لم أكن مستعدّ بعد بأن أتزوج مِن هناء لِعدم توفرّ المبلغ اللازم لشراء منزلاً لنا، ولم أكن أريد هدر المال على دفع الإيجارات. ولِذا طلبتُ منها الأنتظار سنة أو سنتين ولكنّ أهلها كانا مصُّرَّين على أن نرتبط، خوفاً مِن كلام الناس وعرضا علينا العيش معهما إلى حين يصبح لديّ ما يكفي. لم أكن متحمّساً للفكرة، لأنّني أردتُ أن يكون لنا مكاننا الخاص بنا وقبلتُ على مضد، فقط لأنّ والديّ هناء كانا أناساً طيّبين. وهكذا، أنتقلنا إلى منزلهما بعد الزفاف وإستقرَينا بالغرفة التي خُصِّصَت لنا والتي فرشتُها بإثاث جديد وعصري. ولكي يفهم الجميع الذي حدثَ معي لاحقاّ، فعليّ أن أتكلم عن أهل زوجتي قليلاً.
كان مُنير الأب، رجلاً هادئاً ومحبّاً، لا يتكلّم كثيراً ويوافق على كل قرارات عزيزة زوجته والتي كانت تعرف ما تريد ولا تتردّد على إبداء رأيها عالياً وتدير المنزل بيد مِن حديد. وكان لِهناء شقيقة متزوّجة مِن رجل لطيف، ويسكنان في منطقة بعيدة مع أن مقرّ عملهما هو في العاصمة. أمّا عائلتي، فكانت أصبحَت صغيرة بعد ما توفّيَ والديّ ولم يبقى لي سوى أخي الكبير الذي انتقلَ إلى أوروبا مِن سنين عديدة. لِذا أعتبرتُ أنّ أهل زوجتي هم عائلتي الجديدة وقرّرتُ أن أكون أبنهم. وعندما سكنّا سويّاً، سارَت الأمور بشكل جيدّ جداً: نذهب انا وهناء إلى أشغالنا ونعود في المساء لِنجد طعامنا جاهزاً بفضل حماتي. وخلال فرصَة نهاية الأسبوع والأعياد، كنتُ أصَتحب حماويّ إلى المطعم ونذهب إلى الجبل أو شاطئ البحر لِقضاء النهار. ولكن ومع مرور الوقت، بدأتُ الاحظ تغيّراً في معاملة عزيزة لي، فأصبحَت تعير أهميّة كبيرة لِراحتي ولِكل ما أحبّه. وبالطبع ظننتُ أنّها تكرّمني، لأنّني صهرها وتريدني أن أكون مرتاحاً عندها وأن أسعد إبنتها ولكن الأمر صارَ يتخطّى حدود المقبول خاصة عندما كانت تهمل الجميع بسببي. فلم تعد تعدِّ الطباق التي يحبّها زوجها وعندما كان يسألها عن السبب، كانت تجيبه:
ـ لأنّ صهري العزيز لا يحبّها... لا تجادلني يا مُنير... أفعل ما أشاء... وان لم تكن راضياً فتفضّل بالطهو بنفسكَ!
وتغيرّ لبسها وشكلها بكامله وبدل الفساتين العاديّة، بدأت ترتدي التنانير القصيرة والحذاء العالي وتضع على وجهها المساحيق. وبعدما سمعَتني أقول في ذاك مرة أنّني أحببتُ هناء لأنّها شقراء، ركضَت إلى مصفّف الشعر وخَرَجت من عنده شقراء. وحين لفتُ نظر زوجتي إلى سلوك أمّها الجديد، ضحِكت وقالت:
ـ المرأة وكذلك الرجل يمّرون بمرحلة عندما يصلون إلى منتصف عمرهم ويتصّرفون كالمراهقين... أنّها محاولة لأعادة جاذبيّة ّيعتقدون أنّهم فقدوها... ستهدأ والدتي مع الوقت وتعود كما كانت... هل يزعجكَ الأمر؟
ـ أبداً... أردتُ فقط مشاركتَكِ أفكاري... لا أقصد شيئاً بالتحديد.
