أطلقَت زوجتي شائعات حول أفراد عائلتي

لم أتصوّر أنّ زواجي مِن عُلا سيسبّب المشاكل لنا جميعاً فلم يبدُ عليها شيء مِن كل الذي أرَتنا إيّاه بل إعتقدتُ أنّها فتاة عاقلة ومحبّة وأنّني سأعيش سعيداً معها. وكان إنتقالنا إلى بيت أهلي بعد الزفاف ربما العنصر المحرّك لباقي الأحداث بالرغم أنّها لم تمانع أبداً أن نعيش مع أبي وعائلة عُمَر أخي خاصة أنّ الجميع رحّبَ بها وعَمِلَ جهده لكي تشعر أنّها حقاً في بيتها.

وكان والدي هو الذي أصرَّ عليّ أن أنضمّ إليهم ليحافظ على ما تبقّى مِن العائلة بعد موت أمّي ولم يُردني أن أبتعد عن أخي الأكبر الذي تزوّج قبلي بسبع سنوات وأنجبَ ولَدَين جميلَين.

ولكن عُلا ورغم زعمها بأنّها كانت سعيدة لِدخولها ما سمَّتها بِ"القيبلة" كانت تنوي ومنذ اللحظة الأولى أن تستولي على المكان ولم يكن بمقدور أحد أن يوقفها. فلو شعرتُ بشيء لكنتُ قد تصرّفتُ كما يجب. ولكن عُلا كانت ماكرة لدرجة لا توصف وقرّرَت أن تستهدف العنصر القويّ في المكان أيّ أخي بعدما لاحظَت مدى غيرة زوجته عليه بِسبب خيانته لها منذ بضعة سنين مع موظّفة تعمل لدَيه. وبالرغم من أنّها سامحَته ووعدَها أنّ الأمر لن يتكرّر بقيَت الزوجة غير مطمئنّة.

وبدأَت عُلا تتقرّب مِن عُمَر ولكن بشكل غير مباشر أي تطلب رأيه ومساعدته وتشكره بحرارة ممسكة بيده لوقت طويل وكانت دائماً تنتظر حتى أكون غائباً أو في مكان آخر مِن المنزل لِذا لم ألاحظ شيئاً. ولكنّ زوجة عُمَر رأت في عُلا منافسة لها وبدأَت تراقب تصرّفاتها عن كثب. أمّا أخي فكان مسروراً أنّه يساعد زوجة أخيه في أمور صغيرة ولكن مهمّة مثل شبّاك غرفتنا الذي لم يكن يقفل جيّداً أو عندما ظنَّت عُلا أنّها رأَت فأراً تحت السرير. وبقيَ عُمَر ساعات طويلة يحاول إلتقاطه ولكنّه لم يفلح بذلك لأنّ الفأر لم يكن موجوداً بل كانت حجّة مِن قِبَل زوجتي لللعب بأعصاب الزوجة الغيوّرة. لكنّ أبي كان وبفعل ذكائه وخبرته بالناس قد لاحظَ تصرّفات عُلا ولكنّه لم يكتشف السبب الحقيقيّ لها وقرّرَ أن يحذّرني:

 

ـ ربّما أخطأتُ بحقكَ أنت وزوجتكَ عندما أصرَّيتُ على أن تأتيا للعَيش هنا...

 

ـ لماذا تقول هذا يا أبي؟

 

ـ يمكنكما الرحيل إن شئتما...

 

ـ لن نذهبَ إلى أيّ مكان إلاّ إذا كنتَ متضايقاً مِن وجودنا... هل إنزعجَ أخي منّا؟

 

ـ لا... لا... أعتقد أنّ عُلا ليست سعيدة بيننا.

 

ـ أبداً... بالعكس... تقول لي دائماً كم هي محظوظة بنا جميعاً وكيف نؤلّف عائلة كبيرة وسعيدة... أريدكَ أن تنتزع تلك الأفكار مِن رأسكَ يا أبي.

 

وتابعَت عُلا خطتّها وصعَّدَت الأمور حين بدأَت تمشي أمام عُمَر وزوجته بلباسها الداخليّ وتدّعي أنّها لم تكن تدري بوجودهما ما أثار إستياء زوجة أخي التي إقنعَت أنّ هناك علاقة بين عُمَر وعُلا. وجاءَت وإشتكَت لي عمّا بجري. عندها غضبتُ منها كثيراً وقلتُ لها:

 

ـ هذا الكلام لا أساس له... ولايجوز أن تظنّي سوءً بالناس هكذا... أعلم أنّ أخي قد أخطأ بحقّكِ فيما مضى ولكنّه ندِمَ ومنذ تلك الحادثة أصبحَ أوفى رجل رأيتُه بحياتي... ولن أقبل أن تتكلّمي عن زوجتي هكذا... أرجوكِ ألاّ تثيري المشاكل بيننا فنحن عائلة متماسكة... سأتناسى قلتِه لي لكي لا أزعزع توازن هذا البيت.

 


ونسيتُ بسرعة الموضوع بسبب غيرة تلك المرأة الدائمة على أخي ولكنّ عُلا كانت مصمّمة على التفريق بينهما ونجحَت بذلك. ففي إحدى الليالي سمعنا صوت شجار وصراخ قادم مِن غرفة نوم أخي الزوجيّة ومِن ثمّ لا شيء. وفي اليوم التالي أخَذَت زوجة أخي أمتعتها وولدَيها وذهبَت إلى أهلها. وعندما سألتُ عُمَر عن الذي جرى أجابَني:


ـ هناك مَن يختلق القصص لِزرع الفتنة... سأرحل أنا أيضاً لأسوّي الأمور مع زوجتي... أفضّل ترك المنزل لكما على أن أخسرَ عائلتي...

