أعطَيتُ عائلتي لأختي التوأم

مَن منّا لم يسأل نفسه ما يمكنه فعله لو لَدَيه توأماً وكَم مِن الألاعيب يستطيع تمريرها على الناس؟ ومع أنّ الأمر قد يبدو مسليّاً لصاحب الدعابة فقد لا تجد الضحيّة الموضوع مُضحكاً خاصة إذا كانت المسألة تتعلّق بالشرف. والقصّة التي سأرويها هي قصّتي أنا وأختي التوأم وكيف إستغلّيتُ الشبَه الذي بيننا للإفلات مِن الفضيحة.

سأبدأ مِن البداية أي عندما ولِدتُ قبل أختي ببضع دقائق وأعطوني إسم آية وهي حظيَت بإسم نايا. وكبرنا سويّاً لا يستطيع أحد التفريق بيننا حتى أمنّا التي كانت تضع على معصمي سواراً أحمراً وعلى معصم أختي آخراً زهريّ اللون. وعندما بدأنا ندرك مدى الإرباك الذي كان يحدثه شبهنا أخذنا نبدّل بالأساور ونضحك عندما يخطئون بيننا. ولكنّنا كنّا نختلف مِن حيث الشخصيّة فكنتُ القوّية بين الإثنتَين لا يردعَني شيء بينما كانت نايا متحفّظة تخجل مِن إظهار ما في قلبها. ولكي نُبقي الحيرة موجودة فيما يخصّنا علِمتُ على تقليد حركات أختي ومشيَتها الخجولة وتردّدها الدائم لأنّني كنتُ أعلم أنّها لن تجيد تقليدي وسيُفضَح أمرنا. مِن أين جئتُ بهذا الكمّ مِن الحيلة؟ لا أعلم ولم يهمنّي يوماً أن أكتشف سرّ هذا الفرق بيني وبين مخلوقة هي نسخة طبق الأصل عنّي.

وفي سنّ المراهقة وجدتُ أنّني فتاة جميلة يلحقها الشبّان وأعجبَني الأمر كثيراً. وكنتُ دائماً أقول: "على الفتاة الجميلة أن تستفيد مِن هذه الهبة وإلاّ فهي لا تستحقّها". وصرتُ أعطي المواعيد لِمَن يرغب وأواعدهم في السرّ لأنّ أهلي لم يكونوا متساهلين معنا في هذا الموضوع. وعندما كنتُ أريد التخلّص مِن أحدهم كنتُ أبعث له نايا التي دون أن تفعل شيء كانت قادرة على إبعادهم وبسرعة. فالنار التي بداخلي كانت توازيه برودة أختي حيال الشبّان وهذا كان كافٍ لخلق الملل عندهم.

وبالطبع لم تكن نايا راضية أن أستعملها هكذا ولكنّني كنتُ دائماً أجد وبسهولة طريقة لإقناعها وترضيتها لأنّني كنتُ أذكى منها أو على الأقل هذا ما إعتقدتُه. فما كنتُ أسميّه ذكاء كان مكر وخبث والذي كنتُ أعتبره بساطة وسذاجة هو بالفعل نقاوة قلب ومحبّة.

ووقعتُ في الحبّ أخيراً عندما أصبحنا في آخر سنة مِن الجامعة وكان إسمه غيث. وبالرغم أنّني لم أُعجَب به في البداية عرفَ كيف يجعلني أحبّه لأنّه كان مختلفاً عن الآخرين. كان يحترمني كثيراً ويبحث عن راحتي وتلبية رغباتي بطريقة مسؤولة أي أنّه كان يقول لي ما يناسبني ويردعَني عن أمور كثيرة. ولأوّل مرّة رضيَت أختي عن الشاب الذي أواعده بعدما كانت تقول لي بإستمرار: "كل هؤلاء الشبّان فارغين وسطحيّن... لما لا تجدين إنساناً عميقاً وذكيّاً؟ أنتِ تستاهلين أفضل مِن ذلك بكثير!". ولأوّل مرّة أيضاً قبِلتُ أن أعرّف أحداً على أهلي ربمّا لأنّني كنتُ أعلم أنّني سأحظى بمباركتهم وسأستطيع أخيراً الخروج معه علناً بدلاً أن أختبئ كما في السابق.

