أكانت زوجته حقاً مريضة؟

كنتُ قد لاحظتُ زياد مِن أوّل مرّة وطأَت قدمَيه المصرف وذلك بِسبب وسامته وثقته بِنفسه. كان مِن هؤلاء الذين يملؤون المكان بِوجودهم فقط فكيف لو تكلّم وغازلَ وابتسمَ؟ ومِن وراء مكتبي كان قلبي يدقّ كلّما دخَلَ وخاصة عندما بدأ يقصدني لإجراء معاملاته. وكان يكلّمني بلطف وحنان ويهنّأني على مظهري الأنيق ويلاحظ أي تغيير مهما كان صغيرًا: "هل قصصتِ شعركِ؟" أو"طلاء الأظافر هذا يبرز جمال يديكِ."

ولكنّ المشكلة كانت خاتم الزواج الذي كان يلمع على أصبعه لأنّني لم أشأ يومًا اقامة أي علاقة مع رجل متزوّج. لماذا هذا الرفض؟ لأنّني لم أتحمّل فكرة أن أفرّق بين رجل وزوجته فهل كنتُ سأرض أن يحصل لي ذلك إن كنتُ متزوّجة؟ بالطبع لا.

فعندما شعرتُ بأنّ زياد يتقرّب منّي وبشكل خطير بدأت أحوّله الى زميل لي مُدّعية أنّني مشغولة بِملفات أخرى. ولكنّ الرجل لم يكن غبيًّا وفهِمَ أنّني لم أعد أريد الاهتمام به.

وفي ذات يوم وصلَني الى المصرف باقة زهور عملاقة وبطاقة صغيرة تقول: "سامحيني إن كنتُ قد أزعَجتُكِ بشيء. زياد ت." وبحثتُ عن رقم هاتفه واتصلَتُ به فورًا أوّلا لأشكره على الباقة وثانيًا كي أشرحَ له أنّني غير مستاءة منه. عندها سألَني:

 

ـ ولماذا هذا التهرّب؟

 

ـ لأنّني... أعني... لأنّكَ...

 

ـ سهام يا سهام... كلانا نعلم أنّ هناك انجذابًا قويًّا بيننا... لماذا النكران؟ لا أستطيع التوقّف عن التفكير بكِ... تسكنين قلبي وعقلي وكياني كلّه.

 

ـ ولكنّكَ متزوّج... ولا مستقبل لنا... لن أرضى بأن آخذ مكان إمرأة أخرى خاصة أن كانت أمّ الأولاد... مِن الأفضل أن تنسى الموضوع.

 

ـ لن ننسى شيئًا... ما رأيكِ لو أعتبرناها صداقة؟ ما المانع في ذلك؟

 

ـ صداقة فقط؟

 

ـ اجل

 

وبدأنا نخرج لتناول الغداء خلال استراحتي وأمضَينا أوقاتًا جميلة نتحدّث عن أنفسنا وعن أمور عديدة وتبَّين لي انّنا جدّ متقاربَين. وبعد حوالي الأسبوعَين قبّلني زياد على فمي ولم أمانع بل استمتعتُ بالقبلة لِدرجة أنّني تمنَّيتُ أن تدوم الى الأبد.

 

 


ولكن عندما عدتُ الى العمل شعرتُ أنّني تخطّيتُ الحدود التي وضعتُها لِنفسي وقرّرتُ عدم تكرار غلطتي. ولكنّ ذلك كان صعب التنفيذ مع رجل كزياد الذي كان يعلم كيف يسرق القلوب.

وسألتُ نفسي مرارًا عن حقيقة علاقته بِزوجته ولكنّني لم أجرؤ على الاستفسار. ولكن بعدما بدأنا بالقبلات والحارّة منها شعرتُ أنّه مِن حقّي أن أعلم. فأجابَني:

 

ـ زوجتي مريضة

 

ـ يا الهي! ما بها؟ هل لدَيها مرضًا خبيثًا؟

 

ـ لا... لا تشكو مِن شيء... أعني جسديًّا... لدَيها "أو سي دي" أو الوسواس القهريّ.

