أحبَبتُ رجلًا يصغرني بِعشر سنوات

لو قال لي أحد أنّ كل ذلك سيحصل لي يوماً لكنتُ طلبتُ منه وقفَ الهزار. فكنتُ في ذلك الحين قد بلغتُ ال 37 وكنتُ امرأة مستقلة، ذات وظيفة ثابتة وأتمتّع بحياة هنيئة وسعيدة. إضافة الى ذلك كنتُ محاطة بالأهل والأصدقاء ولم أشعر بالحاجة الى الزواج. بالطبع تعرّفتُ الى شبّان كثر ولكنّني لم أجد الذي كان سيقنعني بقضاء العمر معه. وفكرة "التعنيس" لم تكن تخيفني لأنّني كنتُ أفضّل البقاء عزباء على الارتباط بالشخص الغير مناسب.

ولكن في ذات يوم أثناء انتظاري إحدى صديقاتي في المقهى وصَلَ شاب وجلَسَ الى الطاولة المجاورة. كان قد لَفَت نظري لكثرة وسامته ومشيتَه المميّزة ولكنّني عدتُ وأدَرتُ وجهي بِسبب سنّه فكان يصغرني بِعشرة سنين على الأقل. ولكنّه بدأ يركّز نظره عليّ وعندما انبَهتُ للأمر ابتسمتُ وابتسم بِدوره. عندها قام مِن كرسيّه وجاء إليّ وشعرتُ بِقلبي يدقّ بِقوّة غير مألوفة. انحنى صوبي وقال:

 

ـ أشعر وكأنّنا التقَينا في مكان مِن قبل... ولكن أين؟

 

ـ سبَقَ وسمعتُ تلك الجملة أكثر مِن مئة مرّة في حياتي...

 

وضَعَ يده على الكرسي المقابل وقال:

 

ـ أتسمحين لي بالجلوس معكِ؟

 

ـ فقط إن وعَدتَني باستعمال جمل مُبتكرة معي.

 

ـ أعدُكِ بِذلك!

 

ولم أشعر بالوقت وهو يمرّ لِكثرة خفة دمّه وذكائه لِدرجة أنّني لم أفكّر أن أسأله عن اسمه. وحين وصَلَت صديقتي قام مِن مكانه وأعطاني بطاقته: رامي غ. مهندس مدنيّ.

 

وجلسَت صديقتي مكانه وسألَتني:

 


ـ مَن كان هذا؟

 

ـ شاب شدَّه فارق العمر بيننا... تعلمين كيف هم بهذا السنّ.

 

ـ لا بأس به... أنّه وسيم للغاية! ألاحظتِ أنّنا نلتقي فقط بشبّان صغار هذه الأيّام؟ هل زاد عددهم أم أنّنا كبِرنا؟

 

وكانت على حق فالرجال الذين يناسبون سنّنا كانوا إمّا متزوّجين وإمّا في الخارج.

وفي تلك الليلة وحتى خلال اليوم التالي لم يفارق رامي فكري، فكان يتمتّع بجاذبيّة لم أرَها في رجل مِن قبل، ولكنّه كان وللأسف يصغرني بكثير. ورغم قراري بنسيان الأمر أخرجتُ بطاقته مِن حقيبة يدي وطلبتُه في المساء.

 

ـ مساء الخير... أنا رندا... التقَينا...

 

ـ كنتُ أنتظر اتصالكِ.

 

ـ أريد فقط أن أشكركَ على رفقتكَ المسليّة ... أتّصل بكَ كي لا أبدو فظّة بعدما أعطَيتَني بطاقتكَ.

 

ـ هذا واضح! تتصلين بي في العاشرة ليلاً لكي لا تبدي فظّة!

 

وضحِكَ وشعرتُ بالإحراج لأنّه كان مِن الواضح أنّني استعملتُ عذراً غير مقنعاً. وكي انسيه الموضوع ولأنّني كنتُ أودّ ذلك قبلتُ دعوته لِتناول القهوة في المكان ذاته. وفي تلك المرّة تحدّثنا لِوقت أطوَل وعن مواضيع مختلفة ولم أتردّد لقبول دعوة أخرى.

وتتالَت اللقاءات ووقعتُ بحبّه ولم أعد أفكّر بشيء آخر. كان قد استحوذَ على عقلي وقلبي في آن واحد. ما أعجَبني به الى جانب وسامته كان نضوجه وحيوّيته. فكان رامي خليطًا مِن شاب في ال27 مِن عمره ورجلاً تخطّى ال 40.

 

وعرّفَني رامي على أصدقائه الذين أحبّوني كثيرًا وأدخلوني فورًا الى شلّتهم. ولكن مِن ناحيَتي كنتُ أخجل مِن هكذا علاقة وحاولتُ قدر المستطاع ابعاده عن أهلي ومحيطي كلّه. ماذا كانت ستقول عائلتي عنّي؟ وأصدقائي وزملائي؟ كنتُ سأصبح محط سخرية الجميع ولم أكن مستعدّة لذلك خاصة بعدما عمِلتُ جهدي لِبناء سيرة مثاليّة لِنفسي. لِذا كنتُ التقي به في أماكن لا يذهب اليها معارفي وأمنعُه مِن الاقتراب مِن مسكني. وبالطبع لم يفهم رامي سبب خجلَي مِن علاقتنا:

 

ـ لماذا تتصرّفين هكذا؟

 

ـ تعلم تماماً لماذا... ليس مِن المقبول...

 

ـ ولكن أن يعاشر الرجال نساء أصغر منهم بكثير أمراً مقبولاً؟

 

ـ هكذا هو المجتمع.

