إلى أين أخذَتني غيرتي على زوجي؟

نعَتَني الجميع بالمجنونة عندما تزوّجتُ من بشير، لأنّه يصغرني بثمانية سنوات. في البدء لم أكن مقتنعة بأن أقرن حياتي مع رجل أصغر منّي سنّاً ولكن الحب كان أقوى من كل الإعتبارات الإجتماعيّة والمنطقيّة والتقاليد. وأمام تردّدي القوي قال لي حبيبي:

 

- الحب لا يعرف سنّاً أو عرقاً أو ديناً. لهذا يسمّونه حبّ. ليس ذنبي إن ولدتِ قبلي وولدتُ من بعدكِ. جمعَنا القدَر وهناك سبباً لهذا. لا تفوّتي هذه الفرصة علينا أرجوكِ.

وهكذا قبلتُ أن أصبح زوجته وكنتُ قد بلغتُ الأربعين من عمري. ما كنتُ أخشاه، هو أن يجد فتاتاً من جيله، خاصة عندما أبلغ سنّ اليأس وتتلاشى أنوثتي ويري فيّ إمرأة عجوز. وأصبحَت هذه الفكرة هاجساً يرافقني يوميّاً، منذ بداية زواجنا. فبدأتُ أراقب أي تغيّر في تصرّفاته أو عاداته وباتَت الغيرة تأكلني من الداخل ثم من الخارج.

خوفي من أن أخسر زوجي طغى على حبّي له وعلى إيماني بحبّه لي. في البدء لم يلاحظ بشير شيئاً، فعملتُ جهدي لكي أخبّئ مخاوفي، لا لأنني لا أريد إزعاجه بل لكي لا يأخذ حذره منّي، فإعتقدَ المسكين أنّه سيعيش معي حياة هنيئة. ما لم يكن يعلمه، هو أنني كنتُ أفحص ثيابه كلّما عاد من عمله، بحثاً عن عطر نسائي أو شعرة أو أثار أحمر شفاه. ومن بعدها وخلال نومه، كنتُ أفتح محفظته لأعدّ ماله وأقارن المبلغ مع الليلة الماضية، لأرى إن كان قد صرفَ منه على أحد. وبالطبع كنتُ أتفحّص هاتفه وأقرأ رسائله. لم أشعر بأي خجل لما كنتُ أفعل، مقتنعة أنّ هذا حقّي الشرعي وأنّ هدفي هو الحفاظ على زواجي ولم أتخيّل يوماً أنني أصل إلى هذا الحد من التعدّي على حياته الشخصيّة.


ولكثرة الهمّ، لم أعد أنام أو آكل جيداً، ما أضعف جسدي بصورة ملحوظة وأثّر على قدرتي على الإنجاب وهذا التأخير لم يكن لمصلحتي بعدما تخطّيتُ الأربعين. فالوقت لم يكن حليفي وكل يوم يمرّ يقرّبني من سن اليأس أكثر. ولاحظَ بشير طبعاً التغيّر بمزاجي وصحّتي وسألني إن كنتُ أشكو من شيء وإن كنتُ أريد الذهاب إلى الطبيب، فرفضتُ ونكرتُ وأصّريتُ أنني بخير.


وما زاد من حالتي هي النصائح والتنبيهات التي حاوطتني منذ البداية. غلطتي كانت أنني إستمعتُ لكل من أعطى رأيه بعلاقتي مع بشير. فبدل أن أسكتهم وأبعدهم عن التدّخل بحياتي الخاصة، سمحتُ للناس أن يؤثّروا فيّ وبشكل ملحوظ. صحيح أنّ العرف الشرقي، يقول أنّ الرجل يجب أن يكون أكبر سنّاً من المرأة ولكن عكس ذلك بالطبع لا يؤدّي حتماً لفشل العلاقة فكل شيء نسبيّ ويتوقّف على الثنائي وتركيبته التي لا تشبه أي تركيبة أخرى. فغصتُ في بحر الغيرة العميق الذي يغرق الحب والعواطف والثقة. ولم أعد أكتفي بتفتيش أغراض حبيبي الخاصة بل تخطّيتُ حدود المعقول، عندما إستدعيتُ على القهوة زميلة لزوجي أعرفها كونها صديقة إبنة عمّي. إستغربَت لأنني لم أدعوها يوماً إلى بيتي ولكنّها جاءت في الموعد المذكور. قلتُ لها من دون مقدّمة:

 

- تعلمين أن زوجي يصغرني بكثير وأنا مشغولة البال... أنتِ إمرأة مثلي وأظن أنّكِ ستفهمين ما سأطلبه منكِ... أريد منكِ أن تطلعيني على علاقة بشير مع باقي الموظّفات...

- تريدينني أن أتجسّس عليه؟

- لا... بل نعم... ولكن الكلمة قويّة بعض الشيء... أريد فقط أن أعرف إن كان هناك تقرّب بينه وبين إحداهنّ... ليطمأنّ قلبي... وبالطبع أطلب منكِ أن يبقى الأمر سرّاً بيننا.