 

ـ ما معنى هذا الكلام؟ أتتهمني؟

 

ـ لا... بل أتّهم عُلا... لِيكن الله في عونكَ يا أخي!

 

وذهبَ وبقيَ أبي معنا وحين سألتُه عمّا قصدَ أخي بكلامه أجابَني:

 

ـ لقد حذّرتَكَ... كان عليكَ الرحيل قبل فوات الأوان.
 

وفي الليلة ذاتها أخبرَتني عُلا ونحن على وشك النوم أنّ عُمَر كان يدور حولها وعَمِلت جهدها لتفاديه دون أن تلفِت الأنظار على ما كان يفعله ولكنّ زوجته أدرَكَت ما يجري وغَضِبت منه. تفاجأتُ كثيراً لما قالَته ولكنّني ومِن جرّاء ما حَدَثَ لم يكن أمامي سوى تصديقها فقرّرتُ ألاّ أكلّم أخي بعد ذلك لكثرة غضبي منه فهكذا إنسان لا يستحق منّي أيّ إعتبار.

 

وبعد غياب عائلة أخي عن المنزل شعَرَت عُلا بالقوّة المطلقة خاصة بعدما رأَت بأيّه سهولة نجحَت خطّتها وقرّرَت أنّها تستطيع أيضاً التخلّص مِن أبي وبنفس الطريقة. وعاودَت تمثيليّة المرأة الدلّوعة ولكنّ والدي بقيَ رسميّاً معها لبل فضّلَ ألاّ يختلط بها خوفاً مِن أن تورّطه وتلصقه تهمة التحرّش. وحَبَس نفسه في غرفته لا يخرج منها سوى أحياناً ليأكل معنا. وبالرغم أنّها قصَدَته في غرفته أيضاً بالملابس الداخليّة لم يحرّك ساكناً أو يقل شيئاً يورّطه.

وحين رأت أنّ الوقت يطول أرادَت تسريع الأمور وكانت تلك هي غلطتها. فصحيح أنّني لم أرَ سواد قلب عُلا وشرّها ولكنّني لم أكن أحمقاً. فحين جاءَت زوجتي وإشتكَت مِن تصرّفات عمّها الغير اللائقة معها إستغربتُ لأمرَين: الأوّل أنّ أبي كان رجلاً مسنّاً وبعيداً كل البعد عن أمور الجنس خاصة بعد موت أمّي التي كانت كل شيء بالنسبة له والثاني أنّه لا يمكن أن يكون أخي وأبي عديمَيَ الأخلاق ويريدان المرأة ذاتها. وفهمتُ كل شيء ولكنّني قلتُ لها: "سأرى ما عليّ فعله... اصبري بعض الوقت فلا أريد إحداث ضجّة وأحوّل أمراً عائليّاً إلى فضيحة." وسُرَّت عُلا وبدأَت تحلم بأن يصبح المنزل كلّه لها ولا أستبعد أنّها كانت ستخطّط أيضاً لإزاحتي مِن طريقها لاحقاً.

ومِن ثمّ ذهبتُ لأخي وأخبرتُه ما يحصل وطمأَنتُ زوجته وطلبتُ منها أيضاً بعض الوقت لأنّني كنتُ قد قرّرتُ أن أنهي زواجي مِن عُلا فكيف لي أن أعيش مع إنسانة بهذا الكمّ مِن الأذى؟ وأبسط طريقة وجدتُها هي أن أقول لها أنّ أخي وعائلته عائدون إلى المنزل بعدما تصالحنا. نظرَت إليّ بِدهشة وقالت:

 

ـ تعيد الذي كان ينوي التحرّش بي وتبقي العجوز الفاسق أيضاً؟ أنا زوجتكَ... أنا عرضكَ... وعليكَ صوني... أم أنَكَ لست رجل؟

 

ـ معكِ حق... تنقصني الرجولة لأخذ هكذا موقف... عليكِ العيش معنا جميعاً أو...

 

ـ أو؟

 

ـ أو الرحيل... هذا عائد إليكِ... أتركيني الآن عليّ ترتيب حفل إستقبال لأخي.

 

ـ هل فقدتَ صوابكَ؟ تقيم له حفلاً أيضاً؟ لا بد أنّني أحلم!

 

وبعد رجوع عُمَر مع عائلته لم تستطع عُلا البقاء وسط "القبيلة" التي إستعادَت تماسكها كما في السابق ورحَلَت عنّا بملئ إرادتها. وبهذه الطريقة كنتُ قد تجنّبتُ مناقشات وإتهامات ومكائد عديدة. وبعد فترة تطلّقنا وعادَت البسمة إلى وجه الكلّ. ولم تمضِ أشهر قليلة حتى تعرّفتُ إلى فتاة طيبّة وأُغرمتُ بها. ولكنّني أفكّر بالعيش معها لوحدنا ليس تفادياً لما حصلَ في السابق ولكن ليكون لنا مكاناً خاصاً بنا ونشعر ببعض الخصوصيّة.

أما بالنسبة لعُلا فلا أظنّ أنّها ستكون سعيدة في حياتها لأنّها لا تعرف كيف تحب أو تسعد الآخرين لكثرة إنشغالها بنفسها.

 

حاورته بولا جهشان

المزيد
back to top button