أُعجِبت بصديق إبني

كان قد مضى على زواجي مِن آدم حوالي العشرين سنة، وحلَّ الملل بيننا لِدرجة أنّنا بالكاد صرنا نتبادل الكلام. للحقيقة، لَم يكن يهمّني الأمر كثيرًا، فلطالما بقيَ زوجي بعيدًا عنّي ومشغولاً بعمله. فلَم أختَره، ولا هو اختارَني، بل أهلنا هم الذين قرّروا مصيرنا بالنيابة عنّا، وصرنا مع مرور الوقت نشعرُ تجاه بعضنا بنوع مِن الإلفة لَم تكن يومًا حبًّا. لا أعرفُ كيف كانت ستصبح حياتي لو تزوّجتُ مِن ذلك الشاب الوسيم الذي خطَفَ قلبي عندما كنتُ مراهقة...

عزائي الوحيد كان إبني يوسف الذي أعطى لوجودي في هذا البيت معنىً جميلاً. فلولاه، كنتُ حتمًا قد تركتُ آدم وعدتُ إلى أهلي لأبدأ مِن جديد. كان يوسف قد دخَلَ الجامعة ويُتابعُ دراسته في الهندسة، حين جلَبَ ذات يوم إلى البيت أحد رفاقه. ولحظة وقعَت عَينايَ على خالد، بدأ قلبي يدقّ بسرعة فائقة، وركضتُ إلى غرفتي لأضع أحمر الشفاه وأسرّح شعري. عندما عُدتُ إلى الصالون، رحّبتُ بالضيف وجلَبتُ له الفواكه والقهوة، وبالطبع أصرّيتُ كي يبقى معنا لتناول العشاء.

ومنذ ذلك النهار، صرتُ أنتظرُ بفارغ الصبر قدوم خالد، خاصّة بعدما أخبرَني إبني أنّ صديقه وجَدَني شابّة وفاتنة. قال إبني ذلك بكل براءة ومِن دون أن يخطر بباله طبعًا أنّ هذا الإطراء كان يعني لي الكثير.

صارَت حياتي أقلّ ثقلاً بعدما وجدتُ أنّني لا أزال قادرة على استقطاب إعجاب الرجال، لا بل الشبّان منهم، ولَم أعد أفكّر بذلك الزوج المملّ الذي لَم يقل لي يومًا كلامًا جميلاً، بل قضى سنينًا يتجاهلُني أو يُوجّه إليّ الملاحظات المُزعجة.

ولأتمكّن مِن رؤية خالد باستمرار، جهّزتُ مكانًا في البيت مناسبًا للدّرس، وقلتُ ليوسف إنّه بات قادرًا على جلب صديقه وقضاء وقتهما سويًّا في البيت بدلاً مِن أن يجلسا في المقاهي وسط الضوضاء. فرحَ يوسف للخبر، وردّ الأمر إلى خوفي عليه وحاجتي، كأيّ أمّ، لأنّ يبقى إبني إلى جانبي أكثر وقت ممكن.

بدأتُ أنتظر قدوم خالد على أحرّ مِن الجمر، وأرتدي له ثيابًا تُظهرني أكثر شبابًا كي أقلّص مِن فارق العمر بيننا. وهو كان ينبهرُ بي كما قد يفعل أيّ شاب بسنّه أمام امرأة ناضجة وجذّابة.

 


أمّا آدم زوجي، فكان إذا رآني مُبرّجة وأنيقة، يسخرُ منّي ويُحاولُ إحباطي لأنّني وحسب قوله، كنتُ أشبه المهرّج بالمساحيق الذي أضعُها على وجهي. لكنّني كنتُ معتادة على عدَم مراعاته لشعوري، وكنتُ مُنشغلة بخالد الذي سَكَنَ فكري بصورة دائمة.

وبدأَت الأحلام تراودني، وأتخايل أنّني وخالد بعلاقة رومانسيّة، وهي حالة لَم أعشها مِن قبل. ولأحقّق أمنياتي، كان لا بدّ لخالد أن يعرف ما أشعرُ به تجاهه. ولكن كيف أصارحُه؟ وماذا ستكون ردّة فعله؟ صحيح أنّني كنتُ مفتونة به، لكنّني لم أتلقَّ مِن جهّته إلا بضع مجاملات ونظرات. هل كان سيصدُّني ويسخرُ منّي كما يفعلُ بي زوجي؟ إحترتُ بين حاجتي لأعيش تخيّلاتي وخوفي مِن الخذلان.

