كانت كل الأمور تسير على خير ما يرام، فقد ازدهرت أعمال زوجي وازداد حبّنا وسعادتنا ولا سيما مع ولادة ابنتنا سوزي. لكن ما كنت أجهله أنّه خلف تلك الواجهة المثالية كانت الديون تتراكم. لسوء الحظ لم يكن عند راغب سوى عيب وحيد ولكنّه الأسوأ: القمار! كان يبذّر كل أموال شركته في ماكينات القمار، وحين كان يتأخر ليلاً ظنّاً مني أنّه في العمل كان في الواقع يجلس إلى طاولة اللعب. حين كان يربح كان يلعب من جديد في أمل كسب المزيد بيد أنّ الديون راحت تتراكم عليه! لم أكن على علم بأي شيء لأنّ نمط عيشنا لم يتبدّل يوماً.
تآكل الخجل والندم راغب لدرجة أن أصابته نوبة قلبية في إحدى الليالي ومات في سريرنا. لم أعرف الحقيقة إلاّ وقت تنظيم الشؤون المالية: ولا قرش في البنك، الشركة مفلسة والمنزل مرهون... تكفّل سامي، شقيق زوجي، بدفع الديون ووعدني بألاّ يتركنا أبداً.
تركت المنزل واستأجرت استوديو صغيراً في حي شعبي ولكن بعد مرور بضعة أشهر جاء سامي ليعلمني بعدم قدرته على مساندتنا بعد الآن. بعت مجوهراتي والجزء الأكبر من الأثاث ولكنّ ذلك أعالني لفترة قصيرة. فسرعان ما وجدت نفسي معدمة فاضطررت إلى وضع ابنتي البالغة من العمر ست سنوات في مؤسسة اجتماعية كي أسترجع قواي من جديد. تمزّق قلبي لدى الانفصال عنها وحاولت التمسّك بأي عمل ولكنني فشلت فلم يكن لدي خبرة مهنية ولا شهادة لأنّني تركت العلم باكراً لأتزوّج.
عندئذٍ تذكّرت قدراتي اليدوية واستعنت بكل اللآلئ الموجودة في الحلي الزائفة عندي لأزيّن بها وساداتي وشراشفي وحقائبي ورحت أجول على كل المحال المترفة في المنطقة. اشترى البعض فيما وضع البعض أغراضي في الأمانة عنده أمّا الآخرون فرفضوا التعامل معي.
لم أفقد الأمل وكنت متأكدة من أنّ الحياة ستبتسم لي يوماً. ولم أخطئ! بعد بضعة أيام، قدّم أحد المحال طلبية كبيرة ومهمة فنجحت في أخذ أغراض من مموّن وافق على أن أدفع له لاحقاً.
كان شعاع النور الوحيد يأتيني في نهاية الأسبوع حين أكون مع ابنتي. فبين النزهات، كانت تعشق مساعدتي في لصق اللآلئ والأشرطة. ولكن يوم الأحد عند المساء لدى العودة إلى المؤسسة كانت الدموع والتوسّلات تطغى على الموقف. وعدتها أنّنا سنعود للعيش معاً قريباً فكانت تتظاهر بأنّها تصدّقني ولكن في عمق عينيها كان يسكن الخوف والقلق. كنت أضمّها إلى قلبي بشدة لأطمئنها وأستمد منها القوة لإكمال الدرب.
مع الوقت أخذت ابتكاراتي تباع في كل مكان، وفي إحدى المرات قابلت مموّلاً بالصدفة لدى إحدى زبوناتي فوقع في غرام تصاميمي. تركت له رقمي آملةً أن يتصل بي. وهذا ما حصل! فبعد بضعة أيام، اقترح عليّ أن نتشارك ونؤسس ماركة معاً! قبلت بلا شك ولكن بشرط وحيد أن تحمل الماركة اسم ابنتي.
وأخيراً حصد عملي ثماره! وما عاد شيء يمنعني من العيش بعيداً عن صغيرتي الغالية. في المساء نفسه توجّهت إلى المؤسسة. كانت سوزي قد نامت ولكنّي توسّلت إلى المسؤولين هناك ليسمحوا لي بأخذها على الفور. حملتها بين يديّ إلى المنزل فقد أردت أن تستيقظ في سريرها كما كانت العادة منذ سنتين تقريباً.
حين فتحت عينيها ظنّت سوزي أنّها تحلم فغمرتها بقوة ورحت أقبّلها. لقد عادت إلى منزلها وهذه المرة إلى الأبد!
حاورتها بولا جهشان