أرَدتُ بَيع نفسي مقابل سوار من الذهب

أحياناً يدفعنا العوَذ إلى القيام بأمور لا نفتخر بها ولا ندرك مدى ذيولها إلاّ لاحقاً. فعندما لمحتُ وائل ولاحظتُ السيّارة التي كان يقودها والثياب والساعة التي كان يلبسها لحقتُ به إلى المقهى حيث كان سيلتَقي بأصدقائه مدركة أنّني فتاة جميلة ولدَيّ مفعولاً إيجابيّاً على الرجال وخاصة الأكبر منّي سنّاً.

جلستُ على الطاولة المجاورة وأخذتُ أحدّق به. ولاحظَ وائل نظراتي الملّحة وقال شيئاً لرفاقه وضحِكوا سويّاً وبدأ هو أيضاً بالنظر إليّ وبإمعان. وسبب لحاقي به كانت حالتي الرديئة والأخبار التي سمعتُها مراراً مِن فتيات أعرفها عن الذين هم مستعدوّن لِصرف مالهم على عشيقات يافعات لتبادل الرفقة والمتعة. وفي ذلك اليوم لم أشعر بأيّ خجل مِن الذي كنتُ أنوي فعله لأنّني اعتبرتُ الأمر عملاً سأتقاضى أجره كأيّ عمل آخر. ولِفهم دوافعي عليّ أن أشرح لِمَن يقرأ قصّتي مدى صعوبة وضعي الاجتماعي آنذاك مع الإشارة أنّني لا أعتبر ذلك عذراً يعفيني مِن ذنوبي.

فبعد أن كبِرتُ وسط عائلة تكفي ذاتها بِفضّل والدي شاءَت الظروف أن يلقي المسكين حتفه وهو يقطع الطريق بعد أن دهَسَته سيّارة. ووجدَت أمّي عملاً بسيطاً بالكاد كان يطعمنا ولم يعد شيئاً كما كان. فبالإضافة إلى الحزن الذي ولدّه موت والدي كان هناك تعَب أمّي والخوف دائم مِن المستقبل. وكنتُ قد أدركتُ أنّ أيّ شيء قد يحصل في أيّ وقت وأنّ عليّ أن أكون دائماً مستعدّة على ذلك نفسيّاً وماديّاً.

وبعد بضعة سنوات كنتُ قد اقتنعتُ أنّ هناك سبل عديدة لِجَني المال وتأمين مستقبلاً مريحاً وإن كانت تلك السبل غير شريفة فهي أفضل مِن الفقر والجوع. ففي ذلك اليوم كان وائل بِمثابة رزق سهل أو على الأقل هذا ما اعتقَدتُه.

وبعد أن تبادلنا النظرات والابتسامات قامَ الرجل مِن مكانه وأتى إليّ معرّفاً بنفسه:

 

ـ اسمي وائل ق. وأنا رجل أعمال... ناجح.

 

ـ أهلاً بكَ سيّد وائل.

 

ـ لاحظتُ أنّ هناك إعجاباً متبادلاً بيننا... أم أنّني مخطئ؟

 

ـ لم أستطع التغاضي عن وسامتكَ... أعتذر لِوقاحتي... لن أنظر باتجاهك إن كان هذا ما تريده.

 

ـ لا! بل إفعلي! هل لي أن أجلس على طاولتكِ؟ بضعة دقائق فقط.

 

ـ تفضّل.

 


وأخبَرني عن نفسه وعن زواجه الفاشل وأنّه باقٍ مع زوجته فقط مِن أجل أولاده أيّ أنّه أسمعَني القصّة الرسميّة التي يستعملها كل رجل متزوّج ليصطاد عشيقة. وادعَيتُ التفاهم وأثنَيتُ على تفانيه لِتماسك عائلته ومِن ثمّ عرَضَ عليّ "صداقته" وأعطاني رقمه طالباً منّي الاتصال به لِنتبادل الأرآء. وكنتُ أعلم ما يعني ذلك فكما قلتُ سابقاً سمعتُ الكثير عن الموضوع وبالرغم أنّها كانت أوّل مرّة بالنسبة لي شعرتُ وكأنّني أصبحتُ متمرّسة في فنّ اجتذاب الرجال المتزوّجين.

وعادَ وائل إلى أصحابه الذين هنّأوه على إنجازه وبدأوا حتماً بتصوّر ما سيحدث بيننا. وغادرتُ المقهى ممنونة مِن نفسي. وبعد يوم واحد على لقائنا اتصلتُ بالرجل وتحدّثنا قليلاً عن أمور لا معنى لها ودعاني إلى الغداء في مطعم فخم. ولكي أبدو أنيقة استعرتُ فستاناً جميلاً مِن صديقة لي تعمل عند خيّاطة وذهبتُ إلى الموعد.

وهناك جلسنا سويّاً وأكلنا الطعام اللذيذ وعمِلتُ جهدي لأخبئ إرباكي لوجودي في هكذا مكان فلم يسبق لي أن زرتُ مطاعم كهذا وصِرتُ أراقب رفيقي كيف يأكل لأفعل مثله. وبعدما انتهَينا مِن الأكل عَرَضَ عليّ أن نذهب سويّاً إلى "مكان هادئ" لِنكمل حديثنا. وبالطبع فهمتُ قصده ولكنّني اعتذرتُ مِن عدم مرافقته قائلة:

 

ـ في المرّة القادمة.

 

وكنتُ قد أرجأتُ الموضوع لسَبَبين: الأول لأنّني لم أعاشر رجلاً مِن قبل والثاني لأجعله يطوق إليّ أكثر. فمعظم الرجال لا يحبّون الفتاة السهلة. وبالرغم مِن استياءه ودّعَني بعدما اتّفق معي على لقاء بعد بضعة أيّام وأضاف:

 

ـ ولكنّ في المرّة القادمة سننهي الجلسة في شقّتي الصغيرة.

 

ووافقتُ على العرض قائلة:

 

ـ حسناً... ولكن لا تنسى أن تجلب لي معكَ هدّية تليق بي.

 

وهكذا تمّت ولو شفهيّاً الصفقة فلم أكن مستعدّة للقيام بأيّ شيء مِن دون مقابل. وكما كان متّفقاً عليه تقابلنا في نفس المطعم وأخذَني إلى شقّة في وسط العاصمة وبعد أن دخلنا سويّاً وجلسنا أخرجَ علبة مِن جيبه وقدّمها لي. فتحتُها ووجدتُ فيها سواراً مِن الذهب وابتسمت له ووضعتُ الهديّة في حقيبتي. عندها قال لي أنّه سيدخل ليستحمّ ويأمل أن يجدَني "جاهزة" عندما يخرج.

 


وحين أصبحتُ لوحدي أخرجتُ العلبة وأخذتُ أحدّق بالسوار وفي تلك اللحظة بالذات أدركتُ أنّني أبيع نفسي. صحيح أنّني كنتُ أعلم بذلك منذ البدء ولكنّني فهمتُ فظاعة ما كنتُ أنوي فعله. وما زاد على إرباكي هو أنّني تخيّلتُ ما كان سيقوله عنّي المرحوم أبي لو رآني جالسة على سرير رجل أتهيّأ لِممارسة الجنس معه مقابل قطعة مِن المعدن الأصفر. كم كان سيخيب أمله بي! كم كان سيخجل بي!

أرجعتُ العلبة إلى حقيبتي وخرجتُ ركضاً مِن الشقّة. لماذا أخذتُ السوار بدل أن أتركه هناك؟ ربمّا لأنّني اعتبرتُه مِن حقّي لأنّني تحمّلتُ رفقة وائل المملّة مرّتَين. وعدتُ إلى منزلي محبطة واعدة نفسي أنّني لن أضع نفسي مجدّداً موقف كهذا وأن أحاول إيجاد عملاً شريفاً أفتخر به.

ولكنّ وائل لم يكن مِن الذين يستسلمون بِسهولة أو يقبلون بأن يُستغلّوا مِن قِبَل فتاة يافعة. لِذا أخذَ يفتّش عنّي انطلاقاً مِن رقم هاتفي والتفاصيل التي أعطيتُها له خلال أحاديثنا واستطاعَ أن يجدَني بكل سهولة. وفي هذه الأثناء كنتُ قد وجدتُ عملاً في أحد محلات الألبسة وبالرغم مِن الراتب الصغير التي كنتُ سأتقاضاه كنتُ سعيدة بنفسي.

وفي أحد الأيّام وبينما كنتُ في مكان عملي دَخَل عناصر مِن الشرطة المحل واعتقلوني بتهمة السرقة. ونَظَرَت إليّ مالكة المحل باشمئزاز فصرختُ لمَن استطاعَ سماعي أنّني بريئة مِن هذه التهمة. وقادوني للتحقيق وهناك علِمتُ أنّ وائل قدّمَ شكوى ضدّي على سرقة السوار منه. وبالطبع نكرتُ ذلك وبقوّة ولكنّهم أرسلوا مَن يفتّش المنزل ووجدوا العلبة بِدرج مِن أدراجي. حينها لم أستطع المتابعة بالكذب وطلبتُ أن يعَّين لي محاميّاً لأنّني لم أكن أملك أيّ مالاً لأفعل ذلك بِنفسي.

وجاء أهلي لزيارتي باكين وطمأنتُهم أنّني إنسانة شريفة. وتعرّفتُ إلى الذي سيتولّى الدفاع عنّي وبعد أن طلبَ منّي أن أخبره الحقيقة الكاملة قال لي انّه سيجد الحلّ المناسب. أعلم أنّني التي زجّيتُ نفسي بهذا الموقف لأنّني أوّلاً قبِلتُ الهديّة ورافقتُ الرجل إلى شقّته ولأنّني أخذتُ السوار ولكنّني كنتُ قد تبتُ فعلاً عمّا كنتُ أنوي فعله. ولكن ما مِن شيء يذهب هكذا ولا بدّ لأفعالنا أن تلحق بنا.

وبعد أيّام عصيبة قضيتُها بين نساء متّهمات مثلي ولكن بأمور أصعب بكثير جاء المحامي وأخبرَني أنّه سيحاول إقناع وائل بأسقاط الشكوى ضدّي:

 

ـ وكيف ستفعل ذلك؟ كيف ستقنعه؟

 

ـ لا تنسي أنّه أخَذَكِ إلى شقّة يستعملها للقاءاته الخاصة.

 

ـ أجل ولكن...

 

ـ وأنا متأكّد أنّ زوجته لا علم لها بهذا المكان... وعلِتُ مِن مصادر موثوقة أنّها تملك حصصاً عديدة في شركته.

 

ـ فهمتُ قصدكَ.

 

ـ لقد تسرّعَ السيّد وائل بالإبلاغ عنكِ فلو تروّى قليلاً لانتبَه أنّه يورّط نفسه أيضاً.

 

وهكذا أسقطَ وائل شكوَته وأُطلقَ سراحي أخيراً. ولكنّ الموضوع فيما يخصّني لم ينتَهِ هناك بل أثّرَ على سمعتي كثيراً. فبعد أن خرجتُ مِن السجن أرَدتُ استعادة عملي ولكنّ المالكة لم تكن تريد أن تعيدني بسبب ما حصل بالرغم أنّني شرحتُ لها أنّ الشكوى أسقِطَت.

ومرِضَت أمّي مِن جرّاء خوفها وحزنها عليّ ناهيكَ عن كل الجيران الذين بدأوا يتساءلون عن ظروف معرفتي بوائل واتّهموني بالباغية والسارقة.

لقد دمّرتُ سمعَتي وصحّة أمّي وأرجو أن يكون الزمَن وسلوكي المستقيم كفيان لإصلاح الأمور.

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button