 

ـ ماذا تقصد؟

 

ـ أنّه اضطراب نفسيّ... تتفقّد كل شيء عشرات المرّات وتنظّف المنزل مِن الصباح الى المساء... ناهيكِ عن رفضها لِممارسة الجنس معي تحت ذريعة أنّ الأمر "مثير للاشمئزاز"... في البدء كانت تقفز مِن السرير بعد أن ننتهي وتدخل الحمّام وتغسل نفسها لِساعات... بالكاد رُزقنا بوَلَدين... حياتي جحيم... أفكّر بِتركها... لم أعد أستطيع العيش معها... منذ ما تعرّفتُ اليكِ وأنا أشاوِر نفسي جدّيًّا... أنتِ فتاة جميلة وتتمتّعين بِصحّة جيّدة وتفكيركِ سليم... يجدر بكِ أن تكوني أنتِ زوجتي.

 

وفرِحتُ كثيرًا لِسماعه يقول ذلك وتصوّرتُ نفسي معه الى الأبد.

 

ولكنّني أضَفتُ:

 

ـ وتترك إمرأة مريضة؟ أليست بحاجة اليكَ؟

 

ـ حالتها تسوء يوم بعد يوم... أحيانًا أخاف على نفسي منها... قريبًا ستحتاج الى عناية لا أستطيع تقديمها لها... سهام أنا بحاجة الى عاطفة ولا أحد سواكِ يستطيع أعطائي هذا الكمّ مِن الحبّ.

 

وكلامه أثّرَ بي لِدرجة أنّني نسيتُ مبادئي كلّها. قرّرتُ أن أكون لِزياد. وعندما أخبرتُه بِقراري أخَذَ يقبّلَني كالمجنون ويردّد: "أنتِ ملاكي... سأحبّكِ حتى آخر نفس!"

وأخَذَني الى فندق صغير ومارسنا الحبّ بِشغف. لم أتردّد أن أقدّم له أغلى ما عندي لأنّني كنتُ واثقة مِن أنّه سيتزوّجني. فكيف لي أن أشكّ بذلك الرجل المحترم والمحب ّفهو لم يفوّت فرصة لإظهار حبّه لي وتعلّقه بي.

وبدأنا نتواعد بإستمرار في ذلك الفندق وحين رأيتُ أنّ زياد لم يعد يتكلّم عن الزواج سألتُه عن السبب فأجابَني بِحزن:

 

ـ زوجتي...

 

ـ ما بها؟

 

ـ لقد شعَرَت بابتعادي عنها وطلَبت مِن ولَدَينا أن يضغطا عليّ كي أبقى معها... كان المشهد مؤثّرًا... بكينا جميعًا... تمزّقَ قلبي.

 

ـ وأنا؟

 

ـ تأكّدي أنّني لا أزال على وعدي ولكن عليكِ الصبر قليلاً... على الأقل ريثما تهدأ الأحوال... تعالي حبيبتي.

 

ومنذ ذلك اليوم فقدتُ ثقتي بِعشيقي لأنّني شعرتُ أنّني قد لا أرى خاتم الزواج على أصبعي. لِذا قرّرتُ أن أنتظر قليلاً ومِن ثم فتح موضوع الزواج مجدّدًا. فبعد حوالي الشهرَين عاودتُ سؤالي نفسه. وهذا ما أجابَني:

 


ـ حبيبتي الغالية... آه لو تعلمين كم أتعذّب! البارحة زارنا أخو زوجتي وطلَبَ منّي أن أصبرَ بعد... هو رجل مثلي ويعلم بما أمرّ به... تكلّمنا كثيرًا وأطلعتُه على نيَّتي في الزواج مِن أخرى وتوسّلَ اليّ أن أرجئ الموضوع قليلاً لأنّ حالة أخته لا تسمح بالصدمات فهذا قد يؤثّر بِشكل دائم عليها... يعرف عمّا يتكلّم فهو طبيب.

 

ـ أخوها طبيب؟ لم تذكر ذلك مِن قبل.

