ابني قتل شقيقته

عندما ولدَ سمير وسميرة  في ذات اللحظة، ظننتُ أن لا شيء يمكن أن يُفرّقهُما. نظرتُ إليهما وقلتُ لزوجي: "سنكون أسعد عائلة في العالم. عِدْني أنّك لن تُفضّل الواحد على الآخر وأن تُحبّهما كليهما بنفس القدر".
وهذا ما فعلناه سوياً. ولكن مع الوقت إتّضح أن لسمير طبعاً صعباً، بينما كانت سميرة كالملاك تسمع الكلام، تلعب بهدوء وتحبّ كل الناس عكس أخاها. ظننا أنّ السبب هو أنّ البنات عاقلات أكثر من الصبيان وقرّرنا أن ننتظر حتى يكبرا أكثر وتتحدّد شخصيّة كلّ منهما.
ولكن لم يتحسّن وضعه بل ساء أكثر وأكثر. كان بلغ العاشرة من عمره وأصبح مليئاً بالغضب والإستياء. وبما أننا أناس مثقّفين، قرّرنا أن نصطحبه إلى طبيب نفسي خاص بعد أن اكتشفنا هوايته الجديدة : تعذيب وقتل الحيوانات الصغيرة.
بعد جلسات عديدة، قال الطبيب لنا أن ليس هناك أي خطب في سمير وأنه ربما يمرّ بفترة إنتقالية. سألته إذا كان هناك خطر على أخته قال لي:
"أبداً سيّدتي، الكثير من الشبّان يُصبحون عدائيّين في مثل هذا السنّ. سيتحسّن من تلقاء نفسه."
قرّرتُ أن أحيط سمير بالحب والحنان والتركيز عليه أكثر من أخته التي كانت تكفي ذاتها بذاتها. لم أكن أخاف عليها من شيء وكأنها فتاة راشدة مسؤولة. ساءت علامات سمير في المدرسة رغم اهتمامي الشديد به وقرّرتْ المدرسة طرده. فالمدير أخبرني أنّ ابني كان يُسيء أيضاً معاملة رفاقه، يسرق أغراضهم ويضربهم بإستمرار. نصحني أن أبعثه إلى مدرسة داخلية لتهدئة طبعه وإجباره على متابعة منهج صارم.
فاتحتُ زوجي بالموضوع وناقشناه في المساء عندما كان الولدان نائمان. ولكن سمير سمعنا نتكلّم وصرخ بنا:
- أنتما لا تُحبّاني! تريدان التخلّص منّي للبقاء مع تلك الفتاة وحدكم!
- أيّ فتاة؟
- تلك التي تسمّونها أختي! أكرهها! تشاركني كلّ شيء، هي موجودة كلّ الوقت معي، حتى عندما كنتُ في بطنكِ كانت معي. لا أريدها بعد الآن! أعطوها لأحد، ضعوها هي في مدرسة داخلية!
حاولنا تهدئته ولكن دون جدوى. كان من الواضح أنه يكره أخته وينوي إيذاءها. فبعد يومين أخذناه إلى المدرسة الداخلية آملين أن يتغيّر.
قضى هناك سنين وجدناها طويلة. كنّا نزوره كلّ أسبوع، ثم بدأ يأتي إلى البيت يقضي فرصته الأسبوعيّة معنا. بدا لنا عاقلاً ولطيفاً. تغيّر كثيراً خاصةً مع أخته. كانا قد أصبحا في الثامنة عشرة من عمرهما واعتقدتُ أن مشاكلي قد إنتهت أخيراً. ولكنّني كنتُ مخطئة. بينما كان سمير في تلك المدرسة تعرّف على فتيان يتعاطون المخدرات وأدخلوه إلى عالمهم. لم نكن على علم بشيء ولم نلحظ عليه علامات التعاطي. ولكن كان دائماً يطلب منا المال ونعطيه إياه ظانّين أنه يشتري به حاجاته اليومية.
وبعد عودته نهائياً إلى البيت باشرنا بالبحث عن كلّية له ولأخته ليكملا علمهما. أعطينا لهما مالاً لدفع القسط والمباشرة بالذهاب لحضور الحصص.
سمير لم يذهب يوماً إلى الكلّية، لم يشترِ كتاباً أو دفتراً. كان يقضي أيامه عند أصحابه يشمّ الكوكايين وينام طيلة النهار. لم نتخيّل يوماً أنّ هذا ما كان يفعله ولم نلاحظ عليه شيء.
مرّت حوالي السنة على هذا النحو. وفي صيف تلك السنة قرّرنا استئجار شقة صغيرة في الجبل بسبب الحرّ الشديد الذي اجتاح المدينة. مكثنا كلّنا هناك كأيّ عائلة تقضي أياماً سعيدة. ثمّ قرّر سمير النزول إلى بيتنا لجلب بعض الأشياء التي يحتاجها. أخذ معه سميرة لكي تزور أصدقائها.
ذهبا في الصباح، وعندما حلّ المساء ولم يعودا بدأ ينشغل بالي. إتّصلتُ بسمير على هاتفه فلم يُجب. حاولتُ الإتصال بسميرة ولكن لم تُجبْ هي الأخرى. أخبرتُ زوجي وقرّرنا الذهاب فوراً إلى المنزل.
وهناك وجدتُ إبنتي مقتولة تسبح في بركة من دمها. بقربها كان يجلس سمير حاملاً سكّيناً كبيراً. بدأتُ بالصراخ وركضت أحاول مساعدة ابنتي. ولكنها كانت قد ماتت. نزع زوجي السكّين من يد سمير وصرخ به:
- ماذا فعلتَ أيّها الوحش؟؟!!
- الذنب ليس ذنبي. كان من المفروض أن تكون عند أصدقائها، لماذا عادتْ؟ كنتُ أنوي سرقة البيت لأشتري المخدرات، فأنا بحاجة إلى المال. عادتْ ورأتني وقالت أنها ستُخبركم. المتطفّلة! ما دخلها؟ لطالما أزعجتني تلك الفتاة. الآن ارتحتُ منها نهائياً.
كان زوجي على حقّ عندما أسماه بالوحش. إتّصلتُ فوراً بالشرطة التي اعتقلته.
سمير الآن يقضي عقوبته بمستشفى للأمراض العقليّة. لا أعلم لماذا أصبح هكذا! هل نحن السبب أم أنه خلل في دماغه! المخدرات زادت من حالته ولكنه كان هكذا منذ صغره.
أبكي سميرة كلّ يوم، تلك الفتاة البريئة التي ذهبت ضحيّة الغيرة والجشع.

  حاورتها "بولا جهشان"
 

المزيد
back to top button