احترقت وإحترق قلبي معي

أسمع دائمًا إحتجاجات عن طبيعة الرجل الخائنة. ولكنّ الناس لا تتصرّف حسب جنسها بل وفق تربيتها ودرجة أخلاقها. الخيانة شيء مؤلم، لأنّها تُشعرنا بأنّه تمّ التلاعب بنا وبمشاعرنا وبالثقة التي وضعناها في محبوبنا. وقصّتي خير برهان على ذلك. إليكم ما حصل لي عندما كنتُ بأمسّ الحاجة إلى رفيقة عمري.

عندما تعرّفتُ إلى زينة كانت لا تزال في الثانويّة، وعدتُ والتقَيتُ بها بعدما دخلَت الجامعة وحينها بدأًت علاقتنا. ساعدتُها كثيرًا، ولم أرفض لها طلبًا وكرّستُ نفسي لها. هكذا أنا عندما أحبّ شخصًا. وقرّرتُ طبعًا أن أتزوّجَ مِن حبيبتي وأعيش معها باقي حياتي.

ولكنّ القدر شاء أن يُصيبَ والدي مرض خبيث، فانتقلت للعيش بقربه لأساند عائلتي بِمحنتها. وحالما انتهَت زينة مِن الجامعة، وجدتُ لها عملاً معي كي نبقى سويًّا. ولكنّها تَرَكَت العمل معي ووجَدَت آخر على بعد ساعة مِن مسكننا. لذا صِرتُ أوصلها في الصباح وأعود إلى عملي، ومِن ثم أقود مجدّدًا لأرجعها. وبالرّغم مِن تلك المسافة، لم أتذمّر يومًا بل كنتُ سعيدًا أن تحقّق حبيبة عمري أحلامها.

ووُلِدَت إبنتنا الأولى، الأمر الذي ملأَ قلب والدي المريض بالفرح والرجاء، ولكنّه رحَلَ بعد بضعة أشهر. وسرعان ما جاءَت إبنتنا الثانية إلى الدنيا وكنتُ فخورًا بابنتَيّ وزوجتي. وبدأتُ بالبحث عن مسكن آخر، عندما تعرّضتُ لحادث سيّارة مروّع بينما كنتُ أقود وأخ زينة إلى جانبي.

واحترَقَت المركبة وأخذانا فورًا إلى المشفى وإلى قسم الانعاش بسبب حروقي البالغة. أخ زينة لم يتأذّ كثيرًا وخرَجَ شبه متعافٍ. ولكنّ وضعي الحرج إستلزمَ نقلي إلى مشفى مختصّ بالمحروقين يبعد أكثر مِن ستيّن كيلومترًا وهو قريب مِن منزل أخي. لذا انتقلَت العائلة بأسرها إلى منزل أخي، بمن فيهم زوجني وابنتَايَ.

 


وعانَيتُ الكثير مِن حروقي، وكان علاجي طويلاً ومؤلمًا فلم أكن قادرًا على تدبّر أموري لوحدي، وكنتُ بحاجة إلى مساعدة لأقوم بأبسط الأشياء كالأكل والشرب. ولولا أمَلي بأحبّائي لكنتُ استسلمتُ.

وبعد خروجي مِن المشفى، توجّهتُ إلى منزل أخي إذ كان عليّ أن أقصد المشفى لتغيير ضماداتي كلّ يومَين ولمدّة شهر ونصف. وفي أوّل ليلة، إهتمَّت بي زوجتي، ولكن في الصباح تفاجأتُ بها تقول إنّها تريدنا أن نعود إلى بيتنا.

كان الأمر غير وارد بالنسبة إليّ لأنّني لم أكن قادرًا على الذهاب إلى المشفى والرّجوع منه، ولأنّني وبكل بساطة لم أعد أملك سيّارة!

عندها اتصلَت زينة بأبيها ليأخذها هي والبنتَين إلى البيت. وعندما سألتُها مندهشًا:

 

ـ وأنا؟

 

أجابَتني:

 

ـ ستعتني بكَ أمّكَ.

 

ولم أجب لكثرة خيبتي. ولم تتصل زينة أو حتى تسأل عن أحوالي لمدّة أسبوع بكامله. وانقلَبَت عائلة زوجتي ضدّي بسبب ما حصل لابنهم، بالرغم من أنّ مسؤوليّة الحادث لم تَقَع عليّ، وطالبوني بتعويض مالي مع أنّني كنتُ قد أعطَيتُ زينة ما يكفي لتكاليف علاج أخيها بالكامل.

وبعد أسبوع ذهبتُ لأرى زوجتي رغم حالتي الصعبة. كان استقبالها باردًا، واشتكَت مِن تعبها مع بنتَينا ولكنّني لم أكن قادرًا على البقاء لمساعدتها. ومرَّ شهر قبل أن أستطيع ترك منزل أخي وعادَ الجميع إلى دياره بمن فيهم أنا.

ولكنّ المشاكل مع زوجتي كانت ستبدأ لتصل إلى حدّ مفاجئ.

