أوصلت زوجي الى الإعدام

من الأوجاع ما لا يمكن للسنوات محوها من الذاكرة. هذا ما اختبرته جرّاء عنادي الذي كاد أن يكلّفني حياتي وحياة زوجي أيضاً!

كان قد مضى على زواجي من حبيب أكثر من 7 سنوات وكانت الأمور تسير على خير ما يرام باستثناء أنّنا لم نستطع إنجاب الأطفال. لم يمتعض زوجي يوماً من الوضع ففي كلّ الأحوال لم تكن غلطته. علمت أنني امرأة عاقر ولم أتحمّل الفكرة أبداً بل تسلطّ عليّ القلق كما لو أنّ الأمر يهين أنوثتي ويشوّهها. جعل مني عدم قدرتي على إنجاب الأطفال امرأة ناقصة غير مثالية فلم أنجح في تقبّل وضعي. لجأنا إلى أمهر الأطباء المحليين وأرسلنا ملفّي إلى الخارج لكنّ الآراء توحّدت: لا يمكن معالجة العقم، وما زاد الأمر سوءاً إصابتي بداء السكر. بذل حبيب كلّ جهوده ليساعدني على تخطّي تلك المرحلة الصعبة لكنّ الأجواء في المنزل باتت لا تطاق أكثر وأكثر، إذ ازدادت المشاجرات والصراخ وأصبت بالإحباط. حين كان يأتي أحدهم لزيارتنا برفقة أولاده كنت أقفل على نفسي الغرفة بعد رحيلهم وأذرف الدموع متسائلةً لمَ تعاقبني السماء بهذا الشكل؟ في أحد الأيام، وقعت عيناي على إعلانٍ في الجريدة: يعد أحد خبراء الأعشاب الطبية بتحقيق المستحيل وشفاء كل الأمراض حتى العقم! فهو يزعم أنّه ينجح في الشؤون التي فشل الطب الاعتيادي في معالجتها. أخذت موعداً وذهبت إلى العنوان المذكور: شقة صغيرة ومغمّة في حي مشبوه. على الرغم من الشك والريية قرّرت المحاولة ومنح نفسي فرصة ربما تكون الأخيرة. استقبلني رجل غريب الأطوار لم أكن أتخيّل شكله لكنّني لم أعر الأمر أهمية ما دام باستطاعته مساعدتي. عرضت له حالتي وسمعني طويلاً وهو يهزّ برأسه ثمّ قدّم لي رزمة وقال:
- إنّها أعشاب نادرة جداً. اغلي المياه وضعي الأعشاب داخلها لبضع دقائق ثمّ اشربي كوباً منها وقدّمي كوباً لزوجك وذلك لمدة شهر.
- هل سيخوّلني ذلك إنجاب الأولاد؟
- أعدك بذلك!
- تخلو هذه الطريقة من الخاطر، أليس كذلك؟
- بالطبع! لقد شفيت عدداً كبيراً من النساء. فضلاً عن ذلك فإنّ الأدوية التي يصفها الأطبّاء مصنوعة من الأعشاب فلا تخافي.

