أردتُ أن أصبح سيّدة مجتمع

قبل أنا يبتسم لي الحظ فجأة كنتُ ربّة منزل عاديّة أحاول التصرّف بِمدخول بالكاد يكفي مانعة نفسي عن أبسط الأمور خوفاً مِن أن ينقص شيئاً لعائلتي. كان بإمكاني العمل لأنّني كنتُ قد أنهَيتُ دراستي في الجامعة ولكن طارق زوجي شارَطني قبل الزواج أنّه لن يقبل بأن تعمل زوجته. ولو كان غنيّاً لفهمتُه ولكنّه كان موظّفاً بسيطاً يجني القليل.

وبعد ولادة أولادنا لم يعد لدَيّ الوقت لأفكّر في طريقة للتوفيق بين أسرتي وحياة مهنيّة. لِذا فضّلتُ السكوت وقبول الواقع مقنعة نفسي أنّ ذلك هو ما أراده الله لي. ولكن الأحوال تغيّرَت بصورة جدّ مفاجئة حين ربحتُ الجائزة الثانية في لعبة اللوتو وكانت القيمة كبيرة لِدرجة أنّني كدتُ أصاب بنوبة قلبيّة حين رأيتُ الأرقام تظهر أمامي على شاشة التلفاز. وكنتُ قد إعتدتُ أن أملأ شبكة بصورة دائمة راجية أن أربح يوماً ولو قليلاً وذلك بالسرّ عن طارق الذي كان يكره المخاطرة بالمال.

وبالطبع لم أنَم في تلك الليلة وأنا أتخيّل ما يمكنني فعله بكل ذلك المبلغ ولأنّني لم أقل لزوجي أنّنا أصبحنا أثرياء، وفي صباح اليوم التالي، ذهبتُ إلى المكان الذي سجّلتُ فيه شبكتي وشرحوا لي كيف ستتّم الأمور وأنّ عليّ الإنتظار فترة معيّنة قبل قبض الشيك. ومِن تلك اللحظة أصبتُ بحمّة المال كما يجري لكل الذين عاشوا بالضيق لفترة طويلة ومِن ثمّ وجدوا أنفسهم"فوق الريح".

ولم أكن مستعدّة لتقاسم ربحي مع أحد معتبرة أنّني الوحيدة التي تستحق الرخاء ولكنّني أدركتُ أنّني لن أستطيع الإستمتاع بجائزتي دون أن يعلم طارق بالأمر. فحين قبضتُ الشيك ووضعتُه في حساب مصرفي فتحتُه لهذا الغرض، عدتُ إلى المنزل ورأسي مليء بالأفكار والخطَط. وقرّرتُ ألا أبوح لِزوجي بالمبلغ الحقيقّي بل أنّ أقلّله إلى الربع لأنّني لم أكن أريده أن يصرفَ كل مالي.

وحين زفَّيتُ له الخبر السار ظنَّ في الأوّل أنّني أمازحه ولكنّني أجبتُه:

 

ـ حسناً... أطلُب مبلغاً وسيكون عندكَ غداً.

 

ـ أريد1000 دولاراً!

 

ـ طلبكَ سهل.

 


وفي اليوم التالي ذهبتُ إلى المصرف وسحبتُ المال وحوّلته إلى دولارات وأعطيتُه لزوجي الذي بدأ يصرخ مِن الفرح ويسلسل ما أصبحنا نستطيع شراءه أو فعله. عندها هدّأتُ روعه قائلة أنّني لم أربح كفاية لكل ما عدّدَه. وكان ذلك غير صحيحاً فكما قلتُ سابقاً كان المبلغ الحقيقيّ طائلاً.

ومِن بعدها أخبرتُ الأولاد أنّنا لم نعد شبه فقراء وهم أيضاً بدأوا بالطلبات والأمنيات. وفي تلك اللحظة شعرتُ أنّهم جميعاً أعدائي وأنّهم سيأخذون كل شيء منّي وأنّني سأجد نفسي عند نقطة الصفر. لِذا قرّرتُ أن أسكتهم بمبلغ خصّصتُه لِزوجي ولكّل مِن أولادي قائلة:"هذا لكم... لا يوجد المزيد فتصرفوا به بِحكمة. وإرتحتُ قليلاً وباشرتُ بتغيير حياتي. وأوّل شيء فعلتُه هو الذهاب إلى الأسواق وشراء عدد كبير مِن الفساتين والجزادين والأحذية وقصدتُ مصفّف الشعر وأخصّائيّة التجميل. وعندما عدتُ إلى البيت ولبستُ ما إشتريتُه ووقفتُ أمام المرآة وجدتُ نفسي بِغاية الجمال. ولكنّني أدركتُ أنّ كل ذلك لن ينفع إن لم يراه أحد فلم أكن أستطيع الذهاب هكذا عند الجيران أو أهلي لأنّهم سيعرفون أنّني أصبحتُ غنيّة وسيطلبون منّي أن أساعدهم. والسبب الآخر هو أنّني أعتبرتُهم غير جديرين بي بعدما إنتقلتُ إلى طبقة إجتماعيّة أعلى. لِذا كان عليّ أن أعاشر أناساً مثلي أي أغنياء. ولكن أين كنتُ سأجد هؤلاء الناس حين كنتُ قد أمضيتُ حياة وسط البقّال واللحّام وخيّاطة الحَي؟ الطريقة الوحيدة التي وجدتُها هي قصد الأماكن التي يتردّد إليها الأغنياء أي المقاهي الجميلة ومصففيّ الشعر المعروفين وخلق علاقات وديّة مع نساء الطبقة المخمليّة.

