أين رفاة أخي؟

لقد مضى على إختفاء وِئام أخي أكثر مِن أربعة سنوات وكل الأشائر تدلّ على أنّه قد مات. وبالرغم مِن حتميّة الأمر لا يسَعني إلاّ الإعتقاد أنّه في مكان ما حيّاً يرزق. لماذا لم يتّصل بنا إذاً؟ لستُ أدري ولكنّني لا أستطيع تصوّره ميّتاً خاصة أنّه كان أخي الوحيد وأنا أخته الوحيدة وحياتنا كانت جميلة قبل وصول رُدَينة إلى حياتنا.

وكانت تلك المرأة فائقة الجمال ولم يستطع وِئام مقاومتها ولكي يربح قلبها أغراها بمال لم يملكه أيّ بثروة أبي. ولأنّها كانت جشعة قَبِلَت بأخي بالرغم أنّها كانت تحب شابّاً آخراً ولكن فقيراً. وعندما عرّفَها إليّ لم تحبّني ولم أحبّها دون أن أعرف لماذا ولكنّه كان مجرّد شعوراً لا يُفسَّر. وبالرغم مِن معرفته بذلك الحبيب الآخر لم يتردّد وِئام بطلب يد رُدَينة واثقاً أنّه سيستطيع أن ينسيها إيّاه. ولكنّه كان مخطئاً فكل ما كانت تريده هو المال ثمّ المال ولو أحبَّت أخي ولو قليلاً لوجَدَت أنّه يتمتّع بفضائل كثيرة تساوي ثروات العالم كلّه.

وتزوّج وِئام مِن رُدَينة وإكتشفَت العروس بعد فترة قصيرة أنّ زوجها ليس سوى موظّفاً في شركة أباه وأنّه لن يحصل على شيء قبل أن يتوفّى صاحب المال. وبالرغم مِن حياة الرخاء الذي عاشَت بها فهذا لم يكن كافياً. وليسكتها قليلاً إشترى لها أخي سيّارة جديدة وفخمة بعدما ألبَسها المجوهرات والثياب الأنيقة. ومع أنّها لم تكن تملك شيئاً مِن قبل لم تتأثّر بهذه القفزة في نوعيّة حياتها وكأنّها تستحق الملايين لأنّها قَبِلَت بزوجها. وإستعملَت مع أخي أسلوب الجفاء وحَرَمَته مِن حقوقه الزوجيّة لأنّها كانت تعلم مدى تأثيرها الجنسيّ عليه خاصة أنّه لم يكن يملك أي خبرة في هذا المجال قبل الزواج على عكسها.

وإستاء وِئام كثيراً لِعدم قدرته على لمسها وجاء إليّ وحاولَ إيجاد الكلمات لشرح وضعه دون أن يدخل في التفاصيل معي. ولكنّني فهمتُ إيحاءاته وقلتُ له:

 


ـ يا ليتني أستطيع إعطاءكَ النصائح ولكنّ ذلك موضوع شخصيّ... كل ما بإمكاني قوله هو أنّ عليكَ أن تصبر وأن تبقى الرجل المحبّ الذي يحترم النساء... أنا متأكّدة أنّ رُدَينة ستعود إلى صوابها بعد فترة قصيرة لأنّها تحبّكَ... أليس كذلك؟

 

ـ لستُ واثقاً مِن حبّها لي...

 

ـ ماذا؟

 

ـ أجل... أظنّ أنّ قلبها بقيَ يدقّ لذلك الشاب

 

ـ لم أفهم قصدكَ... أيّ شاب تتكلّم عنه؟

 

وروى لي أخي كلّ شيء وحزنتُ كثيراً له لأنّني أدركتُ أنّ زوجة أخي سَعَت وراء المال وليس وراء المشاعر. ولكنّني أصرّيتُ على وِئام أن ينتظر حتى تسترجع زوجته صوابها.

