إفتِتان خطير (الجزء الأول)

كنّا مُتحابَّين وعلى وشَك إعلان خطوبتنا، عندما عادَت أسمى أختي لبضع أيّام مِن فرنسا حيث أنهَت دراستها العليا. ولحظة رآها عادل حبيبي، نسِيَ أمري على الفور. صحيح أنّني لاحظتُ كيف كان ينظرُ إليها وهي تتحدّث وتتحرّك، لكنّني ردَدتُ الأمر إلى عدَم معرفته لها. وخلال أيّام معدودة، باتَت اتّصالات عادل بي تخفّ ولقاءاتنا كذلك. وحين سألتُه عن موعد خطوبتنا، هو قالَ لي:

 

ـ أنا آسِف جدًّا لكنّني لن أمضيَ في علاقتي بكِ.

 

ـ ماذا؟!؟ إن كنتَ تمزَح فـَ...

 

ـ أنا جدّيّ للغاية. لا أُريدُ التمادي في الكذب عليكِ... فالحقيقة أنّني مُغرَم بأخرى.

 

ـ مُغرَم بأخرى؟ منذ متى؟!؟ لقد قلتَ لي إنّكَ تُحبُّني منذ أسبوع فقط، وإنّكَ لا تتصوّر العَيش مِن دوني على الاطلاق!

 

ـ وعنَيتُ ما قلتُه... آنذاك. لكنّ حدَثًا جاءَ ليُغيّر المُعطيات.

 

ـ أيّ حدَث تتكلّم عنه؟

 

ـ تعرّفتُ إلى أختكِ أسمى.

 

ـ وتوقّفتُ عن حبّي فجأة؟ بكلّ بساطة؟!؟

 

ـ أجل، فلقد فهمتُ أنّ مشاعري تجاهكِ ليست بالقوّة التي تصوّرتُها.

 

ـ وهل أنّ أسمى تُبادلكَ مشاعركَ؟

 

ـ لستُ أدري بعد، فأنا لَم أُفاتِحها بالأمر.

 

ـ أظنّ أنّكَ في حالة عابِرة لسبب أجهلُه، فكلامكَ ليس منطقيًّا على الاطلاق. سأُعطيكَ بعض الوقت لتستجمِع أفكاركَ وتستوعِب سخافة كلامكَ.

 

ـ إنتهى كلّ شيء بيننا. الوداع.

 

تصوّروا دهشتي وغضبي وضياعي لدى سماعي كلام عادل، وخلتُ أنّني أحلُم. فكيف لرجُل ناضِج أنّ يقَع في حبّ صبيّة رآها مرّة واحدة، ولا يعلَم إن كانت تُبادلِه الاعجاب بل يفسَخ علاقة متينة؟ ركضتُ إلى أمّي لأُطلِعها على ما حدَث، وكادَت المسكينة أن تُجَنّ ونادَت أختي لتستفسِر منها أكثر. كنتُ مُتشنِّجة لأقصى حدّ، وخفتُ مِن مواجهة أسمى ووقوع خلاف جدّيّ بيننا.

أسمى هي الأخرى تفاجأَت بالخبَر، وأنكَرت أن تكون مُعجبة بعادل، بل قالَت إنّها وجدَته رجُلاً عاديًّا للغاية. إضافة إلى ذلك، هي أطلعَتنا على وجود شخص في حياتها تعرّفَت إليه في الغربة، وتنوي ربط حياتها به حين تتأكّد مِن أنّ اختيارها له هو في محلّه. إرتاحَ قلبي، فتصوّروا شعوري لو أنّ أختي الوحيدة أخذَت منّي حبيبي! بعد ذلك، قرّرتُ الانتظار حتّى يعودَ عادل إلى صوابه، فكلّ شيء دلّ على أنّه يتصرّف مِن دون وعي، على الأرجح بسبب خوفٍ لدَيه مِن الارتباط. حاوَلتُ الاتّصال به مرّات عديدة إلا أنّه بقيَ يُقفِلُ الخط بوجهي فصمَّمتُ على عدَم التراجُع. الحقيقة أنّني كنتُ بالفعل أحبُّه، لكن أيضًا كان لدَيّ شعور بالخزيّ تجاه الناس والعائلة لو علِموا أنّ حبيبي الرسميّ تركَني فجأة. بالطبع لَم أكُن لأُطلِع أحدًا على السبب الحقيقيّ، لكن يكفي أن ينبذَني الذي أرادَني زوجة له.