 

ـ تعلمين أنّني لا أحبّ أن أتكلّم عن زوجتي وعائلتها عندما نكون سويًّا... أفضّل أن أهرب مِن واقعي المرير... معكِ أشعر وكأنّني مراهق لا يبالي لِشيء... معكِ أكون على كوكب آخر... أحبّكِ ولن أقضيَ حياتي إلاّ معكِ... كفاكِ تساؤلات... ثقي بي!

 

ولكنّني لم أكن غبيّة لِدرجة عدم أدراك ما يحصل. صحيح أنّني ولِقلّة خبرتي في الحياة كنتُ قد تورّطتُ مع رجل متزوّج ولكنّني فهمتُ وبِوضوح أنّ زياد يريد أن يربح بعض الوقت قبل أن أفضح أمره. ولم أكن مستعدّة لِتقديم نفسي له بعد ذلك بل قرّرتُ أن أفهم ما يحصل.

لِذا فتحتُ ملفّه الشخصيّ الموجود عندنا في المصرف والذي يحتوي على كامل التفاصيل المتعلّقة به بما فيها عنوانه السكني. فحتى ذلك الحين لم أكن أعلم أين يسكن ولم أسأله لأنّ الموضوع لم يكن يهمّني.

وفي ذات يوم أخذتُ بعض الأوراق وذهبتُ أدقّ باب منزله أثناء تواجده في عمله. وفتحَت لي زوجته وعندما سألَتني عن سبب قدومي قلتُ لها أنّني بحاجة الى توقيع زوجها على أوراق مهمّة. عندها ضحِكَت المرأة وقالت لي:

 

ـ أدخلي... سنتكلّم في الداخل على راحتنا.

 

وتلبّكتُ ولكنّني دخلتُ البيت. وبعدما جلسنا قالت لي الزوجة:

 

ـ يا للموظّفة المجتهدة... تقصدين الزبائن في دارهم.

 

ـ إنّها أوراق جدّ مهمّة...

 

ـ هل تمارسين الجنس مع زوجي؟

 

ـ ماذا؟ ماذا؟ لا أسمح لكِ...

 

ـ كفى! هل اعتقَدتِ أنّ تمثيليّتكِ ستمرّ عليّ؟ كم أنّكِ ساذجة! جئتِ لِترَينَني بِعينيكِ... ماذا قال عنّي هذه المرّة؟ أي مرَض اخترعَ؟ السرطان؟ القلب؟ الكبد؟

 

ـ الوسواس القهريّ.

 

ـ لطالما كان خياله واسعًا... الوسواس القهريّ... ولما لا؟ اسمعي يا ابنتي... أرى أنّكِ فتاة طيبّة... يتلاعب زوجي بكِ كما فعلَ بِغيركِ... وفي آخر المطاف يعود اليّ كل مساء وينام بِقربي... منذ البدء وهو يخونني ولو أرادَ الرحيل لكان فعلَ ذلك مِن وقت طويل... هل وعَدَكِ بالزواج.

 

ـ أجل.

 

ـ يا للمسكينة... أشعر بالأسى عليكِ... لا تقولي له أنّكِ جئتِ الى هنا فسيخترع أساليبًا جديدة لاقناعكِ... اسمعي منّي واقطعي علاقتكِ به...

 

ـ ولماذا يجدر عليّ تصديقكِ؟

 

ـ لأنّكِ تعلمين في قرارة نفسكِ أنّني أقول الحقيقة وإلاّ لما جئتِ ودقّيتِ بابي... وأن كنتِ مستعدّة لِهدر حياتكِ مِن أجل خائن وكاذب فهذا شأنكِ... ارحلي الآن فعلي تحضير الغداء.

 

ـ للأولاد؟

 

ـ أيّ أولاد؟ لم ننجب بسبب عقر زياد.

 

وكانت هذه الجملة كافية لِتمحي مِن قلبي أي ذرّة حب أملكها تجاه زياد. وواجهتُه بالحقيقة التي اكتشفتُها وكان همّه الأوّل معرفة مصدر معلوماتي. لم أقل له أنّ زوجته هي التي أخبرَتني ما يجري كي تبقى الأوراق بِيَدها. واختفى بعدما سحَبَ ماله مِن مصرفنا وذهبَ مِن دون شك يبحث عن ضحيّة أخرى.

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button