تفاجأتُ بالتقدّم الذي حصَلَ لأماني زوجتي، فلقد بدأَت تخفّ شراهتها بعد أن تعاوَنتُ مع المُعالِج، وأعطَيتُ شريكة حياتي ثقة أكبَر بنفسها وليس بشكلها، وشجّعتُها على التفكير بنفسها لأنّها تستحقّ ذلك، وليس لأنّ ذلك مفروض مِن أحَد أو مِن المُجتمَع، أي أنّ عليها أن تحبّ ذاتها وتتقبّل نفسها.
مِن جهة أخرى، واجهتُ طبعًا بعض المشاكل مع عشيقتي منال التي لاحظَت أنّني صِرتُ أقضي وقتًا أكبر مع زوجتي، ما أدّى إلى إهمالي لها، ولاحظَت أنّني لَم أعُد مولَعًا بها كالسابق. إضافة إلى كلّ ما ذكرتُ، وجَدت منال أنّ مسألة زواجنا لَم تعُد تطرأ في أحاديثنا أو حتّى فكرة تطليقي لأماني. حاوَلتُ أن أشرَح لها أنّ صحّة زوجتي تؤثّر مُباشرةً على حياة جنينها، ولن أُخاطِر بفقدانه لو لَم أساعِد أماني. لكن في داخلي، كنتُ أعي تفاهة علاقتي بعشيقتي، علاقة وُلِدَت مِن غضبي لإهمال زوجتي لنفسها ولي، ومِن شهوَتي التي كانت غير مُشبعة. وبعد أن اتّضَحَ أنّ أماني لَم تكن مُهمِلة بل تُعاني مِن عقدة نفسيّة، لَم أعُد غاضبًا منها أو أشعرُ بالظلم، بل بالفعل صمَّمتُ على استعادة زوجتي وزواجي وأترقّب وصول ابني إلى الحياة.
شعَرتُ بالذنب تجاه منال، فهي كانت تتصوّر أنّ لنا مستقبلًا سويًّا، واحترتُ لكيفيّة اطلاعها على قراري بالانفصال عنها. فأنا كنتُ المسؤول الأوّل والأخير، مع أنّها شاركَتني تلك المسؤوليّة حين قبِلَت بإقامة علاقة مع رجُل مُتزوّج. وبعد مرور أسابيع على تلك الحالة، وجدتُ أخيرًا الجرأة لمواجهة منال بالحقيقة، فشرحتُ لها كلّ المعطيات والأسباب. إلّا أنّها، كما توقّعتُ، لَم تتجاوَب معي، بل بدأَت بالشتم والصراخ ووعدَتني بالانتقام. حاوَلتُ تهدئتها، لكن مِن دون نتيجة. قالَت لي وهي راحلةً: "سترى ما يحصل عندما تتلاعب بحياة النساء، أيّها السافل... ترميني بعدما قضَيتَ وقتًا مُمتِعًا معي؟!؟ سأُدمّرُكَ!". وللحقيقة خفتُ منها بعد أن رأيتُ الشرّ في عَينَيها، لكنّني كنتُ جاهزًا لتحمّل تداعيات أفعالي.
مضَت أيّام ولَم أسمَع مِن منال، فهي قدّمَت استقالتها مِن الشركة، وظنَنتُ أنّها هدأت واستوَعَبَت أنّنا لن نتروّج أو حتّى نتواعد بعد الآن. لكنّني كنتُ بعيدًا عن الحقيقة، فعشيقتي السابقة كانت بكلّ بساطة تُخطِّط للانتقام منّي.
في تلك الأثناء، بدأتُ أشعرُ بحماس لمُساعدتي أماني باستعادة ذاتها نفسيًّا وجسديًّا، إذ أنّني اعتبَرتُ نفسي عنصرًا فعّالًا بشفائها. فهذا هو الحبّ وهذا هو الزواج، أيّ أنّنا ندعَم الآخَر ونفهَمه ونقوّيه، بدلًا مِن التخلّي عنه وتجاهله وإضعافه. ويا لَيتني فهمتُ ذلك منذ زمَن، لَما حاربَتُ زوجتي وأهَنتها وخنتها.
