أحببتُ زوج صديقتي

لستُ فخورة بِما فعلتُه آنذاك، لكنّني شعرتُ بالحاجة إلى إخبار قصّتي، ربمّا لأُنزِل عن كاهلي ولو بعض الذنب الذي أكلَني. فالرّجل الذي أحبَبتُه كان زوج أعزّ صديقة لي. هو الآخر أحبَّني، ووجدنا نفسيَنا عالقَين في شباك غرام مُستحيل. فالإنسان ليس حرًّا تمامًا، على الأقل بما يخصّ عواطفه. فأنا لستُ شرّيرة أو معدومة الأخلاق، بل إمرأة وجدَت رجل أحلامها في زوج إنسانة رائعة إسمها سميرة.

واكبتُ صامتة مراحل علاقة صديقتي بأنوَر، مِن اللحظة التي أخبرَتني بوجوده في حياتها إلى حين تزوّجا وما بعد. صحيح أنّني أُعجِبتُ بأنوَر حين تعرّفتُ إليه، لكنّني لَم أفكّر أبدًا بأنّني سأحبُّه بجنون. كان إعجابًا بسيطًا ردَدتُه إلى وسامته وذكائه وحضوره المميّز. فذلك الرّجل كان شبه كامل، ليس فقط بالنسبة لي ولسميرة، بل لكلّ مَن عَرَفَه.

مِن ثمّ صِرتُ أترقّبُ أن تدعوني صديقتي للخروج معها لملاقاة حبيبها وبعد ذلك خطيبها، مِن دون أن أعطي للأمر أهميّة كبيرة، بل كانت طريقة بريئة لرؤية رجل ممّيز. لَم أكن أغارُ مِن سميرة، بل إيجادها أنوَر شجّعَني للبحث عن رجل أحلامي. لكن بعد فترة، بدأتُ أدركُ أنّ رجل أحلامي هو بالفعل أنوَر.

ومنذ ذلك الحين، صرِتُ أتفادى التواجد مع الثنائيّ كي لا أتعذّب عند رؤيتهما سعيدَين وكي لا يُفتضَح أمري. فإعجابي كان قد تحوَّلَ إلى غرام وباتَ مِن الصّعب عليّ إخفاؤه.

تزوّجَت سميرة مِن أنوَر وتأمَّلتُ أن ينشغلا عنّي، لكنّهما كانا يُطالبان بوجودي معهما باستمرار. متى أدرَكَ أنوَر أنّه يُحبُّني؟ بعد ولادة إبنه الأوّل. هو الآخر كان مُعجَبًا بي، ولو علِمَ بشعوري تجاهه لمَا تزوّج مِن سميرة. لكنّه ظنّ أنّ افتتانه بي هو مجرّد شعور عابر سينساه بعد الزواج. وحدها سميرة لَم تكن على عِلم بما يجري، لأنّها إنسانة طيّبة لا تظنُّ السّوء بأحد، بل تجدُ الخير والفرَح بكلّ ما ومَن حولها.

وعندما اعترَفَ لي أنوَر بحبّه لي، حملتُه على الوعد لي بأن ينسى أمري ويُركّز على عائلته. وكي أُساعدُه على ذلك، توقّفتُ عن زيارة بيت صديقتي. إلا أنّها حزِنَت للغاية، وسألَتني إن كنتُ غاضبة منها أو سئمتُ رفقتها. لَم أكن قادرة على إزعال صديقتي، لِذا عاودتُ الذهاب إلى بيتها، عازمة على مقاومة شعوري تجاه زوجها وعدَم إعطائه أيّة فرصة ليستمرّ بحبّي.

 


لكنّ القدر... وسميرة أرادا عكس ذلك. فالمسكينة أُصيبَت بوعكة صحّيّة حملَتها على مُلازمة السرير لفترة طويلة، الأمر الذي حالَ دون قدرتها على الإهتمام ببيتها وولدَيها... وزوجها. حاولتُ إقناعها بأن تأتي بمساعِدة، إلا أنّها أصرَّت على أن أقوم بنفسي بهذه المهام، فحسب قولها، لَم تكن تثقُ بسواي. يا لسخرية الموقف! فهي اختارَت الإنسانة غير الملائمة بتاتًا!