دفعت له مبلغاً من المال وعدت إلى المنزل عند المساء مبتهجة. أخبرت زوجي عن مغامرتي فوجدها تافهة لكنّه قرّر تهدئة روعي ومجاراتي. تناولنا "المشروب السحري" وخلدنا إلى النوم. في وقتٍ متأخر من الليل استفقت وذهبت في الخفاء لشرب المزيد لعلّها طريقة مناسبة للحصول على نتيجة أفضل ثمّ عدت إلى النوم من جديد ولكن لم أستفق قبل وقتٍ طويل.
دخلت في غيبوبة بسبب هذه الأعشاب! كذلك فقد زوجي وعيه. دقّ على بابنا جارنا الذي يمرّ كلّ يوم على حبيب ليصطحبه إلى العمل وحين لم نفتح له على غير عادة طلب النجدة. نقلونا إلى غرفة الإنعاش فقد تعرّضنا للتسمّم من تلك الأعشاب، وبما أنّني مصابة بداء السكّر تأزّم وضعي كثيراً. استرجع زوجي عافيته لأنّ صحّته أفضل منّي.
بعد فترةٍ قصيرة وقعت المصيبة فقد رفع أهلي دعوى على حبيب بتهمة محاولة قتلي. بين ليلة وضحاها انقلبت عليه عائلتي وذلك لأنّني كنت أنا من دخل في غيبوبة وليس هو. يا لبشاعة الموقف! ما كنت لأسمح بذلك أبداً. وقعت المأساة على الرغم من أنّ عائلتي لا تملك أي سبب يدفعها إلى الشكّ به فالجميع يعرف قوة مشاعرنا لبعضنا. بالطبع واجهنا المشاكل في الفترة الأخيرة لكنّها كانت بسببي أنا وبسبب إصراري على الأمومة.
قادوا حبيب إلى محقّقي الشرطة الذين انهالوا عليه بالأسئلة ثمّ استدعاه النائب العام وصدر الادعاء: لقد سمّم لي ثمّ ابتلع كمية قليلة من الخليط ليبعد عنه الشبهات. أطال شروحه وأنكر مراراً وتكراراً مفسّراً أنّني أنا من جلب تلك الأعشاب لكن دون جدوى، ففي النهاية ساقوه إلى سجن روميه بانتظار الحكم. جرت الأحداث بطريقة سريعة ولم يحظ المسكين بفرصة الدفاع عن نفسه ولا سيّما مع شهادات أفراد العائلة التي لم ترحمه.
أصدرت المحكمة قرارها: السجن المؤبّد والإعدام في حال وفاتي. كان حبيب مصدوماً جداً فهو على وشك فقدان زوجته التي يحبّها أكثر من كلّ شيء في الدنيا لا بل أيضاً فقدان حريته وعلى الأرجح حياته.
نُقل إلى الجناح المخصّص بكبار المجرمين. هناك ولعدم توافر الأماكن تشارك الزنزانة مع أشخاص ذاع صيتهم في تلك الفترة: مختلسين وقتلة وتجار مخدّرات. نعجة وسط الذئاب! والغريب في الأمر أنّ أولئك المتوحّشين قد تأثّروا بقصّته وأشفقوا عليه وعاملوه باحترام.
في هذه الأثناء، بقي وضعي مستقراً ولم يكفّ أهلي عن التأوّه وهم يلعنون ذاك السفّاح الذي حرمهم من ابنتهم الغالية. أمّا أنا فكنت غارقة في السبات لا أشعر بما يحصل من حولي.
فجأةً، حدثت المعجزة! وتفتحت عيناي أخيراً، كان زوجي أول من فكّرت به فطلبته على الفور. أخبروني بما حصل وبأنّهم ثأروا لي. شعرت بالسخط وشرحت لهم الوضع بكامله وقلت لهم إنّني ذهبت إلى خبير الأعشاب الذي وصف لي ولزوجي ذاك المشروب المميت. بعد اعترافي، أطلق سراح حبيب وانهالت عليه هذه المرة اعتذارات عائلتي والمحكمة.
على الرغم من إعلان براءة حبيب ظلّ الناس يشكّون. في الحي، أطلقوا عليه اسم "المسمّم" وراح البعض يسألني كيف أستطيع العيش معه تحت سقف واحد من دون أن أشعر بالخوف من أن يكرّر فعلته. شرحت لهم مراراً وتكراراً أنّ الخطأ خطئي لكن لم يصدّقني أحد. في العمل، راح بعض زملاء حبيب يتجنّبونه كما لو أنّه مصاب بمرض الطاعون فيما يطلب منه البعض الآخر إعطاءهم الوصفة وهم يهزأون، ما دفعه إلى تقديم استقالته وانتقلنا من منزلنا لنبتعد قدر المستطاع عن كلّ من علم بالقصة.
منذ ذاك الحين، عشنا بسعادة معاً حتى من دون أولاد!

حاورتها بولا جهشان
 

المزيد
back to top button