أريدتُ فقط رجلاً حقيقياً!

"حاولي... سترَين كميّة الرجال الموجودين على هذا الموقع... أنا متأكّدة أنّكِ ستجدين مَن يناسبكِ". هذا ما قالَته لي صديقتي عندما كنتُ أشكو لها مِن وحدَتي وخوفي مِن عدم إيجاد زوج.

كنتُ قد بلَغت الثلاثين مِن عمري ولم أشعر بالوقت يمرّ لِكثرة انشغالي بِدراستي ومِن ثمّ بِوظيفتي في دار للهندسة. كنتُ قد وضعتُ حياتي العاطفيّة جانبًا لِدرجة أنّني لم أعد أعلم كيف أتكلّم مع الرجال، فوجَدتُ الانترنِت مناسبًا لي.

وتسجّلتُ على الموقع المذكور ووضعتُ صورتي وتفاصيلاً عنّي. ولحظة ما انتهيتُ بدأَت الطلبات ترِدني بكمّيات هائلة. كنتُ أعلم أنّني جميلة ولكنّني لم أتصوّر أن يركض هذا الكمّ مِن المعجبين وبهذه السرعة. وشعرتُ بِفَرح عظيم خاصة عند قراءة رسائلهم المليئة بالاطراء والكلام الشاعري.

وبعد حوالي الأسبوع كان عليّ تقليص عددهم الى مَن أعجبَني الأكثر ومِن ثم الى واحد فقط. وكان هناك مازن، رجلاً في الأربعين مِن عمره. كان قد استحوذَ انتباهي بسبب وسامته ومواصفاته وأذواقه التي تطابقَت مع ميولي خاصة أنّه كان مهندساً مثلي.

وبدأنا نتراسل ونتبادل الآراء واكتشَفتُ نواحٍ جميلة فيه لِدرجة أنّني كنتُ انتظر بِفارغ الصبر المساء لأقرأ ما كتبَه لي وأُجيب بدوري.

وبعد حوالي الأسبوعَين على تعارفنا طلبَ منّي رقم هاتفي وقبِلتُ بِسرور رغم تحفّظي بما يخص ادخال الغرباء الى حياتي الخاصة. وهنا أيضًا تلقَيتُ تشجيعات مِن صديقاتي:

 

ـ وما الضرر في ذلك؟ ألا تريدين الزواج يومًا أم أنّكِ ستظلّين تعملين مِن الفجر الى الغروب كما تفعلين الآن؟ عيشي حياتكِ!

 

وعندما اتصلَ مازن بي وسمعتُ صوتَه أغرِمتُ به فورًا. وما زاد مِن إعجابي به كان ظلّه الخفيف وتهذيبه. وتكلّمنا ساعة بكاملها وأخبرَنا بعضنا قصصًا طريفة وذكريات الطفولة. وعندما أقفلتُ الخط كنتُ أسعد فتاة في العالم.

وباتَ موعد تخابرنا محّطًا مهمًّا في نهاري. فكان مازن يتصل بي أثناء استراحتي في العمل وكنتُ أتذوّق كلامه وأنا أشرب قهوتي. سألتُه لماذا لم يتزوّج بعد، فأجابَني أنّه لم يجد فتاة أحلامه ولكنّه سيوقِف بحثه بعدما تعرّف اليّ.

 

وبالطبع بدأتُ أحلم أنّني زوجته ورأيتُ حتى نفسي في الفستان الأبيض وسط حفلة زفاف مليئة بالأهل والأصدقاء والزغاريد العالية.

 


ولكن كان علينا بعد أن نلتقي وجهًا لِوجه قبل أن تتمّ الفرحة الكبرى. ولكنّني لم أكن مهمومة فشاب بوسامته كان حتمًا أكثر جاذبيّة في الحقيقة. وحدّدنا موعدًا وسكنَني الخوف: ماذا لو لم يُعجَب بي وغيّرَ رأيه؟ لِذا فعلتُ المستحيل كي لا يخيب امله: ذهبتُ الى السوق واشتريتُ أجمل فستان وذهبتُ الى مصفّف الشعر ووضعتُ الأحمر على شفاهي وقصدتُ المقهى حيث اتفقنا أن نلتقي.