ولكنّني شعرتُ أنّ كل ما كانت تفعله عزيزة، كان موجّهاً لي ولم أرِد طبعاً أن تعرف زوجتي أنّ امّها تحاول أغوائي. وأعتقدتُ أنّ الأمر سيقف عند ذلك الحد ويبقى بريئاً حتى أن جاء النهار الذي فهمتُ فيه أنّني في مأزق كبير. كانت هناء قد أخذَت أباها إلى المستشفى بسبب ألم حاد في صدره ووجدتُ نفسي لِوحدي مع حماتي عند عودتي إلى المنزل. وبدل أن تكون عزيزة مشغولة البال على زوجها، كانت ترتدي قميص نوم مغري وعطور مثيرة. سألتُ عن مكان زوجتي، فأخبرَتني بالذي حصل وأنّ إبنتها ستبقى مع والدها طوال الليل وأضافَت أنّ لا أحد سيزعجنا. عندها سألتُها:
ـ ماذا تقصدين؟
ـ أعني أنّنا لِوحدنا حتى الغد... لا تخاف... لن يعرف أحد بما سيحصل بيننا...
ـ لن يحصل شيئاً بيننا!
ـ هل تظنّ أنّني لم الأحظ كيف تنظر إليّ؟ عليكَ أن تنتبه الاّ يُكشَف أمركَ...
ـ أنا لا أنظر أليكِ! أعني ليس كما تظنينّ! انتِ حماتي! وأحبّ زوجتي كثيراً... عزيزة... لابدّ أنكِ تمزحين...
ـ تحب زوجتَكَ؟ تحب تلك الفتاة السخيفة؟ ليست إمرأة حقيقيّة! أمّا أنا...فأعرف كيف أعامل رجُلي... سترى... ستختبر معي أموراً لم تخطر على بالكَ...
ـ كفّي عن هذا الكلام البذيء! سأرحل الآن وألحق بزوجتي في المستشفى.
ـ لن تفعل! إن رحلتَ سأخبر الجميع بأنّكَ حَاولت أغتصابي... وأنا متأكدّة أنّهم سيصدقوّنني فأنا إمرأة شريفة.
ـ شريفة؟ دعيني أضحك! زوجكِ في خطر وأنتِ شبه عارية تحاولين ممارسة الجنس مع صهركِ... أنا ذاهب! أفعلي ما تريدينه!
وخَرجتُ بِغضب وركبتُ سيّارتي. ولكن أثناء الرحلة، إنتابني شعور بالخوف. كانت عزيزة إمرأة قويّة ولها تأثيراً قويّاً على زوجها ولم تكن هناء تعرفني كفاية لتصديقي وتكذيب أمّها. وخطرَ على بالي أن أعود إلى عزيزة وأطلب منها الأّ تنفّذ تهديدها ولكنّني لم أفعل خوفاً مِن أن تحاول أغرائي مجدّداً. وعندما وصلتُ إلى المستشفى، عانقتُ زوجتي بقوّة وبقيتُ معها حتى الصباح. سألَتني عن أمّها، فأجبتُها:”بالكاد تبادلتُ الحديث معها لأنّني وبعدما أخبرَتني بالذي حصل، ركضتُ إلى هنا لأطمئنّ على أبيكِ وعليكِ”. وفي اليوم التالي، أعَدنا مُنير إلى المنزل وخشيتُ أن تقول عزيزة شيئاً لهناء، لذا حاولتُ تجنبّها قدر المستطاع. أمّا هي، فتظاهرَت أنّها ليست غاضبة منّي وتصّرَفت بشكل طبيعي. ولكن بعد ساعات، جاءت اليّ بينما كنتُ لوحدي في المطبخ وقالت لي:
ـ لا يغشّكَ تصرّفي الوديّ معكَ... لم تنتهِ القصّة... سافعل ما بوسعي لكي تترككَ هناء... كنتُ على وشك أن أفعل الشيء نفسه مع أبنتي الثانية ولكنّ زوجها أخذَها بعيداً... بناتي لا تجِدنَ أختيار الرجال... في البدء ظننتُ أنكَّ ستكون أفضل مِن ذلك الآخر ولكن... مال أمر؟ ألستُ جميلة أو جذّابة كفاية لكما؟ إنّني إمرأة ناضجة ولديّ خبرة كبيرة... أمامَكَ فرصة أخيرة لِتغّير رأيكَ والإّ تعلم ما الذي سأفعله... أو بالأحرى لا تعلم ما بإمكاني فعله... غضَب المرأة المنبوذة رهيب...