مِن جهّتها، صارَت أماني تتخلّص مِن وزنها الزائد أسبوعًا بعد آخَر، فعادَت البسمة إلى وجهها، خاصّة عندما أخذتُها إلى مُصفّف شعر مشهور لوّن شعرها وقصّه وصفّفه، كما تفعل المُمثّلات والمُذيعات الجميلات. وبعد خروجنا مِن الصالون، رحنا إلى مطعم أنيق وهي لاحظَت أنّ الناس ينظرون إليها بإعجاب. عندها قلتُ لها: "لا يهمّ كيف يراكِ هؤلاء، المُهمّ هو كيف ترَين نفسكِ أنتِ. واعلَمي أنّكِ جميلة أوّلًا مِن الداخل، وهذا ما يهمّني". ومِن البسمة التي ارتسمَت على وجه زوجتي، علِمتُ أنّها بالفعل استوعَبت أنّني أحبُّها كيفما كانت. وقَبل أن نُغادِر المطعم، دخلتُ الحمّام... لتلحَق بي منال! مِن أين أتَت وكيف أنّني لَم أرَها في الصالة؟ هي أمسكَتني بذراعي وقالَت لي بغضب:
ـ كَم أنّكَ سعيد يا عزيزي... فلقد تفرّجتُ عليكَ وأنتَ تمزَح وتضحك وتُغازل هذه البقرة!
ـ لا أسمَح لكِ أن تتكلّمي هكذا عن زوجتي!
ـ ماذا؟ لا تسمَح؟!؟ أنتَ الذي أطلقتَ عليها لقَب بقرة!
ـ أماني تُعاني مِن اضطراب نفسيّ حمَلها على السّمنة، إنّها ضحيّة.
ـ وماذا عنّي؟ ألستُ ضحيّة أيضًا؟ ضحيّة رجُل بلا ضمير استغلّني لإشباع رغباته وكذِب عليّ عندما وعدَني بالزواج؟
ـ كنتُ بالفعل أريدُ تطليقها والزواج منكِ، لكنّ الوضع تغيّرَ. سامحيني يا منال ودعيني وزوجتي بسلام.
ـ أبدًا!
عدتُ إلى مكاني وأنا أرتجِف مِن الذي حصَل، وألتفِتُ مِن حولي لأرى أين أماني، ففضّلتُ إنهاء وجبتنا والعودة إلى البيت. هل وجود عشيقتي السابقة في المطعم نفسه كان مُجرّد صدفة أم أنّها تتجسّس عليّ؟
ثمّ بدأَت الاتّصالات ترِد إلى البيت ويُقفَل الخطّ كلّما أجابَت أماني. علِمتُ طبعًا مَن المُتّصِل، لكنّني قلتُ لزوجتي إنّ الفاعِل هو حتمًا ولَدًا أو مُراهقًا يُريد التسالي. خفتُ أن تُخبِر منال زوجتي عن علاقتي الماضية معها، فركضتُ إلى المُعالج وأطلعتُه على خيانتي لأماني وتهديدات عشيقتي السابقة لي. هو استاء كثيرًا لأنّني كتَمتُ الأمر لنفسي، وخشِيَ تراجعًا كبيرًا في تقدّم أماني نحو الشفاء لو علِمَت أنّني فضّلتُ غيرها عليها وكذِبتُ وخطّطتُ. لِذا هو توسَّلَ إليّ كَي أنهيَ المسألة بسرعة، والانتباه جيّدًا إلى عدَم الانكشاف، فلا يجب أن أنسى أنّ الجنين قد يدفَع الثمَن. الجنين... إبني المُستقبليّ الذي سأُلاعبُه وأحبُّه وأراه يكبُر ليُصبَحَ رجُلًا هو الآخَر. لكنّني لَم أكن الوحيد الذي كان يُفكِر به، فمنال أيضًا كانت مشغولة البال، لكن لأسباب ودواعٍ مُختلفة تمامًا. فهي أدركَت طبعًا ماذا يعني لي، وكَم مِن الفرَح سيجلبُ لي، وكَم أنّه سيُقرّبني مِن زوجتي. لِذا هي قرّرَت ألّا يجِب أن يرى النور أبدًا!
