أي عذر هذا؟

عدَم توافق أختي مرَيم مع فادي زوجها، أثَّرَ عليّ كثيرًا، ليس فقط مِن ناحية حرصي على راحة بالها وسعادتها، بل لأنّ فادي كان، قبل أن يتزوّجها، حبيبي. أجل، فلقد تواعدنا مدّة سنتَين إلى حين وقعتُ في غرام شاب آخر. إضطرِرتُ طبعًا لِمُصارحة فادي، الذي استاءَ للغاية وراحَ بعد فترة يُغازلُ مرَيم ويُقنعها بالزواج منه. في قرارة نفسي، علِمتُ أنّ حبيبي السابق فعَلَ ذلك لإغاظتي فقط وليس بِدافع حبّ أختي، وحاولتُ إقناع هذه الأخيرة بعدَم القبول بِربط حياتها به. إلا أنّها إعتبرَتني أحاولُ إبعادها عنه لأنّني لا أزال أُريدُه، وبقيَت مُصرّة على المضيّ بذلك الزواج. إستسلمتُ لِرغبتها آملةً أن يتعلّم فادي حبّ مرَيم وأن يعيشا بِوفاق. مِن ناحيتي، لَم أواصل علاقتي بالشاب الذي تركتُ فادي مِن أجله بعدما اكتشفتُ أنّه مُتزوّج، إلا أنّني لَم آسف على تركي فادي لأنّني بالفعل لَم أحبّه كفاية. وكما توقّعتُ، هو لَم يكن زوجًا جيّدًا لِمرَيم، بل فقط صُوريًّا كفايةً لإعطائها إبنًا ربمّا لِتتسلّى به وتغضّ النظر عن حياتها الزوجيّة الفاشلة. عمَدتُ عدم التدخّل، فآخر ما كنتُ أُريدُه كان أن يتّهمُني أحد بالتآمر، لِذا وقفتُ مُتفرّجة أمام مشهد عذاب أختي.

كان موقف والدَيّ منّي قاسيًا، إذ أنّهما إعتبرا أنّني السبب بالذي يحصل مع ابنتهما الثانية مع أنّني لَم أفعَل شيئًا أبدًا. لكنّ الناس يبحثون دائمًا عن مُذنب ويختارون الأقرَب إليهم. فهم نسوا كيف أنّني عارضتُ مشروع زواج مرَيم وفادي، وتذكيري لهم بذلك لَم يُغيّر رأيهم بي. لِذا رحتُ بِدوري أفتّش عن زوج لي لأُنهي المسألة نهائيًّا. فوجدتُ إنسانًا طيّبًا وكريمًا كان مُعجبًا بي سرًّا ولَم يجرؤ على مُصارحتي بِمشاعره، بسبب وجود ذلك الشاب المُتزوّج في حياتي. إحتفلنا بالزواج وعشنا بعيدًا عن أهلي وأختي، وظننتُ أنّ متاعبي انتهَت. فلَم يكن فادي لِيَقبل بأن أسعَد مع غيره وخاصةً بعدما دمَّرَ حياته بالزواج مِن امرأة لَم ولن يُحبّها. هو لَم يُفكّر بِعواقب غضبه وغيرته أو حتى بابنه الصغير. هكذا هم بعض الناس، لا يأبهون بِتداعيات النار التي تحرقُ قلبهم.

غلطتي كانت أنّني أخفَيتُ على زوجي علاقتي السابقة بالذي تزوّجَ مِن أختي، ليس بِداعي الغشّ، إلا أنّني فضلّتُ عدَم إدخاله بِمتاهات مشاكلنا العائليّة، وأحببتُ أن أفتحَ صفحة جديدة مِن كتاب حياتي بعدما أن تعِبتُ للغاية مِن تلك المشاكل. ويا لَيتني علِمتُ بأنّنا لا يجدرُ بنا إغفال شيء عن أحبّائنا، فالماضي يلحقُ دائمًا بنا ولا مفرّ مِن التعثّر به يومًا ما.

