عندما لاحظتُ أنّ خطيبي ماهر يغار عليّ وجدتُ ذلك لطيفاً وفرحتُ أنّ الرجل الذي أحببتُه يريدني له وحده. ولكنّني خلطتُ بين الغيرة السليمة الطبيعيّة والغيرة المرَضيّة التي لا تعرف أيّ منطق وتتحوّل يوماً إلى شرّ يمكنه أن يبلغ أقصى الحدود. وللأسف إختبرتُ ذلك الشرّ ودفعتُ ثمَن حبّي لِشخص لم يثق بأحد حتى بنفسه. ويا ليتَني تراجعتُ عن الزواج منه حين أبلَغني قبل أيّام مِن ذلك أنّه لا يريد أن أتبرّج يوم زفافنا. ورغم بكائي وتوسّلاتي لم يغيّر رأيه بل بقيَ مصرّ على موقفه حتى أن إنتصَرَ على إرادتي. وهكذا كنتُ على ما أظنّ أقبَح وأتعَس عروس على وجه الأرض. ولأنّني كنتُ لا أزال ساذجة إعتقدتُ أنّه سيتغيّر عندما نتزوّج ونعيش تحت سقف واحد ويعلم كم أحبّه وكم أنا مُخلصة له. ولكنّ الأمور إزدادَت سوءً لحظة حملتُ إسمه لأنّه إعتبرَني ملكاً له وإرتأى أنّ لا أحد سواه له الحقّ في مقاربتي أو حتى النظر إليّ.
وحين أرادَت صديقاتي وبنات عمّي الإلتقاء بي قرّرَ ماهر أنّ عليهنّ المجيء إلى بيتنا وليس العكس وأنّ الخروج معهنّ كان غير مقبولاً. ولكن بعد فترة خافَ زوجي أن تكون تلك الصديقات تجِئنَ لي بالأفكار السيّئة والأخبار على رجال آخرين فمنعَني مِن رؤيتهنّ أينما كُنَّ. وحزِنتُ كثيراً لفقدان اللوات رافقَتني طوال حياتي ووقفَت إلى جانبي بأصعب الأوقات وأسفِتُ أن أكون ضعيفة إلى حدّ القبول بالظلم. وسرعان ما بدأ ماهر يتضايق مِن أهلي خاصة مِن أخي وسيم الذي لاحظَ غيرة زوجي ونبّهَني منها مراراً دون جدوى فقرّرَ أن يأتي بإستمرار لتفقّدي.
وبدأت المشاكل بين الرجلَين خاصة بعدما علِمَ وسيم بأمر إبعاد صديقاتي وقريباتي فحاولَ التكلمّ مع ماهر ولكن جاوبَه هذا الأخير:
ـ هذا ليس مِن شأنكَ! هذه زوجتي!
ـ وهذه أختي! وكانت أختي قبل أن تكون زوجتَكَ!
ـ هذا لا يهمّ... الآن أصبحَت لي!
ـ هي ليست غَرَضاً تشتريه أو قطعة ارض تضعها بإسمكَ بل هي كائن بشريّ لا يمكن لأحد أن يستملكه...
ـ حسناً... هذا بيتي وأمنعُكَ مِن المجيء إلى هنا... هل أستطيع فعل ذلك أم أنّكَ ستقول لي أنّ البيت ليس ملكي؟
ـ بلى... لن آتيَ بعد الآن ولكنّ ذلك لا يعني أنّني لن أكون موجوداً...
ولم يبقَ سوى أمّي التي أذِنَ لها ماهر رغماً عنه برؤيتي وكانت الوحيدة التي أستطيع إخبارها بالذي أعاني منه خاصة بعدما أخذَ زوجي منّي هاتفي الخليويّ وقطعَ الخط الأارضيّ.
لماذا فعلَ كل ذلك؟ لستُ أدري فلم أُخطئ يوماً بحقّه ولم أوحي له بأنّني إمرأة غير صالحة.
وبدأتُ أقضي أيّامي بالبكاء الأمر الذي أغضبَ ماهر لأنّه لم يفهم سبب تعاستي معتبراً أنّه يؤمِّن لي كل ما كنتُ أحتاجه. فباتَ يصرخ بي عالياً ويشتمني ويتأسّف على الزواج مِن إمرأة لا تعرف سوى البكاء. ووسط هذه الدوامة بقيَ أخي يسأل عنّي وعن حالتي عندما كان يأتي إلى أسفل المبنى وأكلّمه مِن عن الشرفة. ولكنّ الجيران أخبروا زوجي بالأمر فواجَهَني وإعترفتُ له أنّني لا أزال على صلة بوسيم. عندها ضربَني بوحشيّة لا توصَف وهدّدَني بالقتل إن حاولتُ رؤية أخي مجدّداً.