لَم أرَ على الاطلاق أحَدًا يلحقُ بي لا في السيّارة ولا مشيًّا على الأقدام، فاعتقدتُ أنّ منال سئِمَت مِن الموضوع، إلّا أنّها كانت حدَّدَت هدفها: زوجتي الحامِل! وفي آخِر المطاف، تعرّفَت عشيقتي السابقة على زوجتي في إحدى المحلّات بطريقة أرادَتها شبيهة بالصدفة، وبعد حديث دارَ بين المرأتَين حول الملابس والأحذية والحَمل، قالَت لها منال:
ـ وجهكِ يبدو لي مألوفًا... ألستِ زوجة الذي يُدعى توفيق ص.؟
ـ بلى... تعرفين زوجي؟
ـ لا أعرفُه شخصيًّا، بل صديقتي هي التي تعرفه... بالفعل جيّدًا.
ـ ماذا تعينين؟
ـ إسمَعي... لدَيّ معلومات خطيرة عن زوجكِ. إن كنتِ تريدين سماعها، تعالي معي، فسيّارتي مركونة في الخارج.
ـ ماذا تعنين بمعلومات خطيرة؟ بالطبع أريدُ سماعها! هيّا بنا!
خرجَت المرأتان مِن المحلّ وركِبَتا سيّارة منال، لكن قَبل أن يدور المُحرّك، إنتبهَت زوجتي إلى ملامح منال المليئة بالشرّ، فانتابَها الخوف وقالَت لها:
ـ مهلًا! لقد نسيتُ كيسًا في المحلّ، سأعودُ حالًا، إنتظريني.
وبينما حاولَت أماني الخروج مِن السيّارة، أمسكَتها منال مِن ذراعها بِيَد، وباليَد الثانية ضربَتها على بطنها، لكن ليس بالقوّة اللازمة إذ أنّ زوجتي كانت قد استدارَت نحو باب المركبة لِفَتحه. عندها، بدأَت أماني بالركض نحو المحلّ صارخةً بأعلى صوتها، فأحاطَ بها البائعون لحمايتها وجنينها. إتّصلَت زوجتي بي فقدِمتُ كالمجنون على الفور واستمَعتُ لِما جرى، فاضطِررتُ للكذب مِن جديد، لكن هذه المرّة لحماية زوجتي وجنيننا. فقلتُ لها إن منال هي زميلة لي تمّ فصلها بسبب سلوكها، بعد أن حاولَت أن تختلِس مِن الشركة وأنّني مَن ساهَمَ بطردها.
وأدركتُ إلى أيّ حدّ بإمكان منال أن تصل والأذيّة التي قد تُسبّبها. لكن كيف أمنعُها مِن التعرّض لنا مِن دون أن أفضَحَ أمري أمام زوجتي؟ الحلّ جاء مِن زوجتي ولقد تفاجأتُ كثيرًا عندما قالَت لي:
ـ أعرِفُ أنّ تلك المجنونة هي عشيقتكِ... لدى النساء حاسّة سادسة.
ـ كانت عشيقتي! وغضبها سببه أنّني قطعتُ علاقتي بها، صدّقيني وسامحيني!
ـ سأسامحكَ فقط لأنّكَ قطَعتَ علاقتكَ بها ولأنّكَ تقِف إلى جانبي في طريقي إلى الشفاء، لكنّني لن أعذركَ! فلقد خنتَني وكذبتَ عليّ ووضعتَني وجنيني في خطر. قُل لي، ماذا تنوي فعله لحمايتنا؟ فالذنب ذنبكَ ولا أريدُ وابني أن ندفع الثمن.
طلبتُ مِن زوجتي لَمّ أمتعتها والذهاب إلى بيت جدّتها في القرية، بينما أُعطي منال موعدًا للّقاء كَي لا يتسنّى لها اللحاق بأماني ومعرفة مكانها. لَم أذَهب طبعًا إلى الموعد، وبعد أن صارَت زوجتي بأمان، هي أخذَت منّي رقم عشيقتي السابقة وتكلّمَت معها مُطوّلًا. ماذا قالَت لها، لستُ أدري، إلّا أنّ منال اختفَت مِن حياتنا إلى الأبد.
لستُ فخورًا بنفسي، فلَم أخُن زوجتي وحسب، بل كنتُ قد تسبَّبتُ لها بالأذى، ولجنيني ربّما بالموت. تعلّمتُ درسًا مُهمًّا، وأشكرُ الله أنّ ابني وُلِدَ صحيحًا، وهذا كافٍ لي.
سمِعتُ بعد سنتَين أنّ منال تزوّجتَ، فسرِرتُ مِن أجلها، لأنّها هي الأخرى كانت ضحيّة أنانيّتي.
حاورته بولا جهشان