 


بعَثَ فادي لِزوجي عبر الهاتف صورةً لي وأنا أٌعانقُه كان قد أخذَها حين كنّا نتواعد. كيف حصَلَ على رقم زوجي، لستُ أدري. وفي اليوم نفسه، علِمتُ أنّ شيئًا لَم يكن على ما يُرام مِن نبرة زوجي ونظراته الغاضبة إليّ، إلا أنّه لَم يُفصح لي عن شيء، بل حفَظَ لِنفسه أمر تلقّيه الصورة. لو هو قال لي ما حدَثَ لكنتُ شرحتُ له أنّ الصورة قديمة، وأخبرتُه قصّة علاقتي مع فادي. لكنّه اعتبرَ أنّ زوج أختي يقولُ له بكلّ وقاحة إنّه يُقيمُ علاقة معي. مِن ناحيته، لَم يعلَم فادي في حينها أنّني لَم أقُل لِزوجي أنّني تواعدتُ معه في ما مضى، بل هو أحبَّ إزعاجه بِذكريات قديمة.

لَم أتصوّر زوجي قادرًا على هذا الكمّ مِن الأذى، فهو قرّرَ التصرّف مِن تلقاء نفسه بدلاً مِن مواجهتي. وأوّل شيء فعلَه، كان أن قصَدَ مرَيم في غياب فادي وأخبرَها بأنّني أخون ثقتها بإقامة علاقة مع زوجها، وهو خبَر كافٍ لِتصدّقه نظرًا لِتاريخي مع فادي. قصّة مُعقدّة كنتُ أجهلُها لِعدَم تصوّري حصولها. فالكلّ كان مُنهمكًا بأذيّة الكلّ، فيما كنتُ أسعى للعَيش بعيدًا عن المشاكل.

وراحَت مريَم تشتكيني عند أهلنا اللذَين هزّا برأسهما أسفًا على قلّة أخلاقي، بعدما تصوّرَ لهما أنّني أُحاولُ استعادة فادي مِن أختي وخيانة زوجي في آن واحد. فتألّفَت جبهة في وجهي مليئة بالبغض والعنف والانتقام.

ويا لَيت الأمور وقفَت عند ذلك الحدّ! فبالرّغم مِن أنّني شككتُ وبقوّة أنّ هناك ما يُزعجُ زوجي، بقيتُ غير مدركة لِخطورته. فبعد أن علِمَت مريَم مِن زوجي أنّ فادي يخونُها معي، قرّرَت أنّ الوقت حان لها لِتتصرّف على قدر الإساءة... بإقامة علاقة مع زوجي! أجل، قرأتم جيّدًا، فتلك المرأة والأم والزوجة كانت ستتخلّى بِلحظة عن قيَمها وشرَفها! ومع مَن؟ مع زوجي الذي خلتُه إنسانًا عاقلاً ومُتّزنًا كفاية لِمشاركة همومه وشكوكه مع شريكة حياته. فالذي جمَعَ مرَيم بِزوجي لَم يكن كرههما لفادي، بل كرههما لي أنا! يا إلهي... كَم أنّنا نجهلُ ما يدورُ في عقول ونفوس أقرَب الناس إلينا!

وهكذا بدأَت قصّة رومانسيّة وجنسيّة بين زوجي وأختي، ويُمكنُني التصوّر أنّهما قضيا أوقاتًا مُمتعة ليس فقط ممّا حدَثَ بينهما بل أيضًا من رغبتهما بالانتقام منّي.

لَم ينتبِه فادي إلى شيء، فهو بالكاد كان يرى زوجته وابنه، وأنا الأخرى صدّقتُ زوجي حين كان يغيبُ "بِداعي العمَل". والذي فضَحَ أمر العاشقَين كان شخصًا غير مُنتظرًا: إبن أختي الذي بالرّغم مِن صغر سنّه، فإنّه كشَفَ الحقيقة للجميع حين كنّا مُجتمعين حول المائدة بِمناسبة الأعياد قائلاً:

 


ـ ماما... لماذا لَم يأتِ عمّو الطبيب البارحة؟ فهو وعدَني بِلعبة جديدة إن بقيتُ كالعادة في غرفتي بينما تلعبين معه لعبة الطبيب المريضة.

