إغواء خطر

في عمر الخامسة والأربعين، كنتُ لا أزال جذّابة وممشوقة القوام، ربمّا لأنّني لم أنجب، وكانت حياتي الزوجيّة جيّدة مع أنّ الروتين كان قد احتلّ حياتنا منذ وقت طويل. فعشرون سنة زواج هي كافية لقتل الحبّ الخجول الذي كان موجودًا في البدء. عندما أفكّر بالأمر، أجد أنّ زوجي لم يُحبّني حقًّا بل شدّه الإرث الذي حصلتُ عليه بعد موت أبي.

كان مُعين يقضي معظم وقته في المكتب أو السّفر بعد أن استلم شركة أبي في حين لم يكن إلا موظّفًا عاديًّا فيها، ومِن جهّتي، كنتُ محاطة بمجموعة أصدقاء خفّفوا عنّي شعوري بالوحدة والملل. وعندما كنتُ أجلس مع زوجي في المساء، كنّا نتبادل بضع كلمات، ونادرًا ما كنّا نقوم بواجباتنا الزوجيّة إذ لم يعد لأيّ منّا رغبة تجاه الآخر.

في قرارة نفسي كنتُ أشعر أنّني أستحقّ أفضل مِن تلك الحياة الباهتة، وكنتُ أودّ إيجاد عمل يُعطي طعمًا لأيّامي. ولكن بسبب عدم خبرتي في أيّ مجال، كان مِن المستحيل أن أجد ما يُناسب وريثة ثريّة. أمّا في ما يخصّ فتح محل ألبسة، فلم أرَ نفسي أقضي ساعات أقنع زبونة بشراء فستان أو جزدان.

وذات يوم تعرّفتُ إلى أحدهم. الحقيقة أنّه هو الذي جاء إليّ معرّفًا بنفسه وقائلاً:

 

ـ إسمي رامز... رأيتُكِ مرارًا في هذا المجمّع التجاريّ ولكنّكِ دائمًا محاطة بصديقاتكِ... اليوم والحمد لله، أنتِ وحدكِ!

 

وتابع مثنيًا على جمالي وجاذبّيتي "التي لا تُقاوم"، وضحكتُ عاليًا، أوّلاً لأنّه كان يبدو مقتنعًا بالذي يقوله، وثانيًا لأنّني لم أسمع هكذا إطراء منذ زمن بعيد.

 


شكرتُه على كلامه الجميل وأضفتُ أنّني متزوّجة فأجاب:

 

ـ لا يهمنّي الأمر... وجود زوج لن يُبعدني عنكِ بعدما نجحتُ باستقطاب انتباهكِ.

 

فضّلتُ الرّحيل قبل أن أبدو وكأنّني أشجعّه. صَرَخَ لي عندما ابتعدتُ عنه:

 

ـ قولي لي ما اسمكِ على الأقل!

 

ـ ميرفت.

 

عدتُ إلى البيت فرحة بسبب اهتمام ذلك الشاب اللطيف وفي اليوم التالي صادَفتُ رامز مجدّدًا، كان جالسًا إلى طاولة في المقهى المفضّل عندي، وعندما وصَلتُ مع صديقاتي نظَرَ إليّ بحنان واهتمام وأنا ابتسَمتُ له.

منذ ذلك اليوم صِرتُ أرى ذلك الشاب أينما ذهبتُ، وكأنّه لا يفعل شيئًا سوى انتظاري في الأماكن التي أتردّد إليها.

بقيّ رامز يُصرّ عليّ كي نلتقي نحن الإثنَين حول فنجان قهوة إلى أن قبلتُ أخيرًا. ووجدتُه مسلّيًا وذكيًّا وجذّابًا أي عكس معين تمامًا.

صرنا نلتقي بانتظام، وعندما كنتُ برفقته كنتُ أجد صعوبة بالعودة إلى البيت إذ كنتُ أرى نفسي مِن خلال عَينَيه، أي جميلة وجذّابة وقادرة على نَيل إعجاب الرجال.

ولاحَظَ كلّ مَن يعرفَني تغيّرًا ملحوظًا بطباعي، فقد صِرتُ أكثر فرحًا وأرتدي ثيابًا ملوّنة وعصريّة، إلا زوجي الذي لم يكن يراني حتى، وكأنّني مجرّد جزء مِن ديكور البيت. ولكنّ الأمر لم يعد يُحبطني بعد أن أصبَحَ لدَيَّ معجب.

وبدأتُ أنتظر بفارغ الصبر وصول مواعيدي مع رامز ولم أفكّر بما ستؤول إليه، حتى أعرَبَ معجَبي عن رغبته بأن نجلس لوحدنا:

 

ـ لقد سئمتُ مِن الأماكن العامة... أتوق إلى أخذكِ بين ذراعَيَّ يا ميرفت وأن أداعب شعركِ وأقبّلكِ.

 

ولدى سماعي ذلك، إرتعَشتُ مِن الرّغبة والرّهبة، لأنّ فكرة خيانة زوجي لم تلمس فكري أبدًا. كنتُ قد تربَّيتُ على أسس متينة، منها الوفاء للشريك، لذلك رفضتُ بقوّة.

ولكنّ رامز لم يكن مِن الذين يستسلمون بسهولة، فصار يضغط عليّ باستمرار. ولأنّني امرأة محرومة مِن الحنان والأهتمام، قبلتُ معه.

 

إتفقنا أن نلتقي في مكان هادئ، أي فندق لا يتردّد عليه الكثير وفي زاوية مِن سفح الجبل:

 


ـ هناك لن يعرف أحد بنا يا حبيبتي... أعدكِ بذلك.