وهكذا بدأتُ أرتاد تلك الأماكن مرتدية أجمل ما عندي وأراقب تصرّفات وحديث سيّدات المجتمع. وبعد فترة قصيرة باشَرتُ بالتحدّث إليهنّ تارة عن الطقس وتارة أخرى عن الثياب والموضة. وشيئاً فشيئاً صارَت لي معارف أفتخر بها. ولكنّ مشكلة كبيرة واجهَتني عندما كنتُ أُسأل أين أقيم وأي نوع سيّارة كنتُ أقودها فبالرغم مِن شرائي لأشياء عديدة تدّل على رخائي كنتُ لا أزال أعيش في حيّ شعبيّ ولا أملك مركبة. لِذا قرّرتُ شراء سيّارة دون أن أخبر أحداً وأركنها في مرآب بعيد عن بيتي لكي لا يلاحظ أحداً شيئاً.

أمّا بالنسبة لِسكني فلم أستطيع شراء شقّة جديدة دون أن يُفضح أمري أمام زوجي وأهلي. لِذا فضّلتُ الكذب بما يخصّ عنواني راجية ألاّ يحاول أحد التحقّق مِن الأمر. وبدأتُ أذهب مع صديقاتي الجديدة إلى أماكن جميلة وكانت تلك أجمل أيّام حياتي. ولكن كان عليّ الرجوع إلى منزلي وحياتي البسيطة والممّلة وذلك قبل أن يعود زوجي هو الآخر الذي كنتُ أخجل به.

 

لذا عمِلتُ على تأليف سيرة حياتي تناسب مركزي الجديد وتداعيتُ أنّني إبنة تاجر كبير وعازفة بيانو قديمة وأنّ زوجي توفّى مِن بضع سنوات عندما كان في الخارج. أمّا بالنسبة لأولادي فلم يطاوعَني قلبي أن أنكر وجودهم فقلتُ أنّهم في مدرسة داخليّة في سويسرا. وهكذا أصبحتُ أعيش حياة مزدوجة واحدة في النهار والأخرى في الليل وأعترف أنّ الأولى كانت تعجبني أكثر بِكثير. وإستطعتُ مواصلة كل تلك الأكاذيب حوالي السنة وأعتقدتُ أنّني قادرة على المواصلة هكذا مدى الحياة. ولكنّ العالم صغير ومصير الناس أن تتلاقى في شتّى الأماكن.

 


ففي ذاك يوم بعدما كنّا نزور أهلي قرّرَ زوجي أن يأخذ الأولاد في نزهة قرب الشاطئ فتوجّهنا إلى هناك وأوقَف سيّارته قرب بائع مثلّجات ونزل الأولاد برفقتي لإختيار ما يريدونه. وفي تلك اللحظة بالذات مرَّت مِن هناك إحدى صديقاتي الجدد مع سائقها وعندما رأتني صَرَخَت بأعلى صوتها: "رحاب! هذا أنتِ؟." وعندما إستدرتُ ورأيتُها قفزَ قلبي مِن مكانه ولكنّني تمالكتُ نفسي وتداعيتُ أنّني لا أعرفها. أمّا هي فعندما رأت ثيابي العاديّة والأولاد وسيّارة زوجي إعتقَدَت أنّها أخطأت بالشخص ورحَلَت. عندها جاء طارق إليّ وسألَني مِن أين أعرف تلك المرأة الثريّة فأجبتُه أنّها كانت معي بالجامعة وأنّني لا أريد التحدّث معها لأنّنا لم نكن على صلة جيّدة آنذاك. وإقتنعَ بقصّتي لأنّني كنتُ قد أصبحتُ كاذبة ماهرة ولكنّني لم أكن متأكّدة أنّ صديقتي لم تتعرّف إليّ. وخشيتُ اليوم الذي كان مقرّر أن نلتقي فيه ولكنّني ذهبتُ لأتأكّد. عندها روَت لي ما حدَثَ قائلة:

 

ـ إسمعي وأضحكِ... منذ يومَين رأيتُ إمرأة تشبهكِ إلى حدّ كبير وخلتُها أنتِ...

 

ـ أنا؟ أين كان ذلك؟

 

ـ على طريق البحر... كانت مع شلّة مِن الأولاد يأكلون المثلّجات... صرختُ لها إسمكِ ولكن عندما رأيتُ حالة تلك المسكينة علِمتُ أنّها ليست أنتِ...

 

ـ حالتها؟

 

ـ أجل... ثياب بشعة وشعر غير مصفّف... وأولادها! يا لِبشاعتهم! أمّا زوجها المسكين وسيّارته القديمة! كان المشهد مبكياً.

 

وشعرتُ بالغضب حيال تلك المرأة لأنّها أهانَت عائلتي فصحيح أنّنا لم نكن مِن طبقتها ولكنّنا لسنا قبيحين أو جديرين بالشفقة. ولكنّني لم أقل شيئاً لبل ضحكتُ معها. وبدأَت تساورني شكوك بما يخصّ ما أفعله ولم أعد أستمتع بجلساتي مع صديقاتي لأنّني لاحظتُ مدى سطحيّة تلك اللقاءات. لِذا لم أعد مركّزة كالسابق على تضليلهنّ لأنّني سئمتُ مِن الكذب. وهكذا لم ألاحظ أنّ أحداً يلاحقني عندما كنتُ عائدة إلى منزلي بعدما ركنتُ السيّارة في المرآب.

وفي اليوم التالي عندما تلاقيتُ مع صديقاتي قالت لي الصديقة نفسها التي رأتني مع عائلتي قبل أيّام:

 

ـ رحاب... لقد إكتشفنا الحقيقة... لا داعي للكذب بعد الآن... كنتُ شبه متأكّدة أنّكِ التي رأيتُها قرب البحر... وقرّرتُ إرسال سائقي وراءكِ ليكتشف أين تقيمين لأنّكِ ما مِن مرّة دعَيتينا لزيارتكِ... أنتِ فقيرة!

 

ـ وهل هذه جريمة؟

 

ـ أجل! يا لِوقاحتكِ... كيف تجرؤين على الكذب علينا هكذا؟ ألا تعلمين أنّكِ مهما فعلتِ لن تستطيعين الإنتساب إلينا؟

 

ـ كانت غلطة منّي... أردتُ أن أكون مثلكنّ ولكنّني أفضّل حياتي.

 

ـ تفضّلين العَوذ؟ هاهاها!

 

ـ لستُ فقيرة فلدَيّ مالاً كثيراً! لقد ربحتُ باللوتو!

 

وضحِكَت النساء كلّها وإمتلأت عينيّ بالدموع وصرختُ:

 

ـ لما تضحكنَ؟ وماذا تملكنَ فعليّاً؟ أزواج لا يكترثون لكنّ؟ أولاداً لا يحبّون سوى مالكنّ وينتظرون موتكنّ ليرثوا؟ ماذا لديكنّ سوى أناساً يشبهونكنّ؟ أنا لدَيّ زوج يحبّني ويعمل جهده ليكون ربّ منزل جيّد ولدَيّ أولاداً طيبّين يدرسون ويفلحون في المدرسة ويشكرونَني على كل شيء أفعله مِن أجلهم ولدَيّ أهل يغارون على راحتي وصحّتي... كنتُ أريد أن أكون مثلكنّ ولكنّني غيّرتُ رأيي... والمال الذي أصرفه على نفسي لأغذّي كذبة كبيرة سأصرفه على مَن يستحقّ فعلاً ذلك... الوداع.

وركضتُ إلى سيّارتي وجلستُ بها أبكي على ما فعلتُه بالناس الذين يحبّونَني. ولكي أتفادى العتاب قلتُ لزوجي أن خطب ما حصَلَ بشأن جائزتي وأنّني ربحتُ مبلغاً إضافيّاً. وبالرغم مِن رداءة كذبتي صدّقَني طارق لأنّ فكرة الربح كانت أقوى مِن كل شيء. وهكذا تقاسمتُ مالي مع كل مَن حولي. فإشترَينا شقّة جديدة وسيّارة جديدة لِزوجي وأثاث بيت جديد لأهلي ووضعتُ الباقي في حساب توفير مخصّص لِدراسة الأولاد.

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button