جلستُ قرابة الربع ساعة لِوحدي وكنتُ على وشك الرحيل عندما قام رجل مِن على طاولة مجاورة واقترب منّي قائلاً:

 

ـ مرحبًا... هذا أنا.

 

ونظرتُ اليه بِتعجّب وبشيئ مِن الاشمئزاز. فكان ذلك الرجل قمّة في البشاعة لا يشبه بشيء الصوَر التي رأيتُه عنه. ورجَوتُ أن أكون في حلم مزعج وأنّني سأستفيق منه بين لحظة وأخرى. عندها أضافَ:

 

ـ كم أنّكِ جميلة! تمامًا كصوَركِ.

 

ـ على عكسكَ! كيف تكذب عليّ هكذا؟

 

ـ لا أحب نشر صوَري.

 

ـ ولكنّني وضعتُ صورتي الحقيقيّة... ما الخطب في ذلك؟

 

ـ دعينا مِن هذا الموضوع... أنا مازن الذي اتصلَ بكِ وكتبَ لكِ ولا أظن أنّكِ كنتِ مستاءة.

 

ـ الآن أصبحتُ مستاءة وجدًّا... لا أحب الكذّابين! ارجوكَ أن ترحل.

 

ـ لِما هذه العدائيّة؟ لم أؤذيكِ بشيء.

 

ـ عذرًا إن كنتُ قد أهنتُكَ ولكنّني لا أستطيع استيعاب ما فعلتَه ناهيكَ أنّكَ لستَ مِن نوع الرجال الذين أهواهم... أعني...

 

ـ تقصدين أنّ شكلي لا يعجبكِ؟

 

ـ تمامًا.

 

ـ وهل أنتِ سطحيّة لهذه الدرجة؟

 

ـ وأنتَ؟ ألم تكن سطحيّ عندما أُعجبتَ بِشكلي؟ عندما بعثتَ لي أوّل رسالة هل كنتَ تعلم شيئًا عن أفكاري أو أخلاقي أو أذواقي؟ لا... ما جذبكَ اليّ هو مظهري... ومظهركَ لا يعجبني... أرجوكَ... دعنا نضع حدًّا لهذه المسألة والآن.

 

 

وخرجتُ غاضبة مِن المقهى وعُدتُ الى البيت، وبقيتُ مستاءة حتى اليوم التالي.

 

ولكن تفاجأتُ كثيرًا عندما رأيتُ مازن جالس في سيّارته أمام مدخل المبنى الذي أسكن فيه. سألتُ نفسي كيف له أن يعرف عنواني وأدركتُ أنّه حتمًا تبِعَني بعد خروجي مِن المقهى. تجاهلتُه ودخلتُ الردهة. وبقيَ مكانه ساعات طويلة ومِن ثم رحل. ولكنّني رأيتُه مجدّدًا أمام الشركة التي أعمل فيها، كان جالسًا على حافة يقرأ الجريدة. عندها ذهبتُ اليه وطلبتُ منه أن يرحل ويتركني وشأني فأجابَ:

 


ـ هذا مكان عام... لدَيّ الحق أن أجلس هنا ولا يمكنكِ منعي... لماذا تثيرين المتاعب... دعينا نحبّ بعضنا بِسلام... شكلي لا يعجبكِ ولكنّ داخلي جميل وأنتِ تعلمين ذلك... لا تتصرّفي كالمراهقات!

 

ولِشدة غضبي بدأتُ أصرخ كالمجنونة طالبة منه الرحيل. فَرَكض موظّف الأمن في الشركة وسألَني إن كان الرجل يضايقني فأجَبتُه:

 

ـ أجل... اجعله يرحل!

