أريد زوجة ثانية! (الجزء الثاني)

بدأتُ حياتي مع الجميلة سلوى بشهر عسل رائع. فالحقيقة أنّني لَم أستطِع أخذ زوجتي الأولى إلى أيّ مكان بعد الفرَح لقلّة المال آنذاك.

بعد ذلك، عدتُ إلى عمَلي وإلى بيتي الجديد الذي استأجرتُه وفرشتُه على ذوق عروستي الصبيّة. صرتُ أزورُ أولادي كلّ يوم لمدّة ساعة، لكنّ حنان كانت تبقى في غرفتها حتى رحيلي. لَم ألُمها لكنّني كنتُ أُفضّل لو أنها، على الأقلّ أمام الأولاد، لَم تأخُذ تجاهي موقفًا صارمًا كهذا، فهي قالَت إنّ لا شيء سيتغيَّر بالنسبة لها بعد رحيلي.

بقيَت سلوى تعمل معي في الشركة، وفرِحَ لنا الجميع باستثناء بعض الزميلات اللواتِي اصطفَفنَ إلى جانب حنان كونها ضحيّة ذكوريّتي. أمّا زملائي الرجال، فحسَدوني لجرأتي وسعادتي الجديدة مع صبيّة جميلة ورقيقة. وفي تلك الفترة شعرتُ وكأنّني أقوى وأسعَد إنسان على الإطلاق. بكلمة، عشتُ أنانيّتي إلى أقصى حدّ. فحتى عروستي كانت بالنسبة لي وسيلة لأشعر بالفخر والقدرة على التباهي لأنّني، وبكلّ بساطة، لَم أكن أُحبّها بالفعل. والإنسانة التي أحبَبتُها حقًّا في يوم مِن الأيّام، تركتُها بسهولة فائقة فقط لأنّ مواصفاتها الحاليّة لَم تعُد مُطابقة لمعاييري الحاليّة. لكن في تلك الفترة، لَم أعِ لذلك بل كنتُ أتلذَّذ بسعادتي الجديدة.

وخطَرَ ببالي فجأة أن أمنَع سلوى مِن الإنجاب، كي لا يتغيّر شكل جسدها الفتيّ ولا تلتهي عنّي بطفل ما. وما كانت حاجتي للأولاد؟ فكان لدَيّ ثلاثة. حاولَت زوجتي الجميلة الوقوف في وجه قراري، إلا أنّني بقيتُ مُصرًّا وأسكتُّها بوعود لَم أعنِ أيّ منها. ثمّ أخذتُها في رحلة إلى أوروبا كَي تنسى أمر الإنجاب وكَي أنعَم بما أسمَيتُه "شهر عسل إضافيّ". لكنّ مِعاد زوجتي منعَني مِن الاستمتاع بها طوال سفرتنا، الأمر الذي أغضبَني إلى أقصى حدّ. وهي حاولَت أن تشرَح لي أنّ الذنب ذنبي، فأنا الذي حجزتُ تذكرتَي الطائرة وكذلك الفندق مِن دون أن أُطلعَها على الأمر، وإلا لكانت قالَت لي إنّ تلك الفترة غير مُناسبة لِما في رأسي. لكنّني لَم أشأ أن أستوعِب أنّني أخطأتُ فألقَيتُ اللوم عليها، الأمر الذي أفسَدَ استمتاعنا بالرحلة. عُدنا مِن دون أن نتبادَل الكلام إلى حين قرّرتُ أن أتناسى الموضوع.

 

مِن جانبها، بدأَت زوجتي الأولى تستمتِع بطعم حرّيّتها وكذلك أولادنا، فصاروا يُقيمون المشاريع مِن دوني ويتصرّفون وكأنّني لستُ موجودًا، لا بل ميّتًا. لَم أعرِف كيف أتعامَل مع الوضع، فاخترتُ تجاهله. ألَم أكن رجُلاً سعيدًا؟

لكنّني نسيتُ أن أسأل نفسي إن كانت سلوى هي الأخرى سعيدة، بالرغم مِن الدلائل التي أشارَت إلى عكس ذلك. ولَم تمضِ سنة على زواجنا حتى أرادَت الخروج مِن ارتباطها بي. وهي لَم تطلب الطلاق بل حوّلَت اهتمامها إلى شاب زميلي ولَم أنتبِه لشيء لولا سماعي التلميحات المُزعجة. ولأنّني كنتُ واثقًا مِن رجوليّتي- ألَم أُمارسها بالزواج على زوجتي؟- فوجدتُ تصديق تلك الاشاعات صعبًا للغاية. بل رددتُها إلى غيرة الكثيرين منّي وأدَرتُ لهم أذنًا صمّاء.

