أرادوا الإستيلاء على بيتي!

لَم أرَ مانعًا على الإطلاق في قدوم حماتي إلى بيتي لقضاء فترة مِن الزمَن، ريثما يتمّ تصليح الأعطال التي تسبّبَت بها الأمطار في بيتها. للحقيقة، كنتُ أجدُ تلك المرأة خفيفة الظلّ، فحسبتُها خفيفة في كلّ شيء، إلا أنّ الموضوع كان سيتفاقَم لِبلوغ حدّ خطير.

يجدرُ الذكر أنّني تزوّجتُ مِن سميرة قبَل سنة واحدة مِن أحداث تلك القصّة، ولَم نُنجِب بعد بقرار مُتّحِد، فأردتُ وزوجتي الإستمتاع بالحياة قَبل انهماكنا بأولادنا. لِذا كان البيت يتّسِع لحماتي وأمتعتها، وقد أعطَيناها الغرفة المُخصّصة للحضانة والتي لَم تكن صغيرة كما تجري العادة بل بِكبر غرفتنا الزوجيّة على التمام. وكانت والدة زوجتي قد جلبَت معها سريرها لأنّ الغرفة لَم تكن مُجهّزة بعد إلا بخزائن حائط. ولذلك لَم أستطِع إستقبال إخوة زوجتي الذين قصدوا أقارب آخرين.

في البدء، وجدتُ أنّ حماتي أضافَت بعض الترفيه على جوّ بيتنا الذي صارَ مُشنّجًا بعد أن خسِرَت سميرة عملَها، فارتاحَ بالي مِن جانبها. فكَم كنتُ أحِبّ زوجتي! وأرتجفُ مِن الخوف كلّ ما أتذكّر ما حصل.

مع مرور الأيّام، بدأتُ أرى نوعًا مِن التواطؤ بين المرأتَين. أعلَم تمام العلم كيف تكون العلاقة بين الأمّ والإبنة، لكن كان هناك شيء آخَر لَم أستطِع تحديده، سوى أنّه أزعجَني. هل السبب كان تلك النظرات التي تبادَلتاها طوال الوقت أو تلك الهمسات؟ لستُ أدري لكنّني بالطبع لَم أقُل شيئًا، واكتفَيتُ برؤية حبيبة عمري فرحة ومُرتاحة.

تفاجأتُ بحماتي يومًا نائمة في سريرنا الزوجيّ في فترة بعد الظهر، أي عندما أقصدُ الغرفة لآخذ قيلولتي اليوميّة. كان الجميع يعلَم أنّني بحاجة لتلك الإستراحة، بسبب بعض الأعمال التي أقومُ بها ليلاً على حاسوبي والتي تُبقيني صاحيًا لأوقات مُتأخّرة مِن الليل. إلا أنّني لَم أرِد إزعاجها، فقصدتُ الصالون واستلقَيتُ على الأريكة. لَم أعرِف حينها أنّني لن آخذ قيلولتي في سريري بعد ذلك. فلقد اتّخذَت حماتي عادة النوم في الوقت نفسه كلّ يوم في غرفتنا، إلى حين أبدَيتُ لِسميرة إنزعاجي مِن الموضوع وهي أجابَتني:

 

ـ لَم أتوقَّع هكذا ردّة فِعل لِحدَث بسيط للغاية... أمّي سيّدة كبيرة في السنّ و...

 

ـ كبيرة في السنّ؟!؟ هي لَم تتجاوز الخمسين مِن عمرها!

 


ـ أقصدُ أنّها تعِبَت وربَّت وكبّرَت أولادها بعد موت زوجها المُبكِر.

 

ـ بما أنّكِ فتحتِ سيرة أولادها... لماذا لا تذهب والدتكِ حيث هم؟

 

ـ أنتَ مُتضايَق منها؟ ولأجل نومها ساعةً يوميًّا في سريرنا؟ ما تقوله هو مُشين للغاية، لَم أعلَم أنّكَ أنانيّ لهذه الدرجة!

 

ـ أنا أنانيٌّ؟ حسنًا، لِننسَ أمر سريرنا، سآخذ قيلولتي في الصالون.

 

أقسمُ أنّني رأيتُ لِبرهة بسمة إنتصار على وجه سميرة سرعان ما اختفَت. بعد ذلك، صارَت حماتي تتصرّف حين تكون في غرفتنا الزوجيّة وكأنّها ليس فقط في بيتها بل في غرفتها. وكَم استغربتُ حين رأيتُها خارجة مِن حمّامنا الخاص مُرتدية بُرنسي الأبيض! كدتُ أموتُ غيظًا إلا أنّني سكتُّ، فقد تكون تلك حادثة مُنفردة ووليدة الساعة. لكنّها كانت فقط البداية. فسرعان ما وجدتُ أمتعة تعودُ لحماتي في خزانتي وأخرى في حمّامنا. صرختُ عاليًا:

 

ـ سميرة! تعالي بسرعة! أتركي ما تفعلينه في الحال!