ـ لن أغيرّ رأيي لا الآن ولا في أيّ وقت آخر... لستُ خائفاً منكِ، فأنا أثق بذكاء زوجتي.
ولم يمّر يومَين على حديثنا هذا حتى جاءَت هناء إليّ وهي تبكي وتنعتني بالخائن والماكر والقليل الأخلاق ومِن ثمّ طلبتَ مني أن أغادر منزلهما ولا أعود أبداً. حاولتُ أفهامها بأنّني الضحيّه وأنّ أمّها إمرأة شرّيرة ولعوبة ولكنّها لم تصدّقني. ورموني جميعهم خارجاً بعد ما قال لي حماي:"لقد خيبّتَ أملي فيكَ... كنتُ على شفير الموت وأنتَ تغازل زوجتي وتحاول أغتصابها... يجدر بي أن أرميَكَ في السجن ولكنّني لا أريد الفضائح... فتحتُ منزلي لكَ بعدما أعطيتََُ إبنتي الحبيبة...
أحترتُ بأمري لأنّني لم أكن قادراً على تبرئة نفسي وذهبتُ إلى فندق ريثما أجد مكاناً أعيش فيه. ثم خطرَ على بالي أن أقصد الصهر الآخر على أمل ان أجد عنده النصيح،ة فكانت عزيزة قد قالت لي أنّها حاولَت أبعاده عن زوجته وأنّه أخذَها إلى مكان بعيد. كنتُ قد رأيتُه مرّة واحدة وذلك عندما أتى مع زوجته إلى زفافنا. وبعد ان وجدتُ عنوانه ورقم هاتفه، قدتُ سيّارتي حتى منزله وإتصلتُ به:
ـ مرحباً... أنا زوج هناء... أنا في سيّارتي في أسفل مبناكم... عَلِمتَ ما حصل لي؟ هل لي أن اصعد؟
ـ إبقَ مكانكَ... سأوافيكَ... الموقف حسّاس... دقيقتان وسأكون عندك.
وجاءَ الرجل وصَعِدَ معي وطلبَ منّي أن أقوده إلى مكان نحتسي فيه القهوة. وعندما جلسنا، أخبرتُه كلّ القصّة وأكتفى بالإستماع إليّ، ثمّ قال:
ـ أسمع... حصلَ معي الشيء نفسه ولكنّني أستدركتُ الأمر وجلَبتُ زوّجتي إلى هنا وأخبرتُها ما فعلَته أمّها بي... في البدء لم تصّدقني طبعاً ولكنّها ربطَت الأحداث ببعضها ورأت بشاعة والدتها. ولكن هناء ليست مثل زوجتي... انّها متعلقّة بعزيزة كثيراً، ربمّا لأنّها عاشَت معها وقتاً أطولاً.
ـ ولكن... ما العمل؟ أحبّ هناء كثيراً ولا أطيق أن تظنّ أنّني مغتصب!
ـ أستطيع مساعدتَكَ... إن قبلَت زوجتي... فهي ترفض التكلّم في الموضوع أو حتى التفكير به. إذهب الآن وسأرى ما يمكنني فعله.
مرَّت عليّ أيّاماَ طويلة وعصيبة قبل أن يتّصل بي الصهر ويقول لي:”إنتظرني في غرفتكَ الليلة“. وعندما دُقَّ بابي وفتحتُ، رأيتُ أمامي هناء وشقيقتها وزوجها. دخلوا جميعهم بِصمت وجلسوا. ثم نظرَ الصهر إلى هناء وكأنّه يدعوها للتكلّم. أخذَت نفَساً عميقاً وقالَت لي:
- أنا آسفة لأنّني لم أصدّقكَ يا حبيبي... ولكنّكَ تعلم كم كان الأمر صعب التصديق... ولكن عندما جاءت أختي إليّ وأخبرَتني ما فعلَته أمّي بِزوجها فهمتُ أنّها أعادَت الكرّة معكَ... لم أتصوّر أنّ والدتي قليلة الأخلاق إلى هذا الحد... سامحني...
- سأسامحكِ تحت شرطيّن: أن نذهب بعيداً وألا تكلّمي أمّكِ بعد الآن... مهما حصل!
- سأفعل ما تريده.
حاورته بولا جهشان