لكنّ ذلك الشاب كان قد قرَّر أن يخطو الخطوة الأولى، الأمر الذي محا جميع مخاوفي. فهو الآخر كان مفتونًا بي!

فذات صباح، جاء خالد يدقّ بابي. كان زوجي قد رحَلَ إلى عمله وابني إلى جامعته. واغتنَمَ صديق يوسف هذه الفرصة ليُكلّمني على انفراد بشأن رغبته بي. وكَم سُرِرتُ بالذي سمعتُه منه! فلقد أخبرَني بأنّه لا ينفكّ عن التفكير بي ولا يُريدُ سوى أن يكون برفقتي. وطلَبَ خالد منّي أن أقبل به "كصديق روحيّ" وبالطبع قبلتُ عرضه. فلطالما كنتُ إنسانة عاطفيّة، ولَم تتضمَّن تخيّلاتي مع خالد أكثر مِن معانقات طويلة ونظرات مليئة بالحبّ.

وصارَ لدَيّ وخالد سرٌّ يجمعُنا، وشعرتُ بحماس شديد لهذه الحالة المثيرة التي كسرَت الملَل الذي اجتاحَ حياتي. بدأنا نتبادل عبر الهاتف الرسائل المليئة بالشغف والكلام الحلو والوعود بحبّ أبديّ، تمامًا كما كنتُ قد قرأتُ في الكتب التي ملأت فترة مراهقتي.

لكنّ ذلك الشاب لَم يكن رومانسيًّا مثلي، ورأى فيّ وسيلة ليتعلّم مِن خلالي ما عليه معرفته جنسيًّا. فبعد أقل مِن أسبوعَين، عاد يخبطُ على بابي أثناء غياب زوجي وابني. وفي تلك المرّة، كان مصرًّا على تنفيذ ما في رأسه.

كان قد جاء مِن دون إنذار، لِذا أدخلتُه الصالون وطلبتُ منه أن ينتظرني بضع دقائق لأذهب وأرتّب نفسي، إذ كنتُ لا أزال بقميص النوم. لكنّه سحبَني مِن يدي وأجلسَني في حضنه قائلاً إنّني أبدو رائعة كما أنا. وبعد ثوانٍ بدأ بتقبيلي وملامستي، إلا أنّني نهضتُ بسرعة مِن حضنه مستاءة. نظَرَ إليّ خالد بغضب، واتّهمَني بأنّني قمتُ بإغوائه سدىً، وضلّلتُه بحركاتي، وأنّني إنسانة مريضة. أضافَ أنّه لم يُحبّني قط، بل أرادَ أن يُجهّز نفسه للحظة وقوعه في الحب حقًا، وطبعًا ليس مع إنسانة مِن عمري. خَرَجَ بعد دقائق مِن وصوله، وأنا جلستُ في الصالون أرتجف مِن الصدمة. فبعد أن صدّقتُ أنّ شابًّا وسيمًا كان لدَيه شعور تجاهي، الأمر الذي ملأني فرحًا وتفاؤلاً، إذ به يكشفُ عن نواياه الحقيقيّة التي كانت بعيدة كلّ البعد عن الحبّ النبيل الذي انتظَرتُه منه. رحتُ أرتدي ثيابي وأنا أبكي، واخترتُ ملابس عاديّة ومملّة، كالتي كنتُ أرتديها قبل أن أتعرّف إلى خالد. ومِن ثمّ، وعدتُ نفسي بنسيان ما حدث، وحَمل إبني يوسف على الدّرس في المقهى مِن جديد كي لا أرى صديقه البغيض.

لكنّ خالد لَم يتقبَّل خذلاني له، وقرَّرَ استعمال رسائلي الهاتفيّة له ضدّي، وذلك لإقناعي بالخضوع لرغباته وللإنتقام منّي إن رفضتُ مُجاراته. وكَم كانت دهشتي كبيرة عندما وصلَتني رسالة مِن ذلك الشاب، مُرفقة بكلمات حب كتبتُها له وبهذه الكلمات: "أتذكرين ما كتبتِه لي؟ هل تريدين أن يعرف يوسف وآدم بذلك؟ أنصحكِ بعدم رفضي بعد الآن وإلا..."