ثمّ خطَرَ ببالي أن أطلُبَ مِن أسمى أن تُكلِّم عادل وتقولُ له إنّها لا تُريدُه بل تُحبّ آخَرًا، فذلك قد يضَع حدًّا لتصوّراته. لكنّ أختي بدَت مُتردِّدة:

 

ـ لا أدري إن كان ذلك صائبًا... لِما لا تتركيه يُفكّرُ بما يفعلُه، فقد يَعي مِن تلقاء نفسه أنّ المسألة بالفعل غير منطقيّة.

 

ـ لَم أعُد أُطيقُ الانتظار يا أسمى... ضعي نفسكِ مكاني للحظة!

 

ـ أفهَم وضعكِ تمامًا... حسنًا... أعطني رقم هاتفه وسأُكلّمه."

 

أعطَيتُها الرقم وهي اتّصلَت به ووضَعَته على مُكبِّر الصوت. وحين قالَت له مَن تكون، قالَ لها:

 

ـ وأخيرًا يا أسمى... كَم تمنّيتُ أن أسمَعَ صوتكِ مُجدّدًا... لو تعلَمين كَم...

 

ـ إسمَع يا عادل... أنا آسِفة لكنّني لا أُشاطرُكَ مشاعركَ، فمِن الأفضل أن تنسى الموضوع برمّته وتعودَ لأختي، فهي تُحبّكَ كثيرًا.

 

ـ أعلَم أنّني كنتُ قاسيًا معها لكن لا رجوع عمّا حصل... فحتّى لو أنّكِ لا تُريديني، فهمتُ أنّني لستُ مُغرمًا بأختكِ. فلو كنتُ أحبُّها كفاية، لمَا وقعتُ في حبّكِ مِن أوّل نظرة.

 

ـ إنّه افتِتان يا عادل، أنتَ لا تُحبُّني.

 

ـ إنّها مشاعري وأعرفُها أكثر منكِ. أنا مجنون بكِ يا أسمى! هل هناك أيّ احتمال بأنّ تُحبّيني يومًا؟

 

ـ أنا مُرتبِطة وواقعة في غرام رجُل أنوي الزواج منه. عليكَ أن تنساني.

 

شكرتُ أختي ضمنيًّا على كلامها الواضح والحازِم مع عادل، وحسبتُ أنّ ذلك سيكون كافيًا لإقناع حبيبي أنّه يتوهّم أمورًا ليست واقعيّة. طمأنَتني أمّي ورحتُ أنام وشبه بسمة على وجهي. بعد أيّام قليلة، عادَت أسمى إلى فرنسا لإنهاء بعض المُعاملات المُتعلِّقة بإقامتها وشهادتها، لترجَع لاحقًا نهائيًّا إلى البلَد وتبدأ بالعمَل. ودّعتُها بحزن فكنتُ قد انشغلتُ بمسألة عادل، ولَم أستغِلّ فترة وجودها بيننا. إلا أنّها أكّدَت لي أنّ غيابها لن يطول بل أنّها ستكون بيننا في غضون شهر. وعدتُها بأنّ عادل سيكون قد استرجَعَ رشده، وأنّنا سننتظر عودتها للاحتفال بخطوبتنا.

لكنّ حبيبي حظَرَني على هاتفه وكلّ مواقِع التواصل الاجتماعيّ، فلَم أعُد قادرة على الاتّصال به على الاطلاق. بدلاً مِن ذلك، أوكَلتُ ابن خالتي الذي كان صديقه، أن يُبقيني على عِلم بما يحصلُ لعادل.

وهكذا علِمتُ أنّ عادل سافَرَ بسرعة إلى فرنسا فخفتُ على أختي كثيرًا. فكان مِن الواضح أنّ حبيبي فقَدَ صوابه تمامًا ليقومَ بهذه الخطوة. طمأنَتني أسمى بأنّها ستأخذ حذَرها، وبأنّ صديقها هناك سيحميها إن حاوَلَ عادل التعرّض لها. كان بالي مشغولاً على أختي لدرجة أنّني لَم أكترِث كثيرًا لعواطفي المجروحة، فسلامة أسمى تأتي قَبل كلّ شيء! عرَضَ عليّ ابن خالتي أن نلحَق بعادل إلا أنّني رفضتُ ذلك، فماذا سأقولُ لرجُل جنّ فجأة ولا يُريدُ التعامل معي على الاطلاق؟ مِن الأفضل أن أنتظِر حتى يهدأ لأتفاهَم معه. كنتُ قد صِرتُ مُتأكّدة مِن أنّ حبيبي يُعاني مِن مشكلة نفسيّة، ورأيتُ أنّه مِن الأفضل لو أسأل أمّه عمّا قد عانى منه عندما كان صغيرًا، فقد أفهَم قليلاً ما يجري.

