أنا السبب في غيبوبة زوجي

اليوم اذهب فقط لزيارة زوجي في المستشفى والجلوس قربه لساعات طويلة على أمل أن يستيفظ من غيبوبته. هو في هذه الحالة منذ أكثر من شهرين والأطبّاء حاولوا ما بوسعهم لتثبيت وظائفه الحيويّة بإنتظار خروجه من نومه العميق. للحقيقة أنا السبب فيما حصل له.

بدأت القصّة منذ أكثر من سنة حين إلتقيتُ صدفة بصديق قديم لي عرفتُه عندما كنتُ ما أزال أدرس في الجامعة. كنتُ معجبة بفادي ولكنّه كان مغرماً بفتاة أخرى فلم أجرؤ على البوح له بمشاعري. تخرّجنا ولم أره مجدداً حتى ذلك اليوم عندما ذهبتُ لشراء بعض الحاجات للبيت. هو الذي تعرّف إليّ فلحقني حتى السيّارة:

 

- هذا أنتِ؟ لم تتغيّري! أنا فادي... كليّة الحقوق...

 

إحمرّ وجهي فجأة وحاولتُ إخفاء إرباكي ولكنّه لاحظ فضحكَ:

 

- ما بالكِ؟

 

- أنا... أنا كنتُ معجبة بكَ... لهذا أنا الآن مرتبكة قليلاً... ولكن كان هذا منذ زمن طويل فأنا اليوم متزوّجة ولي إبنةً جميلة. ما أخباركَ أنتَ؟

 

- كنتِ معجبة بي؟ أنا أيضاً كنتُ أتمنّى لو أكون معكِ ولكنني كنتُ أواعد فتاة... لم أكن أدري... لو علمتُ...

 

- كما قلتُ لكَ... حدثَ هذا منذ زمن بعيد...

 


ضحكنا سوياً وطلبَ رقم هاتفي ولا أدري لماذا ولكن أعطيته إيّاه لا بل تمنيتُ أن يطلبني بعد أن علِمتُ أنّ أوّل حبّ لي كان أيضاً معجباً بي. ولكن لم أكن أنوي بتاتاً إقامة علاقة غراميّة معه كنتُ فقط أشفي غروري. وبدأنا نتكلّم ونتحدّث لساعات طويلة عبر الهاتف عن الماضي والحاضر. وعندما دعاني فادي لإحتساء فنجاناً من القهوة لم أرفض فلم أرى أي ضرر لملاقاته في مكان عام. عندما رأيته تسارعت دقّات قلبي وكأنني فتاة صغيرة وعدتُ في لحظة إلى أيّام الجامعة حيثُ كنتُ غير مبالية لشيء وكانت الأمور أبسط بكثير. هو أيضاً كان مرتبكاً ولم أفهم شيء مما قاله عندما وصل:

 

- مرحباً... أنتِ... أعني... لا بأس... لا لا... أعني جداً!

 

ما قصده هو أنني أبدو جميلة جداً وأنّه مسرور لرؤيتي. جلسنا لساعتين وللحقيقة لم أكن على عجلة لأعود إلى البيت ولكن إستفقتُ من هذا الجو الرومانسي فجأة وقلتُ لفادي:

 

- عليّ العودة...

 

- إبقي قليلاً بعد... أرجوكِ...

 

وطلبنا السندويشات وبقينا حتى المساء. وعندما عدتُ إلى المنزل وجدتُ زوجي بإنتظاري. سألني أين كنتُ فكذبتُ عليه ربما لأنني إعتبرتُ أنّه إذا علمَ أين كنت لن يفهم أهميّة هذا اللقاء بالنسبة إليّ. ولكن كان يجدر بي إخبار زوجي بالأمر لكنتُ تفاديتُ كل ما حدث لاحقاً وكان يجب أن تقف لقاءاتي بفادي ولكن لم يحصل هذا وأصبحنا نتلاقى مرّة في الأسبوع كالعشّاق ولكن دائماً في مقهى أو مطعم.

