ما أصعب أن يعيش المرء في خوف دائم وأن ينظر وراءه كلّما غادرَ منزله أو يرجف قلبه مع كل دقّة باب. هذه هي حالتي اليوم ومصدر خوفي هو زوجي السابق إيهاب.
كل شيء بدأ عندما رأيتُ فيما مضى إيهاب لأوّل مرّة وأُعجبتُ به كثيراً، لِدرجة أننّي لم أعد قادرة على التفكير بسواه. فعندما سألَتني صديقتي إن كنتُ مستعدّة لإعطاءه رقم هاتفي بعدما طلبَ ذلك منها، أسرعتُ بالقبول وبدأتُ أتأمّل إشارة منه. وأبقاني أنتظر لِمدّة أسبوع بكامله ومِن ثمّ إتّصلَ بي. تكلّمنا مطوّلاً وإتّفقنا على أَن نلتقي في مقهى. ولكنّه لم يأتِ إلى الموعد وإنشغل بالي عليه، فظننتُ أنّ مكروهاً حصلَ له خاصة أنّه لم يجب على إتصالاتي. وعدتُ إلى المنزل حزينة القلب ولم أستطع النوم في تلك الليلة. ولكن في صباح اليوم التالي، جاءتني مخابرة مِن إيهاب وإعتذرَ منّي على عدم مجيئه للقائي. وعندما سألتُه عن السبب، قال لي:
ـ جاء إلي أصدقاء ولم أستطع التخلّص منهم
ـ كان يجدر بكَ أن تتصل بي وتخبرني أنّكَ منشغل... جعلتَني أنتظر لِوحدي...
ـ وها أنا أتكلّم معكِ الآن! ألا أستحقّ الإنتظار؟ صدّقيني يا أماني عندما أقول أنّني مهتمّ جداً بكِ... ما رأيكِ أن تلتقي في الغد في المكان نفسه؟
ـ وهل ستأتي أم ستفعل مثل المرّة السابقة؟
ـ سآتي.
وسامحتُه لأنّه كان يعرف كيف يستميل عاطفتي. وبعد وقت طويل إستوعبتُ أنّه جعلَني أتعلّق به بهذه الطريقة وأراني أنّه هو الذي يقرّر ما سنفعل ومتى. وإلتقينا مرّة وإثنتين وعدّة مرّات ثمّ طلبَ منّي أن نعلن خطوبتنا. فرحتُ كثيراً لأنّني كنتُ متيّمة به ولم أرَ فيه سوى الذي أردتُ أن أراه. وجاء إيهاب لِمقابلة والديّ وطلب يدي منهما وأذكرُ تماماً ما قالَه أبي لي عنه بعدما غادرَ بيتنا:
ـ تعرفين كم أحبّكِ يا حبيبتي... ولا أريد سوى سعادتكِ... ولكنّني لم أستلطف ذلك الشاب... فثقته المفرطة بنفسه مزعجة للغاية... وأرى أنّكِ تحبّينه كثيراً... أكثر مِن اللازم...
ـ وهل للحب حدود أو قوانين؟ ألَم تحبّكَ أمّي؟
ـ بلى... وكثيراً أيضاً... ولكنّها رأت فيّ أيضاً عيوبي وتحدّثَت عنها معي وطلبَت منّي أن أصلحها قبل أن تتزوّجني.
ـ لاعيوب في إيهاب!
ـ ليس هناك مِن إنسان كامل الأوصاف يابنيّتي... إحذري منه... لن أوافق على زواجكِ منه قبل مرور السنة... عندها سنرى إن كنتِ لا تزالين تحبّينه.
غضبتُ مِن أبي على موقفه هذا وركضتُ أخبر حبيبي عن الأمر. وبعد أن إستمعَ إليّ إيهاب سكتَ ثمّ قال:
ـ رأي والدكِ بي ليس مهمّاً... هل تحبّيني؟
ـ أجل
ـ أكثر مِن أبيكِ؟
ـ أجل
ـ إذاً سنتزوّج مِن دون موافقته!
ـ ولكن...
ـ إن لم تفعلي ذلك فلَن ترَين وجهي مجدداً.
كان التهديد واضحاً ولم يبقَ لي سوى الإختيار. ولأنّني كنتُ في الثامنة عشر مِن عمري، إخترتُ الحب على المنطق. وفي ذاك ليلة وافيتُ إيهاب الذي كان ينتظرني في السيّارة وذهبنا نتزوّج. وعندما إستفاق والديّ وبحثا عنّي في كل مكان، قال والدي لأمّي:
ـ أخذَها هذا الندل! أخذَها منّا! قلتُ لكم أنّه يتلاعب بها!
وهكذا أصبحتُ زوجة الذي إختاره قلبي وتأمّلتُ بالعيش بسلام وإنجاب الأولاد منه في بيت مليء بالسعادة والهناء. ولكن حالما حمِلتُ إسمه، أظهرَ لي زوجي وجهه الحقيقي أي رأيتُ أنانيّته وشرّه. فلم يعد يسمح لي بالخروج مِن دونه بتاتاً ولم يأخذني معه إلى مكان. كان يذهب كل ليلة إلى المقاهي مع أصدقائه ويبقى خارج البيت حتى أوقات متأخرّة وكنتُ أجلس وحيدة أنتظر عودته. ولكن حين يعود، كان يذهب فوراً إلى الفراش دون أن ينظر إليّ حتى. كان لنا حياة جنسيّة ولكن فقط عندما كان يريد ذلك وعلى طريقته، أي لإرضاء رغباته وحسب.