وفي هذه الأثناء لم تتوقّف رُدَينة عن التواصل مع عشيقها بل تكاثَرت إتصالاتها معه ومقابلاتها السريّة له ليخطّطا على الحصول على كل ما يمكنهما النيل منه قبل أن تُكشف اللعبة. وإختلقا سيناريو مُحكم لا مجال لفشله.

وهكذا عادَت رُدَينة تعاشر أخي الذي إستعادَ بسمته وتأمّلَ أنّ زوجته تحبّه فعلاً. وبعد أقل مِن شهر أخبرَته أنّها حامل منه وعمَّت الفرحة أقَمنا لهما عشاءً ضمّ العائلة وتمنّينا لهما السعادة مع الطفل القادم بعد 9 أشهر. ولأنّني كنتُ مستعدّة للمساعدة عرضتُ على رُدَينة أن أسهر على راحتها أثناء فترة الحَمَل ولكنّها رفضَت بتهذيب قائلة أنّها تشعر أنّها قادرة على تحمّل الذي آتٍ لوحدها. ولكنّني قرّرتُ أن أزورها في كل نهاية أسبوع معتبرة أنّ زوجة أخي لا تريد إزعاجي.

وهكذا بدأتُ أذهب إلى منزلهما بإنتظام ومع مرور الأيّام والأسابيع لا حظتُ غياب العوارض التي تأتي عادة مع الحمل خاصة أنّني واكبتُ بشكل شبه يوميّ إبنة عميّ التي أنجبَت طفلها مِن أقل مِن سنة. وبعد فترة استغرَبتُ لِعدم تغيّر حجم بطنها وعندما سألتُ أمّي عن الأمر أجابَتني أنّ بعض النساء تبقَين نحيفات حتى الآخر وليس هناك مِن قاعدة ثابتة. ولكنّني لم أقتنع لكثرة الأشاير التي تدلّ أنّ رُدَينة لم تكن حامل فإلى جانب ذلك لم تذهب رُدَينة الى طبيب نسائيّ تراجعه ككل الحوامل.

ولاحظَت زوجة أخي نظراتي وأسئلتي المبطّنة فقرّرَت أن تنفّذ فوراً خطّطها وهي أن تترك أخي وتستعمل الجنين كأداة ضغط عليه لِنَيل ما تريده. وبدأت تستفزّ وِئام وتختلق المشاكل حول أمور تافهة وخرجَت غاضبة في ذاك يوم مِن المنزل إلى وجهة غير محدّدة. وبعد أن هدأ أخي أخذَ يفتّش عنها في كل مكان دون أن يجدها وخافَ طبعاً أن يكون حصَلَ لها وللجنين مكروهاً. وإتّصَلَ بالمستشفيات وأبلغَ الشرطة عن إختفائها وبدأ يبكي مِن كثرة الهمّ.

وبعد يومَين على هذا النحو جاءَته مكالمة مِن رُدَينة مفادها أنّها سَئمَت مِن العيش مع رجل لا يحبّ سوى نفسه وأنّها لن تعود إليه. عندها قال لها وِئام:

 

ـ عودي إليّ أرجوكِ! ما الذي يجب فعله لكي نستعيد حياتنا سويّاً؟

 

ـ أنتَ رجل بخيل! أبوكَ غنّي ولا يعطيكَ شيئاً لأنّكَ لا تطلب منه أن يفعل... أريد أن أعيش كما يجب... إن لم تأتي لي بالمال لن تراني أو ترى الطفل بحياتكَ! أريد مئة ألف دولار أميركيّاً.

 

ـ حسناً... أين أنتِ الآن؟

 

ـ لن أقول لكَ... ساتّصل بكَ بعد يومَين آخرين.