ورحلّت المرأة بعد قليل، دون أن تعدني بشيء. لو كنتُ في حالتي الطبيعيّة، لكنتُ خجلتُ من نفسي ولكن في حينها وجدتُ الأمر بديهيّاً وكأنّه من حقّي أن أضع رقوباً على إنسان يحبّني ويريدني. وإنتظرتُ ردّاً منها وكأنني أريدها أن تقول لي أنّ بشير يخونني ولم يخطر في بالي أنّها لم تجد شيئاً لتخبرني إيّاه، لأن وبكل بساطة زوجي لم يكن يقيم علاقة مع أحد. وبدأتُ أطلب تلك الموظفة على هاتفها عدّة مرات في النهار وأسألها أسئلة عديدة وسخيفة حتى أن سئمَت منّي ولم تعد تجيب عليّ.

وغضبتُ منها كثيراً، حتى أنني إعتقدتُ أنّها هي بنفسها عشيقة زوجي وتخفي علاقتها به. وفي تلك الأثناء جاء بشير وأخبرني أنّه مسافر بقصد العمل مع بعض الزملاء والزميلات. وإنهار عالمي عند سماع هذا، حتى أنني بدأتُ بالبكاء. إستغربَ زوجي كثيراً لردّة فعلي القويّة فبررتُها قائلة:

 

- ستكون أوّل مرّة نفترق فيها أنا وأنتَ... أبكي لأنني سأشتاق إليكَ كثيراً.

 

غمرَني وقبّلني وقال لي أن غيابه لن يطول. وعندما سألته مَن مِن زملائه ذاهب معه، عدّد لي بعض الأسماء بما فيها المرأة التي وكّلتها بمراقبته. جنّ جنوني داخليّاً ووعدتُ نفسي ألا أدعها تفلت بعملتها. وثقتُ بها بإعطائها تلك المهمة وهاهي تخونني دون أيّ تردّد! وفي يوم رحيل زوجي، لحقتُ به إلى المطار ووجدتُها هناك مع حقيبتها تنتظر باقي الفريق. لم أستطع تمالك أعصابي وأمام زوجي الذي تفاجأ برؤيتي هناك وأمام الجميع بدأتُ أصرخ بها:

 

- أيتها السافلة! وثقتُ بكِ وأخبرتكِ عن مشاكلي وأنتِ إستغليتِ الوضع لتسرقي زوجي مني!

 

ركضَ بشير ومسكَني بذراعي وسحبَني إلى زاوية وسألني عمّا يجري وإن كنتُ قد فقدتُ عقلي. وبدأتُ أصرخ بوجهه وأبكي وأهدّد وأتّهمه بالخيانة والكذب. نظرَ إليّ بحزن وأدارَ لي ظهره ودخل إلى قسم المسافرين وإختفى عن نظري. باقي الفريق لحقه وبقيتُ لوحدي وشعرتُ بخجل كبير تجاه الجميع.


لم يكلّمني زوجي طيلة فترة غيابه وكان معه حقّ. أوّلاً لأنني إقترفتُ خطأً كبيراً وثانياً لأنّ التحدّث بالموضوع عن بعد لن يُجدي. فضّلَ الإنتظار حتى يعود ليقول لي:

 

- إسمعيني... أنا مستعدّ أن أنسى ما حصل شرط أن تقدّمي إعتذاركِ لزميلتي وشرط أن تكفّي عن جنونكِ. أنا أحبّكِ ولا أحبّ غيركِ. إخترتكِ أنتِ لتكوني زوجتي وفارق العمر لا يزعجني. العمر هو رقم والمهمّ هو ما داخل الإنسان. ولكن بتصرّفكِ هذا أصبحتِ كالعجوز الممتعضة لدرجة أنّكِ لا تستطعين الإنجاب وأنا أريد طفلاً منكِ.

هدّئي من روعكِ ودعينا نعيش بسلام. وفي حال أردتُ غيركِ أعدكِ بأن أخبركِ بالأمر. لن أكذب يوماً عليكِ.

 

وفي تلك اللحظة، أدركتُ أنّه يحبّني فعلاً وأنّه عليّ الوثوق به أو الرحيل. فبقيتُ وعملتُ على نسيان مخاوفي. إعتذرتُ بحرارة من تلك المرأة وأصبحنا لاحقاً أعزّ الصديقات. وبمساعدة طبيب مختصّ، أنجبتُ صبيّاً سليم البُنية يشبه أبيه. أنا اليوم إنسانة سعيدة لا أفكّر سوى بسعادةعائلتي الصغيرة. ماذا يخبّىء لي المستقبل؟ لا أعلم ولا أريد أن أعلم لأنّ حاضري جميل وهذا يكفيني.

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button