُ قدوم المدعويين الآخرين ولكن لم يأتي أحد. عندما سألت الرجل عن باقي المعازيم ضحك وقال :

- لن يأتي أحد يا جميلتي ... سنتناول العشاء سويّاً ونذهب الى مكان هادىء... لنتعرّف إلى بعضنا أكثر. قال لي جميل أنّكِ مطيعة جدّاً وأنكِ ستوافقين على إرضائي.

عند سماعي هذا نهضتُ وصفعته بقوّة :

- من تخالني أكون؟؟ قل لصديقك أنّه سافل ولا شيء يعلو فوق كرامتي!

وعدتُ الى البيت وأخبرتُ أهلي بما حصل . طلبوا منّي ترك العمل حتى لو كلّفنا هذا أن نموت جوعاً. هذا ما كنتُ أنوي فعله ولكن ليس قبل أن أواجه هذا الوحش.

وفي الصباح الباكر ذهبتُ الى المكتب وانتظرتُ قدومه.

عندما وصل بدا مرتبكاً فكان صديقه قد أخبره حتماً بما جرى في المطعم. لم أنتظر لحظة إضافية فصرختُ به أمام زملائي:

- ايها المنحط! تحمّلتُك كثيراً ولكن أن يصل الحد الى المّس في شرفي؟ فلا! إسمعوني جميعاً: لقد إرتكبتُ خطأ في ملف عميل وغطّى عليّ جميل مقابل طاعتي الكاملة. أنا اليوم أرفض هذه المعاملة مهما كلّفني الأمر! لا أدري يا جميل لماذا فعلتَ بي هذا ولكن لا بدّ أنّك إنسان مريض جداً.

- فعلتُ هذا لأن النساء كلّها بلا أخلاق. تستعملنّ أساليب ملتوية لنيل مرادكنّ ثم ترمين المسكين الذي أحبكنّ. عندما تركتني زوجتي لِتذهب مع أعزّ اصدقائي حلفتُ يميناً بأن أسبّب تعاسة وإهانة كل امرأة ألتقيها. فجئتِ أنتِ وكأنكِ هديّة من السماء. أنتِ ككل النساء رخيصة وماكرة. وكلّما أتيحت لي الفرصة سأفعل نفس الشىء بكِ وبكل بنات جنسكِ اللعين! لستُ نادماً على شيء!

عندها تدخّل المدير الذي كان قد سمع كل شيء:

- سأجعلكَ تندم يا جميل. من واجبكَ تصحيح الأغلاط في الملفات فهذا عملك وأدفع لكَ أجراً من أجل هذا. ولكنّكَ إستغليّتَ منصبكَ لإبتزاز شابّة بحاجة الى عملها. سأطلبُ منكَ أن تجمع أغراضكَ وأن ترحل فوراً من شركتي. أمّا أنتِ يا آنستي، فأنتِ مفصولة لمدّة أسبوع.

- لأنني إرتكبتُ غلطة في الملف؟

- لا، فبقبولكِ لما كان يفعله بكِ تحوّلتِ من ضحيّة إلى شريكة. كلّكم شركاء بما حصل لأنّكم بقيتم متفرّجين. هل تعتقدين أنني لم ألاحظ شيئاً؟ كان إستعباده لكِ واضحاً كالشمس وكل يوم كنتُ إنتظر منكِ أن تأتي إليّ وتخبريني بما يجري. لو فعلتِ لما كان لجميل أي نفوذ عليكِ. على المرء تحمّل مسؤوليّة أخطائه وليس إخفاءها. فقط بهذه الطريقة تكونين حرّة. إذهبي إلى بيتكِ لآن وفكّري بما قلته لكِ وعندما تعودين ستشغرين منصب جميل فأنا واثق من قدراتكِ. لا يلزمكِ سوى أن تثقي بنفسكِ وأن تقبلي أن الانسان لكي ينجح لا بدّ له أن يخطئ.

حاورتها بولا جهشان 

المزيد
back to top button