إلى أي حدّ يصل كره أخ لأخيه؟

كانت حياتنا هنيئة قبل قسمة الميراث هذه وكان ما بين زوجي وأخوه رابط قوي فلم يتخيّل أحد يوماً أنّ مسألة بسيطة كماء الريّ ستسبب بمصيبة كبيرة.

بدأ كل شيء عندما مات والد رامي زوجي تاركاً وراءه أرض خصبة كبيرة ومنزلان بقرب بعضهما. في البدء لم ينوِ أحد أن تُقسّم تلك الأرض حتى أن تزوّج صالح أخ رامي وجاءت زوجته وطالبته أن يحصل على حقّه لكي يكون لها مردود خاص بها يشتري لها الثياب الجميلة والمجوهرات. حاول صالح أن يفهمها أن العائلة تأكل وتشرب وتسكن مع بعضها ولكنّها أصّرت وهدّدته حتى بهجره إن لم يفعل. ولأنّه كان يحبّها أكثر من عائلته سمع منها وطالب بحقّه. لم يعترض أحد وأخذ نصف الأرض وأحد البيوت حيث إنتقل مع زوجته وأمّه لأن زوجي وأنا كان لنا أربعة أولاد وكان قد بدأ يضيق بنا المكان. إعتقدنا أن كل شيء سيكون على ما يرام لولا مشكلة ريّ هاتين القطعتين من الأرض. فالماء كانت قليلة وإتفق الأخان أن يسقيا رزقهما بالتداور ولكن صالح كان دائماً يأخذ دورنا ويدير الماء على أرضه. سكتَ رامي لفترة ولكن عندما رأى مزروعاته تدبل قرّر أن يكلّم أخيه بالأمر. ونكر هذا الأخير متحججاً أن مزروعاته أفضل من مزروعاتنا ولكن الحقيقة كانت واضحة للعيان. نصحتُه بعدم التشاجر مع صالح لأنني كنتُ أعلم أن طبعه حاد وأنّه متهوّر وقلتُ له أن تجارة المواشي كانت تكفينا فأخذ بنصيحتي وهدأت الأحوال أو هكذا ظننّا.

فصالح باشر بإقامة حائط بين المنزلين من غير سبب مع أن أمّه حاولت إقناعه بعدم الفصل بين إبنيها لكن كنّتها كانت تنزعج من رؤية جيران لها أي نحن. هنا هدّدتهما حماتي وأجبرتهما على إيقاف الأشغال. حينها عَلِمَ زوجي أنّه فقد أخيه الذي ترعرع معه وتقاسم معه كل شيء.

ومرّت علينا أيّام هادئة ولكن كانت تبشّر بوقوع العاصفة. فبينما كان رامي قد نسيَ كل شيء وقبلَ أن تدبل حقوله كان صالح يغلي غيرة وغضباً ويخطّط لهلاك أخيه. فكانت زوجته قد حملته على كرهنا من دون سبب ومجرّد وجودنا باتَ يزعجه. وجاء ذاك يوم وعرضَ علينا شراء أرضنا ومنزلنا ولكننا رفضنا طبعاً فكانت حياتنا هنا ولم نتخيّل نفسنا نعيش في مكان آخر. 

ثم بدأت مواشينا تموت من دون سبب وعندما إستدعى رامي الطبيب البيطري قال له أنّه تم تسميمها وأنّه لن يقدر إنقاذها جميعها. علِمنا طبعاً هويّة الفاعل ولكن لم يكن لدينا دليل ضدّه. وكان لرامي صديق في الأمن العام فأخبره بما كان يجري ووعده هذا الأخير ببعث بعض العناصر عند صالح لتخويفه وردعه عن الإستمرار بالأذيّة. ولكن هذا كان خطأ كبيراً لأنّ غضبه تأجّج أكثر وأكثر.

وفي إحدى الليالي عندما كان رامي في حظيرة المواشي سمعتُ صوت طلقات ناريّة. لا أدري كيف ولكنني علمتُ فوراً أن مصيبة قد وقعت. خرجتُ حافية القدمين لأجد زوجي يسبح ببركة من دمه وأخوه واقفاً فوقه والبندقيّة في يده. نظر إليّ وقالَ بكل برودة:

- ظننتُ أنّه لصّ فأطلقتُ النار عليه.

ركضتُ إلى البيت وأقفلتُ الباب ورائي وطلبتُ الشرطة. أخذتُ أولادي إلى غرفة النوم وأوصدتها وإنتظرتُ المساعدة. بعد فترة قصيرة سمعتُ أصواتاً فعلمتُ أنّ الشرطة قد أتت. تركتُ الأولاد وخرجتُ أصرخ:

- قتلَ زوجي! هذا المجرم! إمسكوه!

أخذوا صالح للتحقيق معه وشرحَ لهم أنّه رأى ضوءاً في الحظيرة في وقت متأخر من الليل فظنّ أنّ أحداً يؤذي المواشي وعندما رأى رجلاً أطلقَ النار عليه. ومع أنّ التحرّي صديق زوجي كان يعلم بمشاكله مع أخيه لم يكن لديه دليل كافٍ لسجنه فأطلقَ صراحه بكفالة بإنتظار جلسة المحاكمة لتحديد مدى مسؤوليّته.

ووجدتُ نفسي من دون حبيبي وأب أولادي أبكي ليلاً نهاراً وهذا المجرم حيّ بالقرب مني. والأغرب في الأمر أنّ حماتي أعطت الحقّ لصالح مع أنّها تعلم في داخلها أنّه قصد قتل أخيه.

ولكن القدر يمهل ولا يهمل وكان لا بدَّ أنّ يلاقي صالح عقابه. جاء إليّ يوماً بكل وقاحة عارضاً عليّ شراء الأرض والمزرعة:

- أنتِ الآن لوحدكِ ولا تجيدين تلك الأعمال وبعد فترة قصيرة لن يكون لكِ أي مردود.

- كيف تجرؤ على القدوم إلى هنا بعد ما فعلتَ؟ ألهذا الحدّ انتَ بلا ضمير؟ نسيتَ أيّام الطفولة والمراهقة مع أخيك؟ كنتُ أحترمك وأكنُّ لك معزّة ولكن منذ ما دخلَت تلك المرأة على حياتك أنستك ذويك وكل مبادئ الشرف. أخرج من بيتي الآن ولا تعود أبداً وأطلب من الله أن يجعل من حياتك جحيماً وألا تذوق يوماً طعم الهناء أنتَ وتلك السافلة!

- لا أسمحُ لكِ! أصمتي أو…

- أوتقتلني مثلما قتلتَ أخاك؟ لِمَ لا تقتل أولادي أيضاً وأمّك؟ هيّا! لقد فقدت إنسنياتك وأصبحتَ وحشاً ضاراً.

نظرَ إليَّ بإستغراب وخرج بسرعة. وفي اليوم التالي وُجِدَ صالح في حقله ميتاً. كان قد شنقَ نفسه في أحد الأشجار بعدما إستوعب فظاعة عمله وبشاعة نفسه لأنّه لم يكن سيئاً بل أصبح هكذا حبّاً بزوجته وطمعاً بالرزق والمال. بعد فترة قصيرة باعت زوجة صالح كل أملاكه وذهبت إلى كندا عند أهلها. أمّا حماتي فرجِعت إلى بيتنا مذلولة لأنّها كانت أمّاً سيئة.

وإكراماً لرامي بقيتُ وقررتُ متابعة ما بدأه فجئتُ بمزارع ليساعدني بالأرض والمواشي لكي لا يكون موت زوجي سدى.

حاورتها بولا جهشان     

المزيد
back to top button