وحين طلبتُ منه أن يكون حنوناً معي في الفراش ويريني حبّه لي نظرَ إليّ وقال:
ـ فقط النساء القليلات الأخلاق تطلبنَ الإستمتاع بالجنس... هل أنتِ كذالك؟
ـ لا... ولكن...
وتابعتُ حياتي بصمت أتفرّج عليه وهو يمرح ويعيش كما يحلو له وإمتلأ قلبي بالحزن حتى أن أصبتُ بالإكتئاب. وحالتي لم تعد تسمح لي بالإهتمام بنفسي أو بالبيت ما أثارَ غضبه:
ـ إنظري إلى نفسكِ! كم أنتِ قبيحة! لماذا هذا الإهمال؟
ـ لم أعُدِ أطيق شيئاً...
ـ وماذا ينقصكِ؟
ـ كل شيء!
وأخذ يخبر أصدقائه أنّ زوجته تهمل نفسها وتدفعه إلى التفتيش عن غيرها وأسفوا له وهدّدني بالطلاق. ورأيتُ أنّها فرصتي الوحيدة لإنهاء عذابي فقبِلتُ أن يتركني. ولكنّه لم يكن أبداً مستعدّاً لإخلاء سبيلي وكان الحديث عن الطلاق مجرّد تهديد.
وعندما سمعَني أقول له:"طلّقني هذا ما أريده"، أجابني: "ستظلَين زوجتي حتى آخر يوم في حياتكِ". وعلِمتُ أنّني سجينته الأبديّة وبكيتُ كثيراً. ولكن بعد بضعة أشهر، حدث شيء غيّر مجرى حياتي. فالذي لم أكن أعرفه، هو أن إيهاب كان يبيع المخدّرات وفي ذات يوم جاءَت الشرطة وداهمَت شقّتنا بعدما أوشى أحداً به ووجدَت أكياساً مِن الكوكايين. سُئلتُ أسئلة كثيرة ولكنّني طبعاً لم أكن أعلم شيئاً عن الموضوع. وبعد ساعات تمّ القبض على زوجي. أرّدتُ الذهاب لرؤيته ولكنّني مونعتُ مِن ذلك، فقابلَني المحامي الذي تولىّ الدفاع عنه وقال لي أنّ إيهاب يطلب منّي أن أقول للشرطة أنّ رجلاً أتى إلى بيتنا وأعطاني طرداً لأبقيه عندنا وأنّنا لم نكن نعلم ما بِداخله. وافقتُ أن أكذب تحت شرط أن يطلّقني زوجي. وبعد عدّة محادثات، قَبِل أخيراً أن يعطيني حرّيتّي. ولكن ورغم شهادتي المزوّرة، حُكِمَ على إيهاب بالسجن خمسة سنوات عدتُ خلالها أعيش مع أبويّ بعدما إستقبلاني بكل سرور خاصة بعدما علِموا بالذي مررتُ به.
وقرّرتُ أن أبدأ حياتي مِن جديد، فعادَت إليّ صحّتي وإبتسامتي ووجدتُ عملاً أحبّه وخلتُ أنّ متاعبي أصبحَت ورائي. ولكن كانت فرحتي قصيرة المدى لأنّ زوجي لم يكن مستعدّاً لرؤيتي سعيدة مِن دونه بعدما وصله خبر ذهابي إلى العمل وشرائي لسيّارة خاصة بي، فبعثَ لي برسالة تقول: "صحيح أنّني مسجون ولكنّني سأخرج في يوم مِن الأيّام... وصحيح أنّني طلّقتكِ ولكنّكِ لا تزالين ملكي... الزواج والطلاق هما حبر على ورق وأنتِ لي إلى الأبد... إعلمي أنّ هناكَ حديث عن خروجي قبل الأوان بسبب حسن سلوكي، فأنا هنا سجين مثالي... لن تعرفي متى سأصبح حرّاً وآتي إليكِ... إبقي متيقّظة، فلم أنسَ الطريقة الدنيئة التي إستعملتيها للإفلات منّي... أماني يا أماني... أنا آتٍ قريباً.
وعندما قرأتُ تلك السطور ،كادَ أن يُغمى عليّ وأخبرتُ والدي عن نيّة إيهاب في إيذائي وقُرِّرَ إرسالي إلى عمّتي في الولايات المتّحدة. ولكنّ الإجراءات طويلة ولا أحد يعلم في أيّ وقت سأحصل على أوراقي. وفي هذه الأثناء، أحاول عدم الخروج مِن المنزل وإن أُجبرتُ على ذلك أصتحِب شخصاً معي ولكنّني أعلم أنّ لا أحد ولا شيء يمكنه أن يقف في طريق زوجي السابق.
حاورتها بولا جهشان