 

في الليلة المذكورة أخذتُ أحضّر نفسي لأكون الأجمل بعد أن اشترَيتُ ملابس داخليّة مثيرة، الأمر الذي لم أعد أفعله منذ وقت طويل. كنتُ متحمّسة جدًّا لفكرة استعادة زمَن حيث كانت المشاعر والاحاسيس قويّة، أي عندما كنتُ محبوبة.

كان معين زوجي مسافرًا بعيدًا ولم أكن لأخشى عودته، لِذا أخذتُ سيّارة أجرة قادَتني إلى الفندق. ولكن عندما وصلنا أمام المكان، سكَنَني الخوف والنّدَم وبدَّلتُ رأيي. لم أكن مستعدّة لخيانة زوجي مهما كانت الأسباب. جلستُ في سيّارة الأجرة لأستعيد أفكاري، فكيف تصوّرتُ حتى أن أخطوَ هكذا خطوة؟ صحيح أنّ رامز كان ينتظرني بفارغ الصبر في غرفة الفندق، ولكنّ الأمر لم يعد يهمّني ولم أعد واثقة أبدًا مِن حبّه لي.

ولحظة ما أدارَ سائق الأجرة سيّارته لاعادتي إلى البيت، لمَحتُ شخصًا شكله مألوف يمرّ قرب السيّارة ويدخل ردهة الفندق، وأدرَكتُ بعد ثوان أنّه زوجي معين. ماذا كان يفعل هنا، ألم يكن مِن المفروض به أن يكون في آخر الكرة الأرضيّة؟ وكيف علِمَ أنّني آتية إلى الفندق في حين لم يكن أحد على علم بذلك سوى رامز، خاصة أنّني لم أذكر الأمر في أيّة رسالة هاتفيّة ليجدها زوجي؟

كنتُ متأكّدة مِن أنّ الأمر لم يكن صدفة. طلبتُ مِن السائق أن يوقف المحرّك وانتظرنا بضع دقائق حتى رأيتُ زوجي يخرج مستاءً مِن الفندق، وشكرتُ ربّي أنّني تراجعتُ في آخر لحظة وإلا وجدتُ نفسي وجهًا لوجه معه.

عاد زوجي مِن "سفره" في اليوم التالي، ولم يسألني شيئًا ولم أثِر مِن جهّتي الموضوع، ولكنّني كنتُ مصمّمة على الحصول على أجوبة، فبدأتُ أفتّش في أمتعته وهاتفه، وكانت تلك أوّل مرّة أفعل ذلك ولكن كانت للضرورة أحكامها. وجدتُ أنّه على تواصل مع رامز وأيضًا مع امرأة إسمها سامية كانت تتبادل معه رسائل حميمة جدًّا، وفهمتُ سبب غياب معين وعدم اهتمامه بي.

لِذا قرّرتُ مواجهة رامز الذي اعترَفَ لي، بعد أن هدّدتُه بإبلاغ الشرطة، أنّ زوجي دفَعَ له كي يغويني ويقنعني بالذهاب إلى الفندق، حيث كان قد خبّأ كاميرا لتصوير ما كنّا سنفعله. وكان مِن المقرَّر أن يصل معين ويضبطنا بالجرم المشهود. عندها سألتُه:

 

ـ لماذا لم يطلب زوجي الطلاق ليكون مع عشيقته بكلّ بساطة؟

 

ـ ويخسر الملايين؟ كان سيستعمل الفيلم ليبتزّكِ وأخذ كلّ ما لدَيكِ لتتجنّبي الفضيحة.

 

إشمأزّيتُ مِن زوجي ومِن رامز، فقلتُ له:

 

ـ إختفِ قبل أن أزجّكَ في السجن أيّها الفاشل! ولا تحاول إنذار معين وإلا...

 

ـ لن أفعل، ولكن حذارِ مِن زوجكِ فهو مصرّ على التخلّص منكِ... لقد استعانَ بي لإغوائكِ وقد يستعين بآخر لـ...

 

إقشعَرَّ بدَني وركضتُ إلى البيت أجمع حقيبة، وقصدتُ محامية شهيرة وأخبرتُها كلّ شيء. طمأنَتني وقالَت لي إنّني محظوظة أن أكون على قَيد الحياة... وبدأنا بدعوى الطلاق.

في تلك الأثناء بقيَ معين يجهل كلّ شيء، واعتقَدَ أنّ خطّته تأجّلَت فقط ولم يكن تنفيذها سوى مسألة وقت.

بعثتُ له بواسطة محاميتي رغبتي بإنهاء زواجنا بطريقة وديّة وأنّني مستعدّة لدفع مبلغ لذلك وطلبتُ منه أن يترك شركة أبي فكان قد استفادَ منها بما فيه الكفاية منذ تسلّمها.

قبَضَ معين مبلغًا كبيرًا، ووقّع أوراق الطلاق واختفى مِن حياتي وارتحتُ كثيرًا. صحيح أنّني أضعتُ سنينًا طويلة مِن حياتي، ولكنّني كنتُ قد أصبحتُ حرّة أخيرًا. لم أندم على زوجي فهو لم يُحبّني ولم يُحاول يومًا.

بعد سنتَين، سمعتُ أنّ معين استثمر المال الذي أخَذه منّي بمشاريع فاشلة وخسر كلّ شيء، وتكفّلَت سامية بصرف ما تبقّى، واصبَحَ زوجي السابق مِن دون شيء، أي كما كان يجب أن يكون منذ البدء!

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button