وهكذا تركتُ أهلي وحملتُ أغراضي إلى بيت صديقتي، لأكون إلى جانبها فترة مرضها ونقاهتها. وعليّ التأكيد بأنّني كنتُ عازمة على عدَم التعاطي بصورة شخصيّة مع أنوَر والتركيز على باقي سكّان البيت.

لكنّني فشلتُ فشلاً ذريعًا بأن أكون محطّ ثقة صديقتي، فسرعان ما قويَ حبّي لأنوَر وحبّه لي وصرنا نعيش وكأنّنا زوجان. فكنتُ أهتمّ بالطهو والترتيب والكَي وتدريس الولدَين وكأنّني ربّة المنزل. وأعترفُ بأنّني أحبَبتُ لعب هذا الدور، ووصل بي الأمر إلى أن أعتقد أنّ تلك هي عائلتي بالفعل، وأنّ المرأة المُلقاة في سريرها هي مُجرّد ضيفة عندي.

وطلَبَ منّي أنوَر أن أتزوّجه، لكنّني رفضتُ قطعًا وأعادَني ذلك الموضوع إلى وعيي، فاستفَقتُ مِن الحلم الذي كنتُ أعيشُ فيه. إنتظرتُ بفارغ الصبر أن تشفى سميرة، لأخرج مِن بيتها مِن دون أن أسبّب لها ضررًا فعليًّا.

لكنّ حالة سميرة ساءَت بدلاً مِن أن تتحسّن، ووجدتُ نفسي مُجبرة على البقاء، وشرطي لأنوَر كان ألا يتخطّى حدوده معي، حتى لو كان ذلك فقط عاطفيًّا. فقد كنتُ بحاجة إلى التركيز على الإهتمام بصديقتي التي لَم تعد قادرة على القيام بأيّ شيء لوحدها.

وعلِمنا مِن الطبيب أنّ سميرة لن تتعافى، وأقسمُ أنّني رأيتُ بسمَة على وجه أنوَر. إنزعجتُ كثيرًا مِن الأمر، ووعدتُ نفسي بأن أعاتبُه عند أوّل فرصة. وفي المساء نفسه قال لي حبيبي:

 

ـ الفرَج بات قريبًا... تحضّري لتصبحي زوجتي.

 

ـ ما هذا الكلام؟ الأعمار بِيَد الله وحده، وأتمنّى أن يطول عمر سميرة قدر المستطاع. لا تنسَ أنّها صديقتي أوّلاً وآخرًا.

 

ـ صديقتكِ التي أحبَبتِ زوجها.

 

ـ لَم أفعل شيئًا مُعيبًا معكَ يا أنوَر! كلّ ما بيننا هو كلام عن الحبّ والغرام.

 

ـ أنسيتِ عندما قبّلتُكِ؟

 

ـ حدَثَ ذلك مرّة واحدة ولَم يتكرّر. أرجوكَ يا أنوَر أن تكفّ عن انتظار موت سميرة، فعليكَ أن تتصرّف كزوج مسؤول ومحبّ، على الأقل إمتنانًا لتفاني سميرة لكَ خلال سنوات زواجكما.

 


مرَّت سميرة بأوقات صعبة ومؤلمة جدًّا، وقضيتُ أيّامًا عديدة بالقرب منها ممسكةً بيَدها لأخفّف مِن أوجاعها. وقبل أن ترحل صديقتي مِن هذه الدنيا، قالت لي:

 

ـ أنتِ جوهرة، فلقد اهتمَمتِ بعائلتي على أكمل وجه، ولا أدري ماذا كان قد حصل لنا جميعًا مِن دونكِ.

 

ـ لَم أفعل سوى ما تستحقّينَه يا حبيبتي.