وفي اليوم التالي وبينما كان ماهر في العمل حزمتُ أمتعَتي وهربتُ إلى منزل أهلي. وحين عادَ ولم يجِدني ركضَ يخبّط على بابنا فخرجَ أخي وقال له:
ـ هذا بيتي وأمنعكَ مِن المجيء إلى هنا.
ـ أريد زوجتي!
ـ سنتقابل في المحكمة.
وربحتُ قضيّة الطلاق بعدما شهِدَ الجميع على ما فعله بي زوجي وظننتُ أنّني وأخيراً سأستطيع العيش بطريقة طبيعيّة. إلاّ أنّ ماهر لم يكن مستعدّاً لِتركي لأحد غيره فبدأ يشيع لِمَن قَبِلَ أن يسمعه بأنّه هو الذي طلّقني بعدما إكتشفَ أنّني على علاقة حميمة مع أخي. ولم يصِلني الخبر إلاّ بعدما إنتشرَ بين العالم وجاءَ وسيم في ذاك نهار وطلبَ منّي التكلّم على إنفراد:
ـ هذا السافل المنحطّ...
ـ ما الأمر؟ عّمَن تتكلّم؟
ـ زوجكِ السابق... يقول للناس أنّه هو الذي لم يعد يريدكِ بعدما تبيّنَ له أنّنا... أعني أنّ هناك أشياء تجري بيننا...
ـ لم أفهم... أيّ أشياء وبين مَن؟
ـ يقول أنّني أعاشركِ!
ـ ماذا؟؟؟ وهل هذا يُعقل؟ مِن أين جاء بهذه الفكرة البذيئة؟
ـ مِن رأسه المريض.
ـ لن يصدّقه أحد! الكلّ يعرفننا جيّداً ويعرف أخلاقنا الحميدة... لن أقَع ضحيتّه مجدّداً خاصة بعدما تخلّصتُ مِن السجن الذي عشتُ به معه... لا تَخَف يا أخي... سيزول الأمر قريباً.
ولكنّني كنتُ مخطئة لأنّ هكذا خبر يبقى في ذهن الناس طويلاً لِكثرة بشاعته المنافية للطبيعة وكنتُ سأعرف مدى الأذى الذي لحِقَ بي عندما تعرّفتُ بعد فترة إلى شاب أحببتُه بِسبب حنانه وإهتمامه براحتي وإحترامه لِكياني. وبدأنا نتواعد أصبحتُ متفائلة بالحياة وأتجرّأ على الوثوق بِرجل. وقرّرنا أن نتزوّج وأن نبني عائلة جميلة يربطها الحب والإحترام. إلاّ أنّ حبيبي بدأ يتهرّب منّي وكأنّه غيّر رأيه. ولم يخطر على بالي أبداً أنّ السبب هو سماعه للإشاعات التي بثّها عنّي ماهر حتى أن سألتُه عن فتوره تجاهي. عندها قال لي:
ـ هناك أقاويل... حول علاقتكِ بأخيكِ...
ـ هذا كذب ونفاق! كيف تصدّق شيئاً كهذا؟ ألا تعرف أنّني لا أستطيع فعل ذلك؟
ـ الحقيقة أنّني لا أعرفكِ جيّداً...
ـ ولكنّكَ تستطيع التمييز!
ـ ليس هناك دخان مِن دون نار...
ـ ولكن كل ذلك غير صحيح! إخترعَ زوجي السابق هذه القصّة لينتقم منّي لأنّني طلّقتُه! أرجوكَ صدّقني!
ـ حتى لو صدّقتكِ فهناك الناس... هم لا يرحمون... سيقولون أنّني تزوّجتُ مِن إمرأة تعاشر أخيها ولا أستطيع تحمّل ذلك.
ـ إذاً لستَ الرجل الذي أريده في حياتي... لستَ قويّاً كفاية... إرحَل... لن أتأسّف عليكَ.
ورَحَلَ ولم يأتِ أحد سواه بسبب تلك القصّة. ولكنّني لم أفقد الأمل ولا أزال أنتظر رجل أحلامي الذي سيكون واعياً كفاية لتجنّب الوقوع بفخّ ماهر. أمّا وسيم ففضّل السفر بعيداً متأمّلاً أنّ برحيله سأتمكّن مِن العثور على زوج.
حاورتها بولا جهشان