 

ـ ما الأمر يا حبيبي؟

 

ـ غرفة مَن هذه؟

 

ـ غرفتنا يا حبيبي.

 

ـ إذًا لماذا أرى أغراضًا تعودُ لأمّكِ في الخزانة والحمّام؟ أجيبيني!

 

ـ تلك القصّة مُجدّدًا؟ ألا تسأم؟

 

ـ أجيبيني!

 

ـ لا أعلم... قد تكون الماما وضعَت بعض الأغراض هنا وهناك... ربمّا سهوًا.

 

ـ قولي لي، متى ستنتهي عمليّة ترميم بيت أمّكِ؟

 

ـ لستُ أدري للصراحة، لماذا؟ أتنوي طردها مِن هنا؟!؟ إسمَع، لو...

 

ـ ضاقَ صدري منها، فهي تجتاحُ حياتي شيئًا فشيئًا.

 

ـ أين حبّكَ لي؟

 

ـ ما دَخل حبّي لكِ بما تفعله أمّكِ؟

 

إنتهى الحديث عند هذه النقطة، وصارَ جوّ البيت محتقنًا لِدرجة كبيرة. لكنّني لَم أكن مُستعدًّا للإستسلام، فهذا بيتي في آخر المطاف. إلا أنّ حادثًا غير مُتوقّع حصَلَ... فقد وقعَت حماتي في الرواق وكسرَت رجلها وأخذَتها سميرة إلى المشفى للُمعالجة. كنتُ في عملي وحين عدتُ إلى البيت تفاجأتُ برؤية حماتي نائمة في فراشنا! صرختُ عاليًا مِن كثرة غضبي، حين رفعَت سميرة الغطاء عن أمّها لأرى الجبس الذي يلفّ رجلها. شعرتُ بالخزيّ فسكتُّ بعد أن تمنّيتُ لها الشفاء... العاجل، ورحتُ أرتّب السرير الموجود في الغرفة الأخرى أي حيث كانت هي تنام. وهكذا في غضون ساعات، إنقلبَت الموازين جذريًّا فصِرتُ أنا الضَيف وسميرة وأمّها صاحبتَي البيت. قد تقولون إنّني أُبالِغ، لكن دعوني أُكمِلُ القصّة وسنرى كيف ستُبدّلون رأيكم.

مرَّ شهر تقريبًا على حادثة رِجل حماتي، لكنّها لَم تشفَ بل أُصيبَت بِمضاعفات، وبقيَت سميرة تنامُ بقربها في السرير وتُهملُني أو بالأحرى تعتبرُني غير موجود على الإطلاق. فحتّى الطعام كان يصلُ أوّلاً لأمّها ولها وأحظى أنا بالفضلات. وداعًا للطعام المُفضّل لدَيّ!

لكن كلّ ذلك لَم يكن شيئًا أمام الذي كان يتحضّر لي. فذات يوم، قالت لي زوجتي، وبوقاحة صعب تصوّرها:

 

ـ أُريدُكَ خارج البيت.

 


ـ ماذا؟!؟ لَم أفهَم قصدكِ... ماذا تعنين بـِ "خارج البيت"؟

 

ـ إرحَل.

 

ـ أرحلُ إلى أين؟

 

- أخرُج مِن البيت ومِن حياتي! لَم أعُد أُريدُكَ!

 

ـ يا إلهي! ولماذا؟ ما الذي فعلتُه لكِ كي تطلبي منّي طلَب كهذا؟!؟ هل فقدتِ عقلكِ أم انّني وسط منام بشِع؟

 

ـ لَم أعُد أُريدُكَ وحسب. لا تفتعِل فضيحة بشأن ذلك بل إرحَل فقط.

 

ـ لا... لا أصدّقُ ما أسمعه. على كلّ الأحوال، هذا بيتي وعليكِ أنتِ الرحيل إن لَم تعودي قادرة على العَيش معي.

 

ـ بل ستُعطيني البيت.

 

ـ ولماذا أفعَل؟ هل تعتبريني غبيًّا لهذه الدرجة؟

 

ـ ستشهدُ أمّي على مُعاملتكَ الوحِشة لي... ولها... ألَم تكن أنت مَن دفعَها وكسَرَ رِجلها؟

 

ـ أنا؟!؟

 

ـ أجل... ناهيكَ عن الإهانات والتعنيف والتهديدات... قضيّة طلاقنا ستُثيرُ الجدَل بين الأقارب والأصدقاء وزملائكَ في العمَل... الكلّ سينظرُ إليكَ نظرة اشمئزاز وكُره. وفي آخر المطاف، ستُعطيني المحكمة مسكَني الشرعيّ وهو هذا البيت، لأنّني تحمّلتُ الكثير منكَ.