 


وأقفلَت الخط وركضَ أخي إلى والدنا يتوسّل إليه بإعطائه المبلغ واعداً بأنّه سيتمكّن مِن إسترجاعه فور عودة رُدَينة وإقناعها بالرجوع إلى صوابها. وبالطبع وافقَ أبي خاصة أن سلامة حفيده أو حفيدته على المحكّ. وأعطَت زوجة أخي لوِئام عنوان إقامتها وذهبَ ليُريها المال وإعادتها إلى دارهما. ولكنّ إنتظارنا طال ولم يعد أحد أو حتى أخي.

عندها بدأنا بالبحث عنهما ولكنّنا لم نكن نعرف أين نبحث لأنّ وِئام لم يقل لنا أين تنتظره زوجته. وبعد مرور ساعات طويلة ذهبنا إلى الشرطة التي بعثَت بدوريّة لم تجده هي الأخرى. وبدأ عذابنا الذي دامَ إلى حين وردَنا خبر يوفي بأن رُدَينة موجودة في منطقة مجاورة بصحبة عشيقها بعد أن لمحَها أحد أقرباءنا هناك.

وأوّل شيء فعلناه هو إعلام السلطات التي جلبَتها للتحقيق. ولكنّها نَفَت معرفتها بأيّ شيء وأكّدَت أنّها لم تطلب أيّ مال مِن أخي وأنّها لم تكن تريد حتى الرجوع إليه مهما كان السبب. وبغياب إي شاهد لم يكن مِن الممكن إثبات شيء ضدّها فأطلقوا سراحها. وبالطبع حاولنا بشتّى الطرق منع الشرطة مِن التخلّي عن القضيّة وكل ما إستطاعوا فعله هو محاولة معرفة ما فعلَه أخي لحظة تركه البيت مع المال. ولكنّهم أضاعوا أثاره وإنتهى الموضوع.

ولم نسمع مِن رُدَينة طيلة سنة كاملة حتى أن جاءَت في ذاك نهار وبكل وقاحة تدقّ بابنا. وحين فتحتُ لها ورأيتُها أمامي خلتُ أنّني سأفقد صوابي وأبرحها ضرباً ولكنّني تمالكتُ أعصابي لكي لا أورّط نفسي بمشاكل كنتُ بغنى عنها وأعطيها الفرصة لتلاحقني قانونيّاً. فإكتفيتُ بالقول:

 

ـ كيف تجرؤين على القدوم إلى هنا؟

 

ـ أنا لم أفعل شيئاً... لقد حقّقَت معي الشرطة ووجَدَتني بريئة.

 

ـ ماذا تريدين؟

 

ـ أريد مالاً... أم تريدون أن تموت إبنة وِئام مِن الجوع؟

 

ـ أوّلاً لا أصدّق رواية الطفلة... أنا متأكدّة أنّكِ لم تحملي يوماً منه... وثانياً لقد حصَلتِ على مئة ألف دولاراً... هل صرَفتيهم مع عشيقكِ بهذه السرعة؟

 

ـ لم أحصل على قرش واحد! هذه إفتراءات!

 

ـ سنرى عندما يعود أخي!

 

ـ يعود؟ مِن أين؟ مِن دنيا الأموات؟

 

ـ ماذا؟ لقد مات؟

 

ـ لا... لا أدري... أقول ذلك لأنّه إختفى...

 

ـ ماذا تعلمين عنه؟ قتلتيه أليس كذلك؟ أنتِ وعشيقكِ!

 

ـ لم نفعل شيئاً! أعطيني مالاً!

 

وأقفلتُ الباب بوجهها بقوّة لم أتصوّر إمتلاكها. كانت تلك المرأة الشنيعة قد إعترفَت أنّ وئام لم يعد حيّاً. ولكن وبالرغم مِن كل ما نعرفه والذي يدلّ أنّه فعلاً قد مات لن أستطيع قبول ذلك قبل أن أرى بعَيني رفاته.

وهذا الأمل هو الذي يدفع أبي وأمّي على متابعة حياتهما وإلاّ أنا متأكّدة أنّهما كانا قد مرضا وماتا حزناً على الذي أحبّ إمرأة جشعة وساقطة.

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button