كان عليّ الانتباه إلى بهجة سلوى المُفاجئة والبريق الذي كان يظهرُ في عَينَيها مِن حين لآخر، وما هو أهم إلى ضحكتها العالية التي لَم أسمعها منذ فترة. كان مِن الواضح أنّها سعيدة للغاية وأنّني لَم أكن سبب سعادتها. إلى حين جاءَني إلى مكتبي ذلك الشاب ووقفَ قُبالتي قائلاً:

 

ـ لستُ أدري كيف أبدأ كلامي... فالموضوع شائك... أنا... أعني... أُريدُكَ أن تُطلِّق سلوى!

 

ـ ماذا؟ ما هذه المزحة السخيفة؟!؟

 

ـ أنا بغاية الجدّيّة. فأنا أحبُّها وأريدُها زوجة لي.

 

ـ هل فقدتَ عقلكَ؟!؟ تُريدُ الزواج مِن زوجتي؟ أنتَ حتمًا مجنون!

 

ـ نحن مُتحابّان وأنتَ لا تُعاملها جيّدًا... ربّما بسبب فارق السنّ أو لأنّكَ لا تحبّ سوى نفسكَ. فأنتَ إنسان أنانيّ.

 

ـ أنا لا أسمحُ لكَ!

 

ـ بل أسمحُ لنفسي.

 

ـ سأُكلّمُ سلوى بالأمر وهي ستقولُ لي حتمًا إنّكَ مجنون.

 

ـ سلوى غادرَت المكتب قبل دخولي إليكَ وقصدَت بيت أهلها مع أمتعتها. فالموضوع حقيقيّ وجدّي.

 

ـ سأقتلكَ!

 

ـ أنا أقوى منكَ يا زميلي العزيز، وبإمكاني كَسر يدكَ قبل أن ترفعها في وجهي. كُن عاقلاً وتفادى الفضيحة، فالكلّ هنا يعلَم بعلاقتنا. ماذا تُفضّل؟ أن تكون زوجًا مغشوشًا أم شهمًا؟ القرار يعودُ إليكَ.

 

ركضتُ إلى بيت ذوي زوجتي لأتكلّم معها، إلا أنّ أباها صدّ طريقي طالبًا منّي ترك ابنته وشأنها وإعطائها طلاقًا سريعًا. فهي ليست سعيدة معي وتُريدُ أن تُنجِب وتعرف حقًّا معنى الحبّ والاهتمام. ثمّ أنهى حديثه بنَعتي بالأنانيّ. ما بالهم جميعهم يصفوني بالأنانيّ؟!؟

 

أعطَيتُ سلوى مُهلة لتُغيّر رأيها، لكنّها بقيَت مُصرّة على الطلاق... فطلّقتُها. بعد ذلك لَم أعُد قادرًا على العودة إلى العمَل بعدما خانَتني زوجتي مع زميلي وتزوّجَته، فقدّمتُ استقالتي ورحتُ أبحثُ عن عمَل آخَر. لكنّني لَم أعُد شابًّا ومُتحمّسًا كما في السابق، ناهيك عن الإحباط الذي أصابَني بعد الذي حصَلَ لي. لَم يتبقَّ لي سوى العودة إلى حنان والأولاد الذين استقبلوني بفتور واضح. كنتُ غريبًا وسط عائلتي، الأمر الذي زادَ مِن إحباطي. ولأنّني صرتُ عاطلاً عن العمَل، لَم يعُد لي منفعة في بيتي. ففي آخر المطاف كان هذا الشيء الوحيد الذي قمتُ به حتى ذلك الحين، أيّ جَلب المال وحسب.

كانت حنان أوفَر حظّ منّي، فهي وجدَت عملاً بفضل شهادتها الجامعيّة التي لَم تستفِد منها، لأنّني منعتُها مِن العمَل حين تزوّجتُها لتهتمّ بي حصريًّا. وباتَت زوجتي تجني المال وتُعطيني مصروفي. يا للعار! وكأنّ ذلك لَم يكن كافيًا، فقد قالَت لي ذات يوم:

 

ـ إسمَع... أنا أتعَب كثيرًا في عمَلي وأنتَ تجلسُ طوال اليوم في البيت إمّا على الأريكة أو السرير. إذًا عليكَ الاهتمام بالبيت والطهو والكَي وفعل كلّ ما يلزم. أُريدُ أن أعود وأجِد كلّ شيء جاهزًا.