 

شعرتُ وكأنّ الدنيا تدورُ مِن حولي وكدتُ أفقِد وعيي. سميرة حبيبتي تفعلُ ذلك بي؟ ولماذا؟ هل هي خطّطَت للنَيل منّي منذ البدء أم أنّ الفكرة جاءَت لها حين قدِمَت إلينا أمّها؟ رحتُ على الفور أستشيرُ محاميًا وهو قال لي إن قضيّتي صعبة للغاية بوجود شهادة أمّ سميرة وأمر كِسر رجلها. وأظنُّ أنّه لَم يؤمِن ببراءتي إذ أنّه بقيَ ينظرُ إليّ بِشكّ. عندها قلتُ لنفسي أنّ مِن الأفضل أن أستسلم، فإذا كان الذي سأوكّله بالدفاع عنّي لا يُصدّقني، فقضيّتي بالفعل خاسرة مُسبقًا. رحتُ أحاولُ إقناع سميرة بتغيير رأيها، فصُدِمتُ بوجود حشد كبير في بيتي. كلّهم جاؤوا لِمساندة أختهم وأمّهم ففضّلتُ الرحيل. إستأجرتُ غرفة في فندق قريب، وقضيتُ وقتي أفكّرُ بالمصيبة التي حلَّت بي.

لكن وسط الليل سمعتُ طرقًا ناعمًا على الباب، وتفاجأتُ بسميرة واقفة أمامي وفي يَدَيها حقيبَتان:

 

ـ هيّا بنا!

 

ـ سميرة؟ ماذا تفعلين هنا؟

 

ـ تعالَ معي، فلقد جلبتُ لكَ أمتعتكَ. هيا نهربُ منهم.

 

ـ مَن تقصدين؟

 

ـ أمّي وأخوَتي، يُريدون بيتنا، فالحقيقة أنّها طُرِدوا مِن مسكنهم وقصّة الترميم كانت مُجرّد حجّة. أقسمُ لكَ أنّني كنتُ أجهلُ ما يدورُ في رأسهم. أنا أحبُّكَ فعلاً ولا أُريدُ أذيّتكَ. تعالى!

 

ـ لن أتركَ بيتي وأهربَ، فلستُ جبانًا. سويًّا نستطيع إيقافهم. سميرة أنتِ زوجتي وعليكِ أن تكوني مُنصِفة لي كما كنتُ دائمًا مُنصِفًا معكِ.

 

ـ أخافُ منهم.

 

ـ أنا إلى جانبكِ فلا يجدرُ بكِ أن تخافي. فلولا القضيّة التي هدَّدتموني بها والتي لا أستطيع مُجابهتها، لأرَيتُكِ كيف هم الرجال!

 

ـ سيكرهوني ويُنكروني.

 

ـ أليس ذلك افضل مِن جرّكِ إلى الكذب والإحتيال؟ أهكذا تريدين تربية أولادنا؟

 

ـ أولادنا؟

 

ـ أجل، أولادنا الذين سيولدون وسط والدَين مُحبَّين وشريفَين.

 

ـ أنتَ على حقّ. لا أريدُ العَيش هكذا لباقي حياتي. وأريدُ أولادًا! وعلى الفور!

 

لن أدخُل بالتفاصيل كلّها، إلا أنّنا عُدنا إلى البيت سويًّا، وطرَدنا حماتي التي لَم تكن أبدًا تُعاني مِن أيّ كسِر، فكسرها كان وهميًّا، وهدَّدَت سميرة بفضحها وأخوَتها إن أقتربَ أيّ منهم مِن البيت أو منّا. بالطبع هم شتموا وهدّدوا وأنكروا سميرة لاحقًا، لكنّها كانت تعلَم تمام العلم أنّ لدَيها عائلة أخرى مُمثلةً بي... وبالطفل الذي رأى النور بعد تسعة أشهر. فليس علينا تقبّل أهلنا في حال كانوا ماكرين ومُجرّدين مِن الأخلاق أو نَنجَرّ معهم في النصب والكذب، بل واجبنا القيام بما يُمليه علينا ضميرنا.

بعد ولادة ولدنا الثاني، سافَرتُ بعائلتي إلى الخارج لأبعد قدر المستطاع عن هؤلاء الفاسدين وأُجنِّب سميرة المزيد مِن الأسى.

 

حاورته بولا جهشان

المزيد
back to top button