فعند رجوعي، لاحظتُ أنّ زوجتي كانت تستفيق أبكر مِن عادتها للذهاب إلى عملها، ولم تعد تقبل أن أوصلها بسيّارة أخي بل فضّلَت ركوب الباص لِتعود بوقت متأخّر إلى البيت.

وطالَبتني زينة بالإنتقال إلى منزل قريب مِن عملها وهدّدَتني بالإنفصال إن لم أفعل. واعتقَدتُ أنّ أهلها هم الذين يؤثّرون عليها ويملأون رأسها بتلك الأفكار، وحاولتُ تهدئة الوضع. فكان مِن المستحيل أن أتخيّل حياتي مِن دونها وخاصة مِن دون بنتيَّ.

وقبلتُ أن نعيش حيث تريد، ولكنّها بقيَت مصرّة على أن أعطيها فترة استراحة، لذا تركتُ لها المنزل كي لا يتفاقم الوضع وقصدتُ منزل أهلي. وباتَت زينة توقظني في الصباح لأذهب إليها وآخذ البنتَين إلى السيّدة التي تهتم بهما خلال النهار، لأعود بدوري إلى عملي.

وبقيَت زوجتي تذهب باكرًا وتعود متأخّرة ولم تعد ترّد على اتصالاتي إلا نادرًا.

 


وذات نهار، وبعد أن أنهيتُ فحوصًا طبيّة لمعرفة مدى شفائي من الحادث، قرّرتُ أن أقصد زوجتي في عملها لأعرض عليها مرافقتي إلى الغداء على أمل الجلوس معها والتكلّم عن مصير علاقتنا. إتصلتُ بها فأجابَتني أنّها غير قادرة على ترك عملها وأنّ عليها ملازمة مكتبها خلال فسحة الظهيرة. لم أقل لها إنّني بالقرب مِن الشركة، وذهبتُ إلى مطعم مجاور لتناول الغداء وحدي. وإذ بي أرى زينة تقطع الطريق برفقة رجل وتمشي معه اليد باليد. عاودتُ الإتصال بها لكنّها لم تجب، بل بعثَت لي رسالة تقول إنّها في اجتماع هام. وقرّرتُ متابعتها هي والرجل. ورأيتُهما يدخلان محلاً فظهرتُ أمامهما وسألتُها عن هويّة رفيقها. ولكثرة غضبي، صَفعتُها مرّتَين وأدَرتُ لهما ظهري ورحلتُ. لحقَت بي زوجتي واتصلَت بأبيها لتشتكي له أنّني صفَعتُها أمام الناس فشتمَني عمّي. وحين انتهَت المكالمة، أخذت منها هاتفها وابقَيتُه معي وابتعدتُ رغم توسّلاتها لأعطيها الهاتف. وفتحتُ قائمة الإتصالات والمراسلات واكتشفتُ أنّ يومًا قبل حادثي وبعده كانت زوجتي تتبادل الكلام المعسول مع عشيقها التي أعطَته إسم امرأة كي لا أعرف أنّها على علاقة مع رجل. لم أصدّق! فقد كّدتُ أموت احتراقاً بينما كانت هي تغازل غيري!

وواجهتُها بالذي عرفتهُ فحاولَت نيل مسامحتي، ولكننّي لم أستطع التغاضي عن الذي حصل بل أخبرتُ أهلها بأنّ لابنتهم عشيقاً، وانفصلنا طبعًا بعد أن تركَت المنزل مع إبنتَينا اللذين حَرَمَتني منهما لمدّة شهرَين. وفي دعوى الطلاق لم أذكر السّبب الحقيقيّ ولا لأيّ أحد حفاظاً على بنتَينا، لأنّني كنتُ أعلم أنّ مجتمعنا لن ينسى خيانة أمّهما وقد يُؤثّر الأمر على حياتهما المستقبليّة.

وبدأتُ آخذ ابنتي الكبرى إلى بيتي، ثمً الصغيرة بعد أن صدَرَ حكم المحكمة.

لا أعرف شيء عن حياة زينة الشخصيّة، فلا أراها إلا لبضع دقائق عندما أمّر وآخذ بنتَيَّ وأعيدهما إليها.

حاولتُ أن أبني علاقات جديدة ولكن مِن دون نتيجة. فأنا لستُ حاضرًا بعد للوثوق بالنساء.

وأحيانًا عندما أفكّر بالذي حصَلَ، أستنتج أن لولا حادثي لما علِمتُ بالذي يجري خلف ظهري، ولكانت علاقة زوجتي بعشيقها قد استمرَّت بدون معرفتي. لقد كانت حروقي أقل أذيّة مِن خيانة زوجتي لي، لأنّها التأمَت بينما قلبي لا يزال ينزف على بعدي القصريّ عن إبنتَيَّ.

فهل لكلّ ما يحدث لنا هدفٌ نجهله؟ وهل أنّ مقولة " لا تكرهوا شيئًا لعلّه خير لكم" صحيحة؟

 

حاورته بولا جهشان

المزيد
back to top button