أصابَني خوف شديد، فبالرّغم مِن تخيّلاتي والرسائل الرومانسيّة الذي دارَت بيني وبين خالد، لَم أكن قد ارتكَبتُ إثمًا فعليًّا، لكن كيف لزوجي وإبني أن يُصدّقا أنّني بريئة؟ أيا لَيتني أبقَيتُ أحلامي لنفسي! شعرتُ بظلم كبير، فكَم مِن الرجال يحلمون بفتيات لا بل يُلاحقونهنّ ويقيمون علاقات معهنّ أو يُطلّقون زوجاتهم مِن أجلهنّ! وها أنا أدفعُ ثمَن رومانسيّتي المُفرطة التي تسبَّبها إهمال زوجي لي.

 


إحترتُ في أمري ولَم أعد قادرة على التفكير سوى بمصيبتي. فمع أنّني لَم أكن يومًا مستعدّة لخيانة زوجي، فقد كنتُ واثقة مِن أنّه سيحكمُ عليّ على الفور ويُطلّقني ما أن يعرف بأمر الرسائل. وماذا عن إبني؟ ماذا سيقول عنّي؟!؟

لكنّني لم أحسب حساب وعي ونضوج يوسف الذي كان قد لاحَظَ النظرات التي كنتُ أتبادلُها مع صديقه. إضافة إلى ذلك، كان إبني يعرفُ تمام المعرفة مَيل خالد إلى النساء الأكبر سنًّا منه. وشاء القدر أن يأتي إبني إليّ في اليوم التالي ليتحدّث معي على انفراد:

 

ـ ماما... لا أدري كيف أقول لكِ ذلك... إنّه موضوع دقيق للغاية... أريدُ منكِ أن تبتعدي عن خالد. أعلم أنّ الأمور مع أبي ليست كما يجب، وأنّه رجل أنانيّ لا يعرفُ كيف يُعامل زوجته، فلَم أسمعه يومًا يقول لكِ اطراءً أو حتى كلامًا لطيفًا، لكن أرجوكِ ألا...

 

بدأتُ بالبكاء، فظنّ طبعًا أنّني تورّطتُ مع صديقه:

 

ـ يا إلهي! لقد فات الأوان!

 

ـ لا، لا يا بنَيّ... دعني أخبرُكَ ما حصل... وما لَم يحصل. لكن أرجو منكَ ألا تحكم عليّ.

 

عندما انتهَيتُ مِن سرد قصّتي، سكَتَ يوسف وقال:

 

ـ سأتصرّف.

 

ـ هل تغيّرَت نظرتكَ إليّ؟!؟

 

ـ أبدًا، فلقد قلتُ لكِ إنّني أعلم بأيّ جفاف عاطفيّ تعيشين. ومِن الذي رأيتُه يحصل بينكِ وبين أبي، وعدتُ نفسي بحسن معاملة التي سأتزوّجها، وما هو أهمّ مِن ذلك، أن أختارَها بنفسي.

 

- ليُبارككَ الله يا بنَيّ.

 

تعانقنا، وهو غادَرَ، حتمًا ليُكلّم خالد بشأن ما ينوي فعله بي.

عادَ إبني بعد ساعَتين واكتفى بالقول: "لن يُزعجكِ خالد بعد اليوم". وقبل أن يدخل غرفته، رأيتُ مفاصل يده حمراء وكأنّه لكَمَ أحدًا. إبتسَمتُ في قرارة نفسي لأنّ إبني دافَعَ عنّي كرجل حقيقيّ.

وبالفعل لَم أسمع مِن خالد أو أرَه مجدّدًا. وبعد تلك الحادثة، صرتُ وابني مقرّبَين جدًّا ووُلِدَ بيننا تحالف قويّ.

لَم تعد تراودني الأحلام والتخيّلات بل سكَنَ قلبي سلام عميق. كان لا بدّ مِن أن يحصل ما حصل لأفهم نفسي بعمق. أمّا بالنسبة لزوجي، فبقيَ على حاله، أي إنسان مُهمِل وفظّ. لكنّ الأمر لَم يعد يُزعجُني، لأنّني كرّستُ حياتي لإبني واكتشفتُ أنّ هناك العديد مِن الهوايات بإمكانها إلهائي عن تعاستي الزوجيّة وملء فراغي العاطفيّ.

فأيّتها النساء، نصيحة منّي، أتركنَ أحلامكنّ حيث هي، أي في عقلكنّ وقلبكنّ، لأنّ تحقيقها أمر مكلف، والعالم الواقعيّ ليس كما تتصوّرنَه، بل هو مليء بالأفخاخ الخطرة والذئاب الضّارية.

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button