 


وجرى كل شيء كما توقّعتُ وظننتُ أنّ حياتي ستكون كلّها هنيئة. ولكنّ طبعي لم يكن ليتحمّل طويلاً الهدوء لأنّني كنتُ أبحث بأستمرار عن الإثارة والتشويق الأمران اللذان لم يكونان موجودان مع غيث. فبدأتُ أملّ منه وفكرّتُ جديّاً بتركه وإيجاد آخر. ولكنّ نايا منعَتني مِن ذلك صارخة: "ما بكِ؟ لديكِ أفضل شاب بالعالم ولا تريدينه؟ ما مشكلتكِ؟ هل ستقضين حياتكِ بالإنتقال مِن شاب إلى آخر؟ لو كنتُ مكانكِ لتمسّكتُ به جيّداً لأنّ ألف بنت تتمنّاه".

وما لم أكن أعرفه آنذاك هو أنّ أختي كانت مغرمة بغيث سرّاً. وإقتنعَتُ بكلام أختي وقرّرتُ بالمضي في علاقتي. وبعد أقل مِن سنة جاء غيث وطلبَ يدي وقبلنا به. وهكذا تزوّجنا وسكنّا في شقّة جميلة قريبة مِن منزل أهلي. ولكن شعوري بالملل عادَ بسرعة ولم يمضِ على زفافي بضعة أشهر حتى أن ضاقَت الدنيا بي وأردتُ الخروج مِن المصيبة التي زجّيتُ نفسي بها. ولكنّني إكتشفتُ أنّني حامل فسكتُّ راضخة للأمر الواقع. وأنجبتُ ولداً جميلاً أحببتُه كثيراً ولكنّني وللأسف لم أعد أحبّ أباه.

وساعدَتني نايا كثيراً في تربيَة مازن والإهتمام به لأنّني كنتُ مكتئبة طوال الوقت. وبالطبع لاحظَ زوجي حزني الدائم ولكنّه ردّ الموضوع إلى الولادة التي تسبّب أحياناً إكتئاباً عند الأم. وبعد أشهر قليلة أخذتُ أختي جانباً وقلتُ لها:

 

ـ إسمعي... لم أعد أطيق الحياة مع غيث.

 

ـ لماذا؟ هل أذاكِ بشيء؟

 

ـ بالعكس... لطفه الزائد يثير جنوني... وكم هو مملّ! لا شيء يحدث في حياتي وأشعر بأنّني أختنق!

 

ـ لا يحدث شيء بحياتك؟ ومازن؟

 

ـ أجل... أجل... لقد أنجَبتُ طفلاً... ولكنّني أتحدّث عن الحب... الحب! على كل حال لن تستطيعي فهمي فلم تحبّي يوماً.

 

ـ ومَن قال لكِ ذلك؟

 

ـ الموضوع ليس أنتِ بل أنا! إسمعي... أشعر بأنّني على وشك الخروج مع رجل آخر.

 

ـ مَن؟

 

ـ هناكَ شابّاً كنتُ أعرفُه... لم أقطع كليّاً علاقتي به... بقينا على إتصال عبر الهاتف... ويوّد أن نعاود ما كان بيننا.

 

ـ أنتِ مجنونة!

 

ـ لبل أنا مليئة بالحياة والحيويّة! إسمعي... لا أقول لكِ ما في بالي فقط لأفتحَ قلبي لكِ... سأحتاج إليكِ... كالسابق.

 

ـ لا! لا تدخليني في متاهات الخيانة أرجوكِ...

 

ـ ستفعلين ما أطلبُه منكِ! أنا محظوظة لوجود أختِ تشبهني لدرجة مربكة وهذا لم يحصل بالصدفة! لقد كُتبَ لي أن أستفيد منكِ. ستحلَين محلّي كلّما تغيّبتُ عن المنزل... لن يعرف غيث الفرق... لا تخافي.

 

ولأنّني كما قلتُ سابقاً كان لدَيَّ تأثيراً قويّاً على نايا إستطعتُ إقناعها بالقبول. وهكذا بدأتُ أخرج مع عشيقي دون خوف. كل ما كان عليّ فعله هو جلب نايا أثناء غياب زوجي لتحلّ مكاني لبضعة ساعات ومِن ثمّ تتحجّج هي بالخروج قليلاً لأستعيد مكاني. وحرصنا أن نلبس نفس الثياب في تلك الأيّام كي لا يلاحظ زوجي شيء.

 


في البدء خفتُ أن يفضحنا إرباك أختي ولكنّ الأمور سارَت كما أرَدتُ ولكنّ أمراً واحداً لم أحسب له حساب أثار فضول غيث وهو إبني الذي كان يبكي بإستمرار بوجود نايا معه لأنّه الوحيد الذي كان يشعر بالفرق بيننا. وأخذَ زوجي يسأل نايا لماذا يبكي الولد هكذا وفكّرَ أن يأخذه عند الطبيب ولكنّها أقنعَته أنّ السبب هو نبوت أسنانه.