 

ـ ما هذا الكلام؟ أنسيتِ مَن أكون؟!؟

 

ـ أبدًا... لَم أنسَ أنّكَ ترَكتَنا مِن أجل صبيّة فاتنة التي هي بدورها تركتكَ مِن أجل شاب وسيم... لَم أنسَ كيف عاملتَني طوال سنوات زواجنا باعتباري خادمة لدَيكَ وآلة لإنجاب وتربية الأولاد. إذا أردتَ البقاء في هذا البيت عليكَ المُشاركة فيه إمّا ماليًّا أو عمليًّا... وإلا فارحَل.

 

ـ بالطبع سأرحل!

 

لكنّني بقيتُ مكاني، فإلى أين أذهب؟ مَن سيُريدُ تشغيلي وأنا في حالتي البائسة؟ لِذا بدأتُ أهتمّ بالبيت. بدأتُ بالطهو، فكنتُ أهوى الأمر منذ صغري لكنّ رجوليّتي منعَتني مِن ذلك. رتّبتُ البيت أيضًا بعد ذهاب زوجتي وأولادي إلى إنشغالاتهم وشعرتُ بالتعب. فالأمر كان سيتكرّر يوميًّا وليس مسألة مؤقّتة! لِذا قسّمتُ واجباتي حسب الأيّام، كما رأيتُ حنان تفعل طوال زواجنا، واستطعتُ التغلّب على التعَب.

مع الوقت، شعرتُ بتحسّن بسيط في علاقة أفراد عائلتي بي، ورددتُ الأمر إلى إشتراكي بأمور البيت. وأعترفُ أنّني أحسستُ بالفخر بعدما ظننتُ أنّ ما أقومُ به مِن أعمال منزليّة سيجلبُ لي العار واحتقار عائلتي. وتوضّحَت لي أمور عديدة، فجلستُ مع نفسي أُراجعُ مراحل حياتي وخاصة زواجي. حدثَ ذلك يوم حاولتُ إزالة رائحة المُبيّض المنزليّ عن يدَيّ. تذكّرتُ فجأة كيف كنتُ أعاتبُ حنان بغضب حين كانت تلك الرائحة تفحُّ مِن يدَيها. المسكينة... كَم ظلمتُها! وما إعتبرتُه عقابًا لي صارَ درسًا فهمتُ مِن خلاله أسباب فشَلي في علاقتي بالنساء والعائلة. كنتُ بالفعل أنانيًّا كما نعَتني العديد. وفهمتُ أنّ الأنانيّة لا تجلبُ السعادة بل العكس، وأنّ العطاء هو الذي يجلبُ السعادة.

 

بكيتُ وأنا أُحاسبُ نفسي، وحمدتُ ربّي أنّني كنتُ لوحدي في البيت، إذ كان شكلي لا يوحي بالرجوليّة على الإطلاق. الرجوليّة... أخطأتُ بفهم تلك الكلمة إلى أقصى درجة، فهي لا تعني أن أكون آمرًا ناهيًا على حياتي وحياة الآخرين، وأضربَ الحائط بمشاعرهم مِن أجل سعادتي الشخصيّة. بل الرجوليّة تعني أن أكون رجُلاً مسؤولاً ومُنتِجًا يهتمّ بسعادة عائلته، ويحمي أفرادها ويُشعرهم بالأمان ويبذلُ جهده لتأمين لهم أفضل ما يكون. الرجوليّة تعني أن أكون زوجًا وأبًا عظيمًا وليس إنسانًا تحتقرُه زوجته وأولاده.

صارحتُ حنان بفهمي للأمور إلا أنّها لَم تطمئنّ لتحوّلي المُفاجئ، لكنّني وعدتُها بأنّني سأثبتُ لها مدى جدّيّتي. لِذا عدتُ وبحثتُ عن عمل، وبعد جهد كبير، وجدتُ وظيفة لا بأس بها. إضافة إلى ذلك، بقيتُ أقومُ ببعض الأعمال المنزليّة، ليس لأنّني مُجبر على ذلك، بل لأحمل بعض الثقل عن زوجتي. فالزواج مُشاركة وتقدير.

مرَّ على هذه القصّة خمس سنوات وصرت اليوم رجُلاً سعيدًا بالفعل، فلقد استعدتُ عائلتي وعادَت حنان تُحبّني وتؤمِن بي بعد أن زال مِن قبلها إمتعاضها وخوفها منّي. إيّها الرجال، إعتبروا مِن تجربتي ولا تتمسّكوا بشعارات خاطئة ومفاهيم بالية، بل عاملوا زوجتكم وكأنّها حقاً نصفكم الآخر.

 

حاورته بولا جهشان

المزيد
back to top button