نكَرَت أمّ عادل أن يكون ابنها مُضطرِبًا أو لدَيه أيّ مُشكلة نفسيّة بل لامَتني أنا على ما حصَل:

 

ـ لو كنتِ على قَدر الحِمل، لَما هرَبَ ابني منكِ. ها هو قد سافَرَ بسرعة إلى ذلك البلَد والله وحده يعرفُ ما سيحصل له. أرى أنّ مِن الأفضل ألا يتزوّجكِ عادل وأشكرُ ربّي أنّه فتَحَ عَينَيه قَبل فوات الأوان.

 

ـ ما هذا الكلام البشِع؟!؟ كنتِ تُحبّيني منذ فترة قصيرة... أتذكّر أنّكِ شجّعتِ ابنكِ على الارتباط بي، أهكذا تُبدّلين رأيكِ؟ أرى أنّ عادل مزاجيّ مثلكِ، إبن أمّه حقًّا! وداعًا يا... أمّ عادل!

 

بكيتُ كثيرًا لهذا الكمّ مِن الإهانة، ولَم يعُد يهمُّني على الاطلاق إن كان سيُحبّني عادل مِن جديد أم لا. المُهمّ ألا يتسبّب بمشكلة لأختي وصديقها!

رأيتُ كابوسًا رهيبًا في تلك الليلة واستيقظتُ مذعورة، لقد رأيتُ أختي مُغطّاة بالدماء وعادل ماسكًا بسكين كبير وراكعًا بالقرب مِن جثّتها. أسرعتُ بالاتصال بأسمى التي طمأنَتني بأنّها بخير، وقالَت لي إنّ عليّ التخفيف مِن قلَقي. عدتُ إلى النوم ولا أزالُ مُضطرِبة.

بعد يومَين، خابرَني ابن خالتي:

 

ـ إتّصَلَ بي عادل وكان في حالة أصِفُها بالمُقلِقة، فهو، أثناء مُتابعته لها، رأى أسمى برفقة صديقها، الأمر الذي أغضبَه إلى أقصى درجة. علينا السفَر، فقد يهدأ عادل لو تكلّمنا معه.

 

ـ أنا خائفة... ليس على نفسي بل على أختي. فقد تكون على حقّ. سأُحضِّرُ حقيبتي.

 

لَم أقُل لأمّي إنّ أسمى قد تكون بخطر، بل أّنّها دعَتني وابن خالتي لتمضية بضع أيّام معها بغرَض السياحة، وذلك لإراحة أعصابي بعد الذي فعلَه بي عادل. ودّعَتني والدتي والبسمة على وجهها... مِن الجيّد أنّها لا تدري كَم أنّ الموقف دقيق!

طرتُ وقريبي، ووصَلنا إلى فرنسا وكانت أسمى بانتظارنا في المطار. تعانَقنا ورحنا إلى شقّتها اللطيفة، حيث تحدّثنا عن عادل وما قد ينوي فعله. توافَقنا على أنّه بالفعل مجنون وعلينا حلّ المسألة بأسرع وقت، خاصّة أنّ أختي لن تتمكّن مِن العودة إلى بلدنا قَبل حصولها على أوراقها. وعدَتني أسمى بأنّها ستُعرّفني وابن خالتي على صديقها في اليوم التالي لكنّ اتّصالاً منه غيّرَ كلّ شيء. فقَبل أن نخلد إلى النوم هو قالَ لها عبر الهاتف:

 

ـ لا أُريدُ المشاكل... مِن الأفضل أن نقطَع علاقتنا. أنا رجُل مُسالِم ولدَيّ مسؤوليّات، وأنتِ على ما يبدو مصدر قلَق أنا بغِنى عنه. الوداع.

 

وأقفَل الخط قبَل أن يتسنّى لأسمى معرفة المزيد. وكان مِن الواضح أنّ لعادل دخلاً بالموضوع. الله يستُر!

 

يتبع...

المزيد
back to top button