 

ـ أريدُ منكِ شيئًا أخيرًا.

 

ـ قولي وسأنفّذ.

 

ـ بعدما أرحل، إبقِ عَينَيكِ على أنوَر.

 

ـ ماذا تقصدين يا سميرة؟

 

ـ أعني لا تدَعيه يتزوّج مِن بعدي، لا أريدُ أن يأتي بزوجة أب لِولدَيّ، أيًّا كانت.

 

ـ أيًّا كانت؟

 

ـ أجل، إفعلي جهدكِ بأن يبقى عازبًا، أرجوكِ... هذا طلبي الأخير... إيّاه أن يتزوّج مجدّدًا!

 

كانت قد قالَت تلك الجملة الأخيرة وكأنّها أهمّ ما لدَيها لتقوله. إقشعرّ بدَني، لأنّني أدركتُ في تلك اللحظة أنّني لن أكون يومًا مع أنوَر. فلَم يكن مِن المعقول أن أعصي إرادَة إنسانة وهي على فراش الموت، وبالأخص صديقتي الحميمة.

ماتَت سميرة بعد يومَين وبكيتُ كثيرًا عليها، فبغيابها كنتُ حقًّا مِن دون أحد، خاصّة بعدما رأيتُ أحلامي العاطفيّة تتبخّر بثانية.

عندما أخبرتُ أنوَر بمشيئة سميرة بما يخصّ زواجه، لم يُصدّقني بل إتّهمَني بأنّني أختلقُ الأعذار لعَدَم الإرتباط به. تشاجَرنا بقوّة، وبقيَ هو على رأيه حتى بعدما أقسَمتُ له مرارًا أنّني أقول الحقيقة.

وانفصَلنا. لَم أتصوّر أن ينتهي الأمر هكذا، بل أنّنا سنبكي سويًّا على ما يفعلُه القدر بنا، ونُقسمُ لبعضنا حبًّا أبديًّا. وبدلاً عن ذلك، إنتهَت علاقتنا بطريقة مريرة بعيدة كلّ البعد عن الحبّ الذي جمَعَنا يومًا.

تزوّج أنوَر بعد أشهر قليلة، الأمر الذي أكَّدَ لي أنّه لَم يكن يُحبُّني بل أنّه كان يُفضّل أيّ امرأة على سميرة، وحصَلَ أنّني كنتُ موجودة في حياتهما. حاولتُ تذكيره بإرادة سميرة الأخيرة ومنعه مِن الزواج كما وعدتُها أن أفعل، إلا أنّه ضرَبَ عرض الحائط بكلّ محاولاتي.

لكنّني استطعتُ إكرام صديقتي الراحلة بأمر مهمّ للغاية: ولدَيها. فأقنعتُ أنوَر بأنّ وجود ولدَيه سيُؤثّر سلبًا على زواجه، وأنّه مِن الأفضل أن يترك لي أمرهما. وهكذا أخذتُ الولدَين إلى بيت أهلي، وبدأتُ أهتمّ بهما وكأنّني أمّهما. بهذه الطريقة كنتُ سأريحُ قلب سميرة حيث هي، وأكفّر بعض الشيء عن ذنبي تجاهها.

مضى على موت سميرة أكثر مِن عشر سنوات، ولا أزالُ على الوعد. صحيح أنّ أنوَر يتكفّل بمصاريف ولدَيه، إلا أنّه لا يراهما كثيرًا بعدما باتَت له عائلة خاصّة به. لَم أعدُ أحبّ ذلك الرجل وهذا أفضل للجميع. فهمّي الوحيد هو السّهر على ولدَيَّ سميرة بتربيتهما كما هي كانت لِتفعل.

وإن كانت صديقتي تراني مِن حيث هي، فهي تعرفُ كَم أنّني مُخلصة لها ونادمة على مجرّد النظر إلى زوجها. وأنا متأكّدة مِن أنّها سامحَتني منذ زمَن بعيد، لأنّ الملائكة يغفرون للبشر الضعفاء.

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button