كنتُ أضع إبنتي عند شقيقتي وآخذها عندما أعود وبما أن فادي لم يكن مرتبطاً كان من السهل عليه البقاء خارج البيت قدر ما يشاء على عكسي. وبدأ زوجي يشكّ بأمري وبهذه المواعيد مع صديقة لم يسمع بها من قبل.

لا أدري لماذا إستمريّتُ بالذهاب لرؤيته فأنا كنتُ أحبّ زوجي وإبنتي ولم يكن يزعجني شيء بحياتي. وبعد فترة قرّر زوجي أن يسألني بجدّية عن خروجي المستمر فقلتُ له بكل بساطة:

 

- إنني ألاقي صديق قديم كنتُ أعرفه عندما كنّا في الجامعة.

 

- ولمَ لا تجلبينه إلى البيت؟ ولم كل هذه المواعيد. ماذا يحصل؟ هل أنتما عشيقان؟

 

- لا! لا! إنّه فقط صديق.

 

- وإن قلتُ لكِ أن تكفّي عن رؤيته؟

 

- سأقول لك أنني لا أفعل شيء مشين ولن أتوقّف.

 


ومنذ ذلك الحين تدهورَت علاقتي مع زوجي. لم نعد نتحدث أو نجلس سويّاً وأصبحنا كالغرباء. من ناحيتي لم أتأثّر كثيراً فكان لديّ فادي وكان يملئ حياتي وكنتُ أعيش في عالم آخر بعيداً عن الواقع. وفي يوم من الأيّام قال لي فادي:

 

- تعالي معي.

 

- إلى أين؟

 

- لا يهمّ... إلى حيث نريد.

 

- أنسيتَ أنني متزوّجة ولي إبنة؟

 

- نأخذ إبنتكِ معنا ليس عندي مشكلة بالموضوع.

 

- أنت مجنون! لا... لا أستطيع!

 

- فكّري بعرضي لكِ.

 

والغريب في الأمر أنني بدأتُ أفكّر جديّاً بالرحيل مع أنني لم أشكو يوماً من حياتي وقبل أن ألتقي بفادي كنتُ مغرمة بزوجي وأنعم بحياة سعيدة جداً.

وفي ذاتَ ليلة أخذتُ حقيبة وبدأتُ أوضّب ثيابي وثياب إبنتي وأنوي الفرار وكأنني سجينة. ولكن دخل زوجي ورآني فجنّ جنونه وأخذَ يصرخ بي محاولاً فهم ما كان يحدث. لم أستطع الشرح لأن نفسي لم أكن أدري. حاولَ منعي من الخروج ولكنني أخذتُ إبنتي وركضتُ خارجاً ووصلتُ حتى الطريق لأخذ سيّارة أجرة. ركبَ بسيّارته وتبِعنا وهو يصرخ إسمي. وفجأة جاءت شاحنة وإصطدمت به. سمعتُ صوت الصدمة وطلبتُ فوراً من السائق التوقّف وأسرعتُ لأرى إن كان بخير فرأيتُ الدم على الأرض وزوجي فاقد الوعي. وفي تلك اللحظة أدركتُ كم كنتُ أحبّه ومدى غبائي. طلبتُ الإسعاف ومنذ ذلك الحين لم أتركه أنتظر أن يفتح عينيه ويرى أنني ما زلتُ بجانبه وأنني لم أرحل. وحتى حصول ذلك أمسكُ بيده وأكلّمه وأقول له أنّه حبّ حياتي وكم أنا آسفة لما فعلتُه به وبنا.

أمّا فادي فغادر البلاد بعد الحادث مدركاً أنه كاد أن يفرّق بين حبيبين وأن يهدم عائلة فقط ليسترجع حُبّ شبابه.

 

حاورتها بولا جهشان   

المزيد
back to top button