 

ودلَّ الصغير على زوجي وهو يقول ذلك. ضحكنا جميعًا ثمّ استوعَبنا بعد ثوانٍ ما كان يعني بكلامه. وكنتُ أوّل مَن استفسَرَ:

 

ـ مَن هو الطبيب يا حبيبي... أشِر إليه مرّة أخرى وانتبِه ألا تُخطئ إن أرَدتَ تلك اللعبة.

 

وعادَ ابن أختي يدلُّ على زوجي مُضيفًا:

 

ـ ها هو عمّو الطبيب... لماذا لَم تجِلب لي ما وعدتَني به؟ هل لأنّ الماما لَم تعُد مريضة؟

 

عندها وقفتُ ونظرتُ إلى زوجي بِغضب فائق، ثمّ صفعتُه بكلّ قوّتي:

 

ـ تخونُني مع أختي أيّها السافل؟!؟

 

ـ أجل، لأنّكَ تخونيني مع زوجها.

 

ـ أنا؟ ما هذا الكلام السخيف؟!؟ مِن أين خطرَت لكَ تلك الفكرة؟

 

ـ هو أرسلَ لي صورة تُظهرُكما سويًّا مُتعانقَين!

 

ـ أرِني إيّاها!

 

ضحِكتُ عاليًا عندما رأيتُ الصورة، وقلتُ له إنّنا تواعدنا في ما مضى:

 

ـ ألَم تُلاحظ، يا شاطر، أنّ طول شعري مُختلف في الصورة؟ فالآن هو أطوَل بكثير، كما أنّني كنتُ أخفّ وزنًا حينها؟ ألا تنظرُ إليّ أو تراني على الإطلاق؟!؟ لو قلتَ لي إنّكَ تلقّيتَ تلك الصورة لأخبرتُكَ عن تلك العلاقة. لكنّكَ فضّلتَ خيانتي مع تلك الساقطة!

 

أكّدَ الجميع لِزوجي قصّة مواعداتي مع فادي، فشعَرَ بالخجَل. لكنّ مريَم صرخَت بي:

 

ـ أنا لستُ آسفة على الذي فعلتُه، بل أنا سعيدة بذلك! حتى لو لَم يخُنّي زوجي معكِ، فلقد انتقمتُ لأنّه لا يُحبّني بسببكِ.

 

ـ نبّهتُكِ مِن الزواج منه ولكن مِن دون جدوى. أنتِ المسؤولة الوحيدة عن تعاستكِ يا أختي.

 

عندها تكلّمَ فادي أخيرًا قائلاً:

 

ـ أشكرُكِ على قلّة أخلاقكِ، يا زوجتي المصون، فلقد أعطَيتِني الآن السبب الذي كنتُ أنتظرُه لأترككِ. سآخذُ منكِ ابننا وسأهتمُّ به إلى حين أٌقرّرُ إن كنتِ مؤهلّة لِتربيته، ففي آخر المطاف أنتِ إنسانة فاجرة. الوداع.

 

أنا الأخرى تركتُ زوجي، فهو كان أيضًا بلا مبادئ ولا أخلاق. وحين أُفكّرُ بالأمر، أرى أنّه لَم يخُنّي مرّة أو اثنتَين مع أختي بِداعي الانتقام فقط كما ادّعى، بل مرّات عديدة، أيّ أنّه استمتعَ بالخيانة.

ذنبي الوحيد في كلّ ما جرى هو أنّني لَم أخبِر زوجي عن علاقة سابقة. لكن هل ذلك يُبرّرُ خيانته وأختي لي؟ أم أنّ النوايا كانت موجودة وتنتظرُ شرارة واحدة لتشتعِل؟ وهل مُقابلة الخيانة بالخيانة هو حلّ وعذر؟ لا أعتقدُ ذلك.

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button