 

ـ كان لدَيّ انطباعًا أنّكِ امرأة عصريّة ومستقلّة... اعتقدتُ أنّكِ أقوى مِن أن تُطيعي قوانينًا كهذه... رندا... ماذا لو كان مجتمعنا مخطئًا، هل ستُطيعينه رغم ذلك؟

 


ـ لا... ولكن لا أستطيع تغييره لِوحدي.

 

ـ حتى لو كلّفَكِ ذلك سعادتكِ؟

 

ـ لست أدري... كفانا مِن هذا الموضوع مِن فضلكَ... لستُ مستعدّة لِمناقشته الآن.

 

وانتهى الحديث وخلتُ أنّه استوعَبَ أنّني لن أعيش علاقتنا علنًا. ولكن بعد سنة فاجأني رامي بِطلب يدي. وانتابني خوف شديد فلم أعتقد ولو للحظة أنّ علاقتنا ستستمر أو تصبح رسميّة. وبدأَت التساؤلات تشغل بالي: لو تزوّجنا ماذا سيحصل بعد 10 سنين أو 15 سنة؟ هل سيفضّل رامي عليّ امرأة في سنّه؟ هل سأصبح بالنسبة له ثقلاً يتركه في المنزل لِيذهب للرقص والمرَح مع أبناء جيله؟

لِذا قرّرتُ أنّه مِن الأفضل أن أضَعَ حدًّا لِعلاقتنا قبل أن نتأذّى أكثر مِن ذلك.

حاولَ رامي حملي على تغيير رأيي ولكنّني بقيتُ مصرّة على قراري واثقة أنّه سيشكرني يومًا على عدم المضيّ بِمغامرة فاشلة وأنّه سينساني بعد فترة وسأستعيد حياتي الهادئة بعيدًا عن الهمّ مركّزةً على عملي وعلى ذكريات الأيّام الجميلة التي قضيتُها معه.

انفصلنا والدموع تملأ عَينيَنا وبعد أن جعلتُه يعِدني بِعدم الاتّصال بي تحت أيّ ذريعة.

وكان رأي صديقاتي منقسمًا. فبعضهنّ هنّأني على قراري والبعض الآخر رأى أنّني أعيش في عالم مرّ عليه الزمَن:

 

ـ مِمّا تخافين؟ أن يخونكِ؟ وهل كل الرجال الذين يخونون زوجاتهم هم أصغر منهنّ سنًّا؟ لِزوجي عشيقات ويكبرني بِ 15 سنة! تهتميّن لِكلام الناس اليس كذلك؟ سيتكلّمون عنكِ لِوقت قصير ومِن ثمّ سيملّون وينتقلون الى خبر أكثر تشويقًا... المهمّ هو أنّكِ كنتِ سعيدة مع رامي والباقي ثنويّ... صدّقيني، عندما تزوّجتُ كنتُ بعيدة كل البعد عن تصوّر أنّ زوجي سييخونني خاصة أنّه ليس حتى وسيمًا... سأسألكِ سؤالاً واحدًا: هل شعرتِ بهذا الكمّ مِن السعادة قبل أن تتعرّفي الى رامي؟

 

ـ لا.

 

ـ إذًا أنتِ تقترفين جريمة بِحقّكِ وبحق رامي.

 

وكانت صديقتي على حق. لقد عشتُ حياتي اسمع أنّ الرجل يجب أن يكون أكبر سنًّا مِن المرأة ولكنّني كنتُ قد سمعتُ أيضًا أنّ مكان المرأة في المطبخ وها أنا موظّفة كبيرة في شركة عالميّة ولدَيّ مسؤوليّات لم يصل اليها معظم الرجال.

وزادَ حزني مع مرور الوقت لِذا قرّرتُ أن أسافر لأبتعد عن هذه الأجواء الثقيلة آملة أن أعود بِحالة أفضل. وعلى شطوط جزيرة قبرص استعرَضتُ قصتّي مع رامي منذ بدايتها ووجدتُ أنّنا لم نواجه يومًا أي تباعد أفكار أو أحتكاك مهما كان صغيرًا. كانت علاقتنا فعلاً مثاليّة وسألتُ نفسي إن كان لدَيّ الحق في تسبّب هذا الكم مِن التعاسة مِن أجل التقاليد التي لم ولن تسعدني؟ وهل رجل أكبر سنًا مِن رامي سيعرف كيف يفهمني ويحبّني ويهتمّ بي كما فعَلَ هو؟ وجاءَت الأجوبة بِوضوح الشمس: كان رامي فعلاً رجل حياتي.

وحزمتُ حقيبتي وأخذتُ أوّل طائرة الى البلد. وأثناء الرحلة انتابَني خوفًا شديدًا. ماذا لو لم يعد رامي يريدني؟ وأوّل شيء فعلتُه عندما حطَّت الطائرة كان أن أتّصل بِرامي وأقول له:

 

ـ سيّد رامي غ... هل تقبل بي زوجة لكَ؟

 

ـ نعم!!!

 

وعندما ألتقَينا بعد أقل مِن ساعة حملَني بين ذراعية وقبّلَني مئة مرّة وأقسمَ لي أنّني لن أندم على قراري.

وكما توقّعتُ عارضَ الجميع هذا الزواج ونبّهوني مِن هذا الارتباط الذي سيفشل قريبًا وأنّ رامي سيتركني وسأجد نفسي وحيدة. ولكنّني قرّرتُ أن أثق به لأنّه لم يخذلَني يومًا.

ومرَّ على زواجنا أكثر مِن 10 سنوات ونحبّ بعضنا كما في اليوم الأوّل وأنجبنا بنتًا وحياتي أكثر مِن هنيئة. ولو سمِعتُ مِن الناس كنتُ قد مرَّيتُ قرب السعادة التي أعيشها الآن.

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button