وإستمتعتُ جدّاً بوقتي بعيدة عن المنزل ومسؤوليّاتي الزوجيّة خاصة بعدما وقعتُ بحب عشيقي ونويتُ جدّياً الهروب معه. ولكي أفعل ذلك كان عليّ إقناع أختي بالعيش مكاني بصورة دائمة خوفاً على إبني الذي كنتُ فعلاً أحبّه. والذي ساعَدَني على ذلك هو إكتشاف مشاعر نايا تجاه غيث أثناء حديث جرى بيننا عندما كانت تؤنّبني على ما أفعله بزوجي الذي يستحقّ الأفضل لأنّه عظيم عندها صرختُ لها:

 

ـ أنتِ مغرمة به!

 

ـ لا... أبداً... لماذا تقولين هذا؟

 

ـ لأنّ وجهكِ احمرَّ كالتفّاحة! أيّتها الشقيّة! ها ها ها! إذا كان الأمر هكذا فيمكنكِ أخذه.

 

ـ ماذا؟

 

ـ أجل... أنوي الهروب مع حبيبي... إبقِ مكاني وخذي زوجي... وإهتمّي بولدي.

 

وبعد جلسات عديدة إستطعتُ إقناعها أخيراً. وهكذا في أحد الأيّام سافرتُ مع عشيقي إلى بلد بعيد بعدما قبّلتُ مازن وذرفتُ الدموع. وقبل أن أغادر قالَت لي نايا: "هل أنتِ متأكّدة مِن الذي تفعلينه؟ لأنّ لا عودة عن هكذا قرار... أحذّركِ". ولم أسمع منها وتركتُ البيت دون أن أنظر ورائي. وقضيتُ أيّاماً جميلة ومثيرة كنتُ خلالها أهاتف أختي لأسأل عن ولدي وعن الأحوال خوفاً مِن أن يكون غيث شعَرَ بشيء. ولكنّها بقيَت تطمئنني فإرتاح بالي. ومَضَت خمسة سنين على هذا النحو حتى أن وقَعَ خلافاً كبيراً بيني وبين عشيقي بعدما إكتشفتُ أنّه يخونني فتركتُه وعدتُ إلى بلدي. وفور وصولي إتصلتُ بنايا لأخبرها أنّني عدتُ وأنّني أريد استعادة مكاني. وهذا كان ردّها:

 

ـ لن تفعلي... لقد أنذَرتكِ... حياة الناس ليست لعبة بين يديكِ... حياتي ليسَت لكِ... ولا حياة زوجكِ أو مازن... نحن عائلة الآن ولن أسمح لكِ بتخريب الذي فعلتُه خلال خمس سنوات... كلنّا سعيدين مِن دونكِ.

 

ـ إن لم تعطيني منزلي وعائلتي فسأضطر إلى فضحكِ وسنرى إن كان غيث سيستمرّ بحبّك! على كل حال فهو يخالكِ أنا... هذا يعني أنّه لا يحبّكِ بل يحبّني أنا! أسمعتي؟ أنا!

 

ـ كم أنتِ مخطئة يا عزيزتي... تخالين نفسكِ مهمّة وتسمحين لنفسكِ باللعب بالآخرين كما تشائين ولكنّ الحقيقة مخالفة... يعرف غيث تماماً مَن أنا.

 

ـ أنتِ قلتِ له ذلك؟

 

ـ لا... لَبل لا حظ أشياء كثيرة في تصرّفاتي وإستنتجَ أنّنا بدّلنا أدوارنا... واجهَني بالحقيقة وإعترفتُ له بكل شيء وإرتأينا أنّ وضعنا هكذا جيّد فلا لزوم لتغيير شيء... نحبّ بعضنا حقيقة... ومازن يعتقد فعلاً أنّني أمّه... لا يحقُّ لكِ بتخريب حياة طفل بريء.

 

وخطَرَ على بالي أن أرى محامياً لأستعيد إبني ولكنّه قال لي أنّ ما مِن قاضٍ سيعطيني حق الحضانة بعدما فعلتُه فرضختُ للأمر الواقع. كل ما أردتُه هو إبني فطلبتُ مِن نايا أن تريني إيّاه مِن وقت لآخر. وقبِلَت فبدأتُ أرافقها عندما كانت تذهب لتجلبه مِن المدرسة بعدما أخذَت موافقة غيث. ولا يزال مازن يعتقد أنّني خالته حتى يومنا هذا فلم أشأ إخباره بالحقيقة خوفاً عليه ومنه فكيف لي أن أشرح له أنّني تركتُه ورحلتُ مِن أجل رجل وأعطيتُه أمّاً بديلة؟

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button