 

ـ هل أهانكِ أو لمسكِ أو فعلَ أي شيء مِن هذا القبيل؟

 

ـ لا...

 

ـ إذًا لا استطيع التدخّل... أنّه جالس على الطريق وليس على أملاك الشركة.

 

وعُدتُ خائبة الى عملي وأخبرتُ زملائي بالذي يحصل فعَرَض عليّ أحدهم أن يوصلَني في المساء الى بيتي. وقبلتُ بِسرور. وفي طريق العودة قال لي زميلي:

 

ـ إن كنتِ لا تستطيعين ايقافه قانونيًّا هناك طريقة أخرى للتخلّص منه.

 

ـ لا! لن أقبل أن ألجأ الى هكذا ممارسات!

 

ـ لا تخافي لم أقصد إيذاءه... بل أن نقلب الأمور لصالحنا... ماذا لو مِن مُطارِد أصبحَ مُطارَدًا؟

 

ـ فكرة جيّدة... أخبرني المزيد!

 

ـ سألحق به وسأعرف كل ما أريده عنه... سأضايقه دون أن أفعل شيء... سأتبع طريقته وسنرى ان كان سيتحمّل الوضع... سأستعمل سيّارة أخي لأنّه رآنا بهذه المركبة.

 

وبعد أقل مِن يومَين رجعَ زميلي والضحكة مرسومة على وجهه:

 

ـ وقعَ صديقنا بورطة كبيرة ولا داعي لِملاحقته... الأخ مازن أو بالأحرى رِضا متزوّج ولدَيه ثلاثة أولاد... عرفتُ اسمه الحقيقيّ واسم زوجته وأولاده وبالطبع عنوانه... مَن البطل الآن؟

 

ـ أنتَ بلا منازع!

 

وفي اليوم نفسه نزلتُ الى أسفل الشركة ورأيتُ مازن أو رِضا جالسًا كعادته على الحافة المقابلة. وبدل أن اهرب أو أغضب قصدتُه مبتسمة:

 

ـ أهلًا بكَ يا رِضا!

 

ـ مازن.

 

ـ لبل رِضا س. كيف حال مُنى والأولاد؟ هل حسن مجتهد في المدرسة؟

 

ـ كيف...

 

ـ كنتَ متزوّجًا طوال الوقت ولدَيكَ عائلة وتدّعي العزوبيّة؟ قلتُ لكَ أنّكَ كاذب... اسمع... أمامكَ خيارَين: إمّا أن تتركني بِسلام وبِصورة دائمة وإمّا أن أخبر زوجتكَ بالذي تفعله على الانترنِت... وسأريها رسائلكَ كلّها التي تدل على نفسكَ البشعة.

 

ـ لا تفعلي ارجوكِ!

 

ـ ها ها ها! يا ليتكَ ترى وجهكَ الآن! ماذا حلّ بالرجل الوقح الذي يفرض نفسه على الفتيات؟ هيّا! ولا أريد رؤيتكَ مجدّدًا!

 

وقامَ مِن على الحافة بِسرعة فائقة وأخذَ يركض. وارتحتُ منه ومِن كذبه. وبالطبع ألغَيتُ حسابي على ذلك الموقع الالكترونيّ وأقسَمتُ ألاّ أعود إليه.

وبعد أيّام معدودة دعاني زميلي الى الغداء للإحتفال بانتصارنا على رِضا. وخلال تناولنا وجبتنا أدركتُ أنّ الشاب الجالس أمامي وسيم للغاية وأنّه يطابق ذوقي تمامًا خاصة أنّه كان يتحلّى أيضًا بالشجاعة والذكاء. كيف لم ألاحظه طوال تواجدنا سويًّا في الشركة؟ عندها نظرتُ اليه وسألتُه:

 

ـ هل مِن أحد في حياتكَ؟